العدد 69 - أردني | ||||||||||||||
محمود الريماوي قمة أخرى تستضيفها الدوحة الاثنين (30 آذار/مارس)، وسط أنباء عن تحركات لضمان أوسع مشاركة بها. تخشى العاصمة القطرية أن يشكل عقد القمة الطارئة السابقة على أراضيها في كانون الثاني/يناير الماضي «لعنة»، تنعكس على استضافتها القمة الدورية، فينخفض مستوى تمثيل الدول الأعضاء. القمة الدورية السابقة في دمشق (حليفة الدوحة) شهدت مصيراً مماثلاً بتغيب عدد من القادة العرب أبرزهم قادة مصر، السعودية، والأردن. وذلك على خلفية تباينات حول الملفات الفلسطينية، اللبنانية، والإيرانية. الأردن لم يعلن حتى تاريخه عن مستوى التمثيل في القمة المرتقبة، وقد رشح أن زيارة الرئيس بشار الأسد إلى عمان الجمعة 20 آذار/مارس الجاري، وهي الأولى منذ خمس سنوات للرئيس السوري، هدفت بين أمور أخرى ضمان مشاركة الملك في القمة، وذلك في أعقاب الاستياء الأردني الشديد، من بث حلقات هيكل عبر «الجزيرة» القطرية، في غمرة التحركات لتنقية الأجواء عشية القمة، وبعد تحسن ملموس شهدته العلاقات الأردنية القطرية، تُوج بزيارة ملكية إلى الدوحة العام الماضي. الأردن الذي فوجئ بمضمون وتوقيت بث حلقات محمد حسنين هيكل عبر «الجزيرة»، يتجه لمشاركة نشطة في القمة، ويذكّر مسؤولون كثر أنه لم يسبق للأردن الذي استضاف قمتين عربيتين أن قاطع مثل هذه المناسبة أو أبدى موقفاً سلبياً منها، غير أن مصادر حكومية (وزير الخارجية ناصر جودة) أفادت أن مستوى تمثيل الأردن هو بيد صانع القرار. ومن الواضح أن مبادرة قطرية قبيل القمة نحو الأردن، من شأنها الدفع بعودة الأمور إلى طبيعتها. وبخاصة بعد الزيارة التي قام بها الرئيس السوري إلى عمان. إضافة إلى المملكة، تواجه قطر مشكلة مع مصر التي لم ترحب بانضمام قطر، إلى قمة رباعية عقدت في الرياض العاشر من الجاري.التحفظ المصري يعود إلى استياء من دور لعبته القناة القطرية «الصاخبة»، في ما اعتبرته القاهرة تأليباً ضد مصر، خلال الحرب الإسرائيلية على غزة وفي أعقاب وقف إطلاق النار. مع المشاركة السودانية في القمة، تبرز مشكلة ذات طابع مختلف، لا تتعلق بالعلاقات الثنائية مع الدولة المضيفة. فالرئيس البشير بات مطلوباً لمحكمة جنائية دولية، على خلفية الأحداث المأساوية في إقليم دارفور غرب البلاد، واستضافة الدوحة للزعيم السوداني في حال اعتزامه المشاركة، تثير مشكلة فعلية. يصعب الجزم بمشاركة البشير الذي توجه لأسمرا بالطائرة واستقبله الرئيس الأرتيري آسياس أفورقي، في أول تحدٍ لاستهداف الرئيس، كما أعلن الثلاثاء عن توجه البشير الأربعاء (أمس) إلى القاهرة. وكان بيان لهيئة العلماء المسلمين السودانيين أفتى الأحد الماضي 22 الجاري، بأن يتجنب الرئيس المشاركة لتفادي «كيد الأعداء»، ما يهيء للامتناع عن المشاركة لـ«دواعٍ مقبولة»، وإن كان العزوف عن التوجه للدوحة يثير انطباعاً، بتكريس تقييد حركة البشير الذي قاد مع حسن الترابي انقلاباً على نظام الأحزاب في العام 1989. الدوحة من جهتها أوفدت رئيس وزرائها حمد بن جاسم آل ثاني إلى الخرطوم الثلاثاء «لتجديد الدعوة إلى البشير»، وأوضح المسؤول القطري الرفيع، أن بلاده تتعرض لضغوط لكن «أنتم تعرفون قطر» كما قال. قمة القادة سواء حضرها الرئيس السوداني أم تغيب عنها، مدعوة للتعامل مع أول قرار جنائي وقضائي دولي من نوعه، بحق رئيس عربي على رأس الحكم. ولم يكن الأمر ليبلغ هذه الدرجة من التعقيد، لو انصرفت الخرطوم لمعالجة المشكلة سياسياً وتنموياً منذ بواكيرها قبل نحو سبع سنوات، ولو أن «النظام العربي» بما فيه مؤسسة القمة، أولى اهتماماً كافياً بهذه المشكلة منذ البدء، وحال بالتدخل الرشيد دون تفاقمها وتدويلها. ومع المشكلة المتعلقة بالقيادة السودانية، فإن قمة الدوحة عرضة لمواجهة مشكلة أخرى تتعلق باحتمال دعوة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لحضور القمة.وبينما استبعد عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية قبل أيام وفي دمشق، دعوة نجاد للمشاركة كون «المناسبة عربية» فإن الدوحة تتكتم حتى تاريخه حول نواياها بهذا الشأن، وكانت دعت الرئيس نجاد للقمة الطارئة في كانون الثاني/يناير الماضي، كما دعته في وقت سابق لقمة خليجية استضافتها. وهناك تسريب إعلامي بان الدوحة قد تدعو نجاد في حال كان مستوى التمثيل في المشاركة منخفضاً، أما في حالة مشاركة غالبية القادة العرب، فقد يتم الامتناع عن دعوة رئيس غير عربي. بهذا يتحول هذا الأمر إلى ورقة سياسية في يد الدولة المضيفة، بما يضيف جديداً إلى أداء القمم وآلية تنظيم عقدها. اتصالات الأيام القليلة المتبقية، وما تسفر عنه من نتائج سوف تحدد مستوى التمثيل، وفي الأحوال كافة، فإن القمة سوف تلتئم، فالقرار بعقدها قرار عربي اتخذه الزعماء في أول قمة دورية عقدت في عمان، والأهم من الانعقاد وما يحيط به من مظاهر مثيرة تتولى التلفزات عرضها أولاً بأول، هو استعادة القيمة الاعتبارية والفعلية لهذه المناسبة، حتى لا تنحو القمم منحى علاقات عامة سياسية عالية المستوى، أوتغدو مجرد مناسبة للتنشيط والتلميع الإعلاميين. تفادياً لهذا المحذور، فقد خرج اللقاء الرباعي في الرياض بضرورة إرساء تفاهم حول القضايا العربية الأساسية، وذلك كأساس لتحسين العلاقات. في ما مضى من تاريخ العلاقات العربية، كان ينعقد تفاهم حول القضايا الأساسية لكن مع غياب الفاعلية.. وها هي الأحوال تتبدل فيغدو التفاهم حول الأساسيات مطلباً وهدفاً، وبما يجعل بعدئذ الطموح إلى الفاعلية، مجرد حلم مع تباعد الرؤى السياسية وافتقاد قرارات القمم لأية إلزامية. من المتوقع في هذا السياق التوافق على صيغة بشأن «مصير» مبادرة السلام العربية، هل يتم سحبها أم تجميدها أم الاكتفاء بالتلويح بتعليقها، كما حدث في قمة الكويت الاقتصادية كانون الثاني/يناير الماضي. يُفترض أن التوصل لصيغة توافقية ليس بالأمر المتعذر، وبخاصة حين تتم الاستفادة من مرونة اللغة العربية حمّالة الأوجه. غير أن الأهم من ذلك هو وضع استراتيجية للتعامل مع حكومة نتنياهو المزمعة، والموصوفة بأنها حكومة أقصى اليمين. فليس لدى مثل هذه الحكومة من برامج سوى التوسع والتهويد وشن الحروب. التعامل الحازم مع تلك الحكومة ومقاطعة رموزها،هو نقطة الانطلاق عربياً لتصويب الأمور، وذلك جنباً إلى جنب مع مخاطبة إدارة الرئيس أوباما بلغة واضحة مفادها أن المطلوب هو سلام على الأرض لا عملية سلام قديمة أو جديدة، وأن على الإدارة الديمقراطية التكفير عن خطايا ولايتي بوش، باحترام مقتضيات الشرعية وأحكام القانون الدولي، ووقف الانحياز المشين للاحتلال. لا يرتسم المستقبل، بأسلوبٍ ما لمخاطبة الدولة العظمى،بل بوضع سياسة متفق عليها، تحمل الآخرين على احترام العرب والتعامل معهم ككتلة قومية / إقليمية ذات شأن ووزن. وذلك بدلاً من أسلوب المناشدات العقيم، أوالاكتفاء بدبلوماسية تقليدية. وفي وقت لم تظهر فيه تحركات عربية نحو الساكن الجديد في البيت الأبيض، فإن قمة الدوحة مؤهلة ومدعوة من الرأي العام العربي، لبث رسالة ذات مغزى وأثر، لتحريك المياه الراكدة وعدم ترك زمام المبادرة بيد الطرف الآخر الإسرائيلي، الذي يربح على الأرض ولا يخسر سياسياً. |
|
|||||||||||||