العدد 68 - كتاب | ||||||||||||||
بتاريخ 11 آذار/مارس من هذا العام قرر البنك المركزي تخفيض سعر فائدة الإقراض الرئيسي بنسبة (0.50 في المئة) ويسري هذا التخفيض على سعر الخصم من (6.25 في المئة)، إلى (5.75 في المئة)، وسعر الفائدة على أموال الإيداع ليلة واحدة ولديه من (4 في المئة) إلى (3.5 في المئة). ونقطة الضعف الأساسية في قرار كهذا من البنك المركزي، تتصل بكونه غير ملزم للبنوك في تطبيقه، كلياً أو جزئياً، في ضوء تبني البنك نهج «تحرير أسعار الفائدة والعمولة » في سياق التحرير العام للاقتصاد والتجارة، وعدم التدخل في القرار الاقتصادي بما فيه عدم التدخل الرسمي في قرارات الإدارات المصرفية، أي أن قرار المركزي الأخير يعتمد في تطبيقه على مدى النجاح في إقناع البنوك به، وليس إلزامها به، كما كان الحال قبل تبني التوجهات والسياسات الانفتاحية بسلبياتها الواضحة. وحتى مع افتراض استجابة البنوك للتوجهات التأشيرية للبنك المركزي، فإنّه سيرافق هذه الاستجابة من جانب البنوك قيامها، وكما حدث في السابق أكثر من مرة، بإجراء تخفيض موازٍ أو أكبر في أسعار الفائدة المدفوعة على الودائع المودعة لها. وهذا من شأنه إضعاف رغبة الأفراد والشركات على الإدخار والإيداع لدى البنوك، وتحول جانب من المدخرات من السوق النقدية إلى السوق المالية، حيث يتركز معظم استخدامها في السوق الثانوية للمتاجرة والمضاربة في الأسهم والأوراق المالية لا أكثر. هذا ورغم مبادرة الكثير من البنوك المركزية للأقطار الرأسمالية المتقدمة الأكثر تطوراً في إقرار سلسلة من التخفيضات في أسعار الفائدة )الملزمة في معظمها( المصرفية وإلى مستويات تقترب من الصفر، فإنّ ذلك لم ينجح حتى الآن في إنعاش الاقتصاد ونموه، بل لوحظ العكس أي استمرار التدهور في الاقتصاد وتعمّق ركوده. مطلوب في الأوضاع الحالية للاقتصاد الأردني، الوصول إلى تخفيضات ملموسة في أسعار الفائدة المصرفية على الاقتراض، وليس على الودائع، إذ إن هامش الفائدة الواسع الآن يسمح بذلك، فيما إبقاء الفائدة على الودائع، كما هي يساهم في تحفيز الإدخار والإيداع وفي نطاق إعادة الصلاحية للبنك المركزي في إلزام البنوك بالتنفيذ لتوجيهاته وقراراته في تحديد أسعار الفائدة، كما في التزام البنوك بقراراته بشأن تنظيم وتقنين قرارات البنوك في منح التسهيلات الإئتمانية، وفي الاتجاهات والمطارح المرغوب من قبله بتمويلها ودعمها. من جهة ثانية، نعتقد بأن قرار البنك المركزي بتخفيض نسبة الاحتياطي النقدي الذي تلتزم البنوك بالاحتفاظ بقيمته لديه دون أن يتحمل دفع أي فائدة، ومن (9 في المئة) إلى (8 في المئة)، اعتباراً من نهاية شهر نيسان/أبريل المقبل لم يكن مفيداً أو صحيحاً بأكثر من معيار، إذ كلما ارتفعت نسبة الاحتياط وقيمته، كان ذلك وضعاً أفضل كضمان إضافي لأموال المودعين، ولأنه يشكل أحد مصادر التمويل الأساسية للبنك المركزي التي تمكنه من أداء مهامه، ودون دفع أي فائدة عليه، علماً بأن القانون يسمح للمركزي التحرك في هذه النسبة بين (5 في المئة)، كحد أدنى، (35 في المئة)، كحد أعلى والواضح أن النسبة الحالية أقل بكثير من نسبة الحد الأعلى. وخلافاً لتصورات أو مزاعم «شح السيولة » في السوق المصرفية والنقدية، فإنّ بيانات السيولة أظهرت قفزات في قيمة ومعدلات عرض النقد (2) ومن (9466) مليون دينار في نهاية 2003 إلى (15607) مليون في نهاية 2007 وإلى (18222) مليون في نهاية شهر تشرين الثاني 2008 وأكثر من الضِعف، وبلغت نسب النمو في عرض النقد (11.7 في المئة)، و(17 في المئة)، و(14.1 في المئة)، و(10.6 في المئة)، و( 16.8 في المئة)، في السنوات 2004 ، و 2005 ، و 2006 ، و 2007 ، وتشرين الثاني 2008 ، عل التوالي، وهي أرقام ومعدلات عالية بالتأكيد، ولها سلبياتها ومخاطرها. وخلال السنوات الخمس السابقة، لم يكن هناك «تشدداً من البنوك » في منح التسهيلات الائتمانية (القروض)، بل ما يعكس توسعاً وإفراطاً في منحها، إذ قفزت من (5262) مليون دينار في نهاية 2003 إلى (11296) مليون في نهاية 2007 وإلى (13398) مليون دينار في نهاية تشرين الثاني 2008 وبمعدلات نمو قياسية (17.6 في المئة)، و(25.1 في المئة)، و(26 في المئة)، و(15.4 في المئة)، و(18.6 في المئة) للسنوات من 2004 إلى تشرين الثاني 2008 ، وقفزت نسبة قيمة الإقراض بالدينار إلى الودائع بالدينار إلى (88 في المئة) وهي نسبة عالية وخطرة ولا تستدعي قراراً من المركزي بتحفيز البنوك إلى مزيد من الإقراض بتخفيض نسبة الاحتياطي من (9 في المئة) بل بالعكس رفعها، وبدلاً من تمكين البنوك من مزيد من القدرة على منح القروض، فإنّ المطلوب قبل ذلك أن يكون البنك المركزي في وضع القادر الملزم للبنوك على توزيع أكثر توازناً لتسهيلاتها، أو قروضها على القطاعات المختلفة التي تتوازى مع ضرورات ومتطلبات التنمية الاقتصادية المستدامة وتكافؤ تداعياتها الاجتماعية. ولا ننسى أخيراً أن مدخرات ورؤوس أموال أصحاب الشركات ومشاريعها هي الأساس والعنصر الرئيس لتمويلها، فيما يكون الاقتراض من المقرضين، أفراداً ومصارف، استثنائياً وفي أضيق الحدود، ولأغراض قصيرة الأجل في معظمها ويجب بأكثر من معيار أن تكون القروض أقل من رأس المال أو حقوق الملكية وليس مجدياً بل أمراً بالغ الخطورة، استمرار الإفراط في منح القروض، وبخاصة لجهات مضاربة أو مغامرة أو متوسعة بلا حساب. |
|
|||||||||||||