العدد 67 - اقليمي
 

السجل - خاص

أجاب سلام فياض، رئيس حكومة تسيير الأعمال الفلسطينية، عن السؤال نفسه عشر مرات في جلسة نقاش مع كُتَّاب وصحفيين فلسطينيين في مكتبه برام الله الأسبوع الماضي. كان السؤال الذي تكرر طرحه بصيغ مختلفة هو: «هل سيقبل تشكيل حكومة مقبلة بعد توافق المتحاورين في القاهرة على حكومة توافق وطني من المستقلين؟ وكان يجيب بأنه لن يتولى أي منصب رسمي بعد الآن.. في النهاية أعيد طرح السؤال بطريقة أخرى: ماذا ستفعل بعد 31 آذار/مارس الجاري، وهو الموعد المحدد في رسالة استقالته التي قدمها للرئيس محمود عباس، فأجاب: أن البت بالأمر من صلاحية الرئيس. استقال فياض عملياً لإفساح المجال أمام حوار القاهرة كي ينجح، وحتى لا يقال إنه متمسك بالانقسام، ليبقى رئيساً للوزراء، وسط أنباء عن تمسك عربي ودولي به كرئيس للوزراء موثوق به، بسبب إصلاحاته في إدارة المؤسسات الرسمية والوزارات، والشفافية التي ميزت فترة وجوده في وزارة المالية ثم رئيساً للوزراء. وكانت أنباء إسرائيلية ذكرت أن وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون، أبلغت دولاً عربية في مؤتمر شرم الشيخ لإعادة إعمار غزة وكذلك الرئيس عباس، بأن واشنطن ستعلّق مساعداتها للسلطة الفلسطينية، في حالة مشاركة حركة حماس في الحكومة المنتظرة دون تلبيتها لشروط الرباعية الدولية والتي تطالب بالاعتراف بإسرائيل، ونبذ العنف، والالتزام بالقرارات الدولية. وبدا واضحاً في خطاب رئيس المخابرات المصرية عمر سليمان في افتتاح الحوار الفلسطيني في القاهرة، أنه يطالب بحكومة توافقية غير فصائلية، ما يشير الى احتمال إعادة تكليف سلام فياض بتشكيل حكومة جديدة، رغم معارضة حركة حماس وقادة من فتح لإعادة تكليفه. في جلسات الحوار السابقة شباط الماضي، تسربت أنباء عن أن بعض أعضاء وفد فتح، قالوا لوفد حركة حماس إنهم متفقون معهم بأن فياض «يجب أن يرحل ». هذه التسريبات أثارت غضب الرئيس الفلسطيني، الذي وجّه نقداً لاذعاً لبعض أعضاء وفد فتح،الذين عرف عنهم بأنهم يعارضون فياض على أمل تكليف أحدهم بموافقة من حماس بتشكيل الحكومة المقبلة. فبعض من قيادات فتح يروج إتهامات لفياض بأنه يحاول السيطرة على حركة فتح، والبعض الآخر يمتدحه، لأنه نجح فيما فشلت فيه فتح من حيث إعادة ضبط الأمن والقانون والتصدي لحماس في الضفة

الغربية، وتجفيف مصادر التمويل، وإغلاق جمعياتها وتغيير إدارة لجان الزكاة، وإزاحة خطباء مساجد تابعين لحماس، والقضاء على الفلتان الأمني بدءاً من مسلحي حركة فتح وصولاً الى خلايا حماس المسلحة. يقول فياض حول هذه النقطة «الآن نجد حماس تقول إن مطلقي الصواريخ من غزة ليسوا وطنيين.. فيما تتهم السلطة في الضفة باعتقال عناصرها لمنع تنفيذ عمليات؟ فكيف تصبح التهدئة في غزة عملاً وطنياً وفي الضفة عملاً خيانياً؟ .» منتقدو فياض يصفون حكومته بأنها حكومة الرجل الواحد، وأنه المحرك الوحيد لها وبقية الوزراء ضعفاء، وأنها حكومة منظمات غير حكومية، وأن بعض وزرائها لا يتورعون عن انتقاد حركة فتح في مجالسهم الخاصة وفي لقاءاتهم مع ضيوف أجانب. ومن جانبه يتهم فياض بعض قادة فتح وشخصيات مستقلة أخرى، بالتقليل من حجم إنجازاته علناً، لكنهم في الجلسات الخاصة يعترفون له بإنجاز الكثير على الأرض. وقد ظل فياض بعيداً عن العمل التفاوضي، باعتبار أن الملف السياسي من صلاحية الرئيس، لكنه لم يكن يبدي أي تفاؤل بشأن المفاوضات مع ايهود اولمرت، وبدلاً من ذلك قال «علينا توفير سبل الصمود والبقاء لشعبنا، فإذا لم يكن هناك حل فيجب أن نصمد ونبقى على أرضنا، ففي النهاية يجب أن تعترف إسرائيل بحقوقنا في إقامة دولة فلسطينية مستقلة .»

وللحق فإن حكومة فياض أولت مقاومة الجدار أهمية خاصة من حيث دعم الفعاليات الشعبية ضد الجدار، وتوفير الخدمات للقرى المتضررة من الجدار، فقد زار فياض كل المناطق المهددة وفوجىء عند زيارته لبعض القرى، بأنه أول مسؤول يزورها منذ آخر زيارة قام بها مسؤول أردني قبل الاحتلال العام 1967 . وعندما يسأل عن سبب تدني شعبيته في استطلاعات الرأي، يقول إنه «لا يعمل حتى يكسب شعبية بل يؤدي واجباً .»

يصف حكومته بأنها حكومة إنقاذ نجحت في تخليص الضفة الغربية من الفلتان الأمني. ومحاولة «استعادة » غزة بالوسائل السلمية، فقد طرح اقتراحاً العام الماضي مؤداه تشكيل حكومة وحدة وطنية أولاً، وفتح المعابر وإنهاء الحصار،ثم البدء ببحث الملفات والخلافات على الأرض وليس في الخارج، لكن اقتراحه الذي أوصله الى اليمن لم يكتب له النجاح. وسارع الى وضع برنامج طموح وفعال لإعادة إعمار غزة، يتجاوز الخلافات والعراقيل بتكليف البنوك بهذه المهمة، وحشد له أكثر مما كان متوقعاً في مؤتمر شرم الشيخ، حتى قال خافيير سولانا، مفوض العلاقات السياسية في الاتحاد الاوروبي، أن هذا البرنامج «يستحق جائزة نوبل في الاقتصاد . » المؤشرات الصادرة من جلسات الحوار في القاهرة، تنبىء بتعسرالاتفاق، وهذا ما سيؤدي الى إعادة تكليف فياض، بالاستمرار في منصبه مع إجراء تعديل وزاري، او تشكيل حكومة موسعة تضم فصائل منظمة التحرير ومستقلين. فالخلافات في الملفات الشائكة توقفت عند عقدة الانتخابات، والعقد المركزية ما زالت تراوح مكانها، حيث إن حماس بلسان أحد قادتها صلاح البردويل، ترفض أن تلتزم الحكومة المقبلة بالتزامات منظمة التحرير، فيما تقول فتح إن برنامج الحكومة غير ملزم لحركة حماس، وتستطيع الاحتفاظ بموقفها خارج الحكومة. بالنسبة لإصلاح منظمة التحرير، تطالب حماس بمرجعية ذات لجنة مشتركة تقوم برعاية شؤون المنظمة الى حين إصلاحها، فيما تقول فتح إن المنظمة تبقى كما هي الى حين إصلاحها.. ويقول البردويل في تصريحاته الأخيرة إن حماس تدعو لعقيدة للأجهزة الأمنية، تقوم على مبدأ حماية المقاومة بما يعني احتفاظ الفصائل بسلاحها كما هو حال حزب الله في لبنان، فيما ترى فتح أن ثمة التزامات واتفاقات لا يمكن القفز عنها، وأن حماس تريد من وراء ذلك الإبقاء على بنيتها العسكرية خارج نطاق الأجهزة الأمنية، وأنه لا يجوز وجود سلاح غير سلاح السلطة الشرعية.

بخصوص الانتخابات ترفض حماس اجراء انتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة في 24 كانون الثاني من العام المقبل، باعتبار أن الداعي للانتخابات هو «انتهاء فترة ولاية الرئيس » كما تقول حماس، ولذا تسعى للقفز عن الموعد المقرر قانوناً، وتلمح الى تمديد فترة ولاية التشريعي مقابل التمديد لولاية الرئيس. وهذه المقايضة غير قانونية أصلاً، لأنه لا يجوز مصادرة حق الانتخاب ولو باتفاق فصائلي. هذه العقدة يصعب حتى تاريخه تجاوزها أو الاتفاق حولها في القاهرة، ولهذا ترك أمرها للجنة الاشراف العليا التي سيحاول من خلالها الوسيط المصري الوزير عمر سليمان الخروج بحلول وسطية، لا تسجل كشكل للحوار، لكنها قد لا تؤدي الى توافق وحل الأزمة الداخلية الفلسطينية. كما قال مفاوض فلسطيني يبدو أن حماس لم تأت لإنجاز اتفاق بل لمعرفة ما الذي يمكن أن تحصل عليه . إذاً.. يبدو أن التوافق إن حصل سيعيد تكليف فياض بتشكيل حكومة نتقالية،وأن فشل سيمدد في عمر حكومته او يعاد تشكيلها بشكل موسع. ف «المحاسب » كما يسميه قادة فتح من باب السخرية، و «عميل المبعوث الاميركي دايتون » كما ينعته إعلام حماس، هو رئيس الحكومة الفاعلة، رغم وجود حكومة ظل حول الرئيس الفلسطيني من مستشارين برتبة وزير، وحكومة لحماس في غزة، وكلتا الحكومتين دأبتا على مزاحمة حكومة فياض.

حوار القاهرة لم يقهر الانقسام بعد: "المحاسب" و"عميل دايتون" ينقذ السلطة في الضفة
 
12-Mar-2009
 
العدد 67