العدد 67 - الملف
 

ثمين الخيطان

تعد بلدية مادبا الكبرى «نفسها » لتكون أول مدينة تطبيق فيها اللامركزية، عبر حزمة من المشاريع المقترحة التي يحتاج تنفيذها إلى مبالغ تزيد على ضعف الميزانية المقدرة حاليا بستة ملايين دينار، وسط انتقادات بفقدان الصلاحيات التي أعطيت لوزارة الشؤون البلدية في العاصمة.

المشاريع الثمانية التي يقدمها المجلس البلدي ضمن خطته الاستراتيجية للأعوام 2009 - 2012 تحتاج إلى مبلغ يراوح بين 15 و 16 مليون دينار، ويأمل رئيس البلدية عارف الرواجيح في أن يجتذب ما بين 9 و 10 ملايبن دينار، منها من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، البنك الدولي، الاتحاد الأوروبي، القوات المسلحة الأردنية، موازنة الدولة، إضافة إلى القطاع الخاص. الأموال المطلوبة يفترض أن تغطي مشاريع تشمل خدمات البنية التحتية، تعبيد الشوارع والصرف الصحي، بالإضافة إلى منتجع سياحي يقام على أرض مساحتها 1000 دونم، مستشفى عسكري، مواقف سيارات متعددة الطوابق باتت المدينة بحاجة لها لمواجهة حركة السير المتزايدة، قرية سياحية في ماعين، ومركز ثقافي يخدم ترشيح مادبا للقب عاصمة الثقافة الأردنية. لا يعرف الرواجيح وزملاؤه بعد صلاحياتهم ومهماتهم الجديدة في ظل اللامركزية الموعودة، ومع ذلك فإنهم يخططون بتفاؤل للمرحلة المقبلة، مدفوعين بوعود تتعلق بانطلاق «مشاريع مبرمجة » تشارك فيها فعاليات المجتمع المدني والقطاع الخاص. تلك الوعود أعلن عنها الملك عبدالله الثاني خلال زيارته إلى المدينة الأسبوع الماضي، حيث أعطى شارة الانطلاق لسباق اللامركزية

في مدن وبلديات المملكة، لتكون مادبا (33 كم جنوب غرب العاصمة عمان)، أول المنطلقين. «زمان، في زيارات الملك، كان يقف رئيس

البلدية أو المحافظ ويطلب »، يقول الرواجيح لـ"السجل"، لكنه يستدرك أن «المسألة هذه المرة لم تكن كالسابق »، فقد تخلل الزيارة الملكية الأخيرة عرض حول المخطط الشمولي لكل المشاريع التنموية المطلوبة في المحافظة.

هذه المشاريع تعد امتدادا لثلاث مبادرات رئيسية يفخر الرواجيح بأنها نفذت منذ وصوله إلى رئاسة البلدية في صيف العام 2007 . فقد أعاد مجمع النقليات إلى موقعه الأصلي وسط المدينة، بعد أن كان قد نقل سابقا إلى شرق مادبا، كما بدأ في عهده العمل بمشروع تطوير وسط مادبا السياحي بتمويل أميركي، فيما ينتظر مسلخ المدينة الجديد تأثيثه وتشغيله بكلفة 450 ألف دينار تبرعت بها وزارة التخطيط والتعاون الدولي. يقول رئيس البلدية إن الموقع الشرقي لمجمع النقل العام كان أدى إلى موجة احتجاج في أوساط أهالي مادبا لبعده عن مساكنهم، ما يضطرهم إلى دفع دينار واحد في كل مرة من أجل الوصول إلى موقعه.

إلا أن جهود الرواجيح وفريقه لم ترض البعض من تجار ومواطنين يستعملون وسط مدينة مادبا وشوارعها. «الوضع في مادبا مزر، الشوارع كلها محفرة »، قال أحد السكان، وهو يعمل في القطاع الطبي في المحافظة، مذكرا بحادثة عقر كلب ضال لطفلين شرق المحافظة قبل أقل من أسبوعين. تاجر كهربائيات يقع محله ضمن مشروع وسط المدينة الذي تقوم به الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، أكد أن بيع الأجهزة الكهربائية

أصبح غير ممكن، نظراً لمنع التحميل والتنزيل في الشارع الذي رصف، وينتظر أن يصبح مقتصرا على المشاة دون السيارات. «طلبنا منه (رئيس البلدية) أن يناقشنا قبل البدء في العمل قبل عشرة شهور، ما طل وما نادانا »، قال التاجر البالغ من العمر 47 سنة، مفضلا عدم ذكر اسمه.

في تلك الأثناء، كان عصمت السرياني (55 عاما)، يلعب الشدة مع صديقه في محل الشرقيات وسط مادبا. «ما فيه شغل وما استفتحنا... مضايقينا في هالحفريات والشغل »، قال لـ"السجل"، معربا عن أمله بأن تعوض خسائره مع الانتهاء من الأشغال وفتح جميع الشوارع أمام المارة السياح.وانتقد السرياني «القارمات والشمسيات » التي تفرض البلدية وضعها على أبواب المحال التجارية ل «توحيد الصورة الجمالية »، معتبرا أنها مكلفة ماديا.

غير أن البعض الآخر يجد في جهود أعضاء المجلس البلدي ما يستحق التقدير، وهم يفضلون الانتظار حتى تنتهي المشاريع المعمول بها وتظهر نتائج التنمية. «الناس بدها كل شي عالجاهز، مرات بدك تعذر لأنه هاي بنية تحتية »، قال صاحب محل شرقيات في مشروع السياحة، وأضاف: «عملية تنظيم الأرصفة وإزالة القارمات إشي كويس، قاعدين بيزبطوا المدينة وبعتنوا بجمالها .»

لكن التاجر نفسه، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، انتقد البلدية لعدم التشديد في مخالفات الباعة المتجولين وأصحاب البسطات الذين «يشوهون منظر المدينة... كل واحد معاه بكم بعبيه بكس بندورة وببسط وين ما إجا .» ويخلص إلى أن «البلدية ما إلها قرار .» رئيس بلدية إربد السابق وليد المصري، وافقه الرأي، محذرا مما وصفه ب «تدخلات » وزارة الشؤون البلدية في قرارات البلديات في الأردن و «التعسف في استخدام حقها » عند المصادقة على موازنات البلديات الأردنية. «فيه أمور كثيرة قاعد يصير فيها هيمنة وسلطة للوزارة، وهذا غير موجود في القوانين »، يقول المصري ل «ے»، موردا مثال التشكيلات الوظيفية التي يفترض أن تصادق عليها الوزارة مع موازنة البلدية. لكنها «تحاول أن تتحكم وتفرض أسماء الموظفين المعينين .» المصري، الذي احتفلت بلدية إربد في عهده (2003 - 2006) بمئويتها، أوضح أن بعضا من صلاحيات البلديات في الأردن كانت سحبت خلال السنوات الماضية لصالح جهات أخرى كشركات المياه والكهرباء ووزارة الصحة. وأكد أنه من الأولى رجوع هذه الحقول إلى الإدارة البلدية كخطوة على طريق اللامركزية.

«البلدية هي الوحدة الأساسية التي تتعامل مع الناس... في بيتك، شارعك، حارتك، حضانة ولادك، نفاياتك، اللمبة اللي في شارعك، لحمتك وخضرتك، حتى شهادة وفاتك من البلدية »، قال المصري، مشيرا إلى ضرورة تأهيل كوادر البلديات من خلال تدريب الموظفين والاستعانة بتجهيزات ومعدات حديثة في العمل. وزير الشؤون البلدية شحادة أبو هديب، اعتبر أن هنالك تقصيرا في أداء الكثير من بلديات المملكة، إلا أنه نفى وجود تدخل للوزارة في العمل البلدي، مشددا على أن هذا الدور يقتصر على «الرقابة الإدارية .» أبو هديب قال لـ"السجل" إن النية الحكومية تتجه لتعديل بعض التشريعات المتعلقة بالعمل البلدي في المملكة حتى تمنح المجالس البلدية صلاحيات أوسع، بالتوازي مع دورات لتأهيل الكوادر التي تعاني من البيروقراطية والقصور على حد تعبيره. «رح تصير البلديات هي المسؤولة عن المشاريع التنموية والاستثمارية والشراكات مع مختلف القطاعات، » أضاف الوزير. لكن التنمية لا يمكن أن تتم دون التواصل بين البلدية ووزارتي الداخلية والشؤون البلدية، مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص في مادبا، بحسب عضو المجلس البلدي والرئيسة السابقة للاتحاد النسائي في المدينة هيفاء كرادشة. قالت كرادشة إن التعاون حاليا يتم بحسب الأشخاص المعنيين في إدارة تلك القطاعات، مشيرة إلى وجود «تضارب مشاريع » بين البلدية وشركات المياه والكهرباء، معطوفا على ازدحام المهمات الموكولة إلى رئيس البلدية ابتداء من الإمضاء على إجازات الموظفين وليس انتهاء بتوقيع اتفاقيات المشاريع الكبرى. مهمات «تصريف الأعمال » كانت موكولة إلى عبد العزيز الغليلات مدير البلدية، إلى أن عين مستشارا بداية آذار الجاري جراء ضغوط من قبل أعضاء في المجلس البلدي بحسب كرادشة، فيما بقي منصب مدير البلدية شاغرا. مصادر في المجلس البلدي أشارت إلى أن تغيير الغليلات جاء على خلفية عشائرية.

كرادشة، التي كان والدها، خلف كرادشة، رئيساً لبلدية مادبا في الخمسينيات والستينيات من القرن الفائت، تعتبر أن نجاح اللامركزية مرهون بمحاربة البيروقراطية والمركزية داخل جسم البلدية نفسه، التحدي الماثل أمام القيادات المادبية للبرهنة على صواب الخيار الملكي.

أول مدينة تطبَّق فيها اللامركزية بلدية مادبا: البيروقراطية والمركزية تحديان أمام قيادات المدينة
 
12-Mar-2009
 
العدد 67