العدد 67 - علوم وتكنولوجيا
 

عدي الريماوي

كثيراً ما يثار الحديث حول «التلوث الضوضائي » وآثاره السلبية في صحة الإنسان، بخاصة ذلك التلوث الذي يحدث في المناطق السكنية، التي تشتمل على مصانع أو ورشات عمل حرْفية. الأثر المباشر لهذا التلوث، لا يقتصر على العاملين في المواقع التي تُصدر ضجيجاً مستمراً، بل يتعداه ليطال السكان في المناطق المحيطة، بسبب استخدام الآلات ذات الأصوات الحادة. فقد أثبتت دراسة سويدية صدرت عن معهد كارولنسكي الطبي، أن الضجيج الناتج عن زحمة السير داخل المدن المأهولة بالسكان، يزيد من مخاطر الإصابة بالأزمات القلبية، مقارنة مع من يعيشون في مناطق أكثر هدوءاً.

الدراسة رصدت 1571 شخصاً ممن يعيشون في مناطق يزدحم فيها السير داخل العاصمة أستوكهولم، وتبين أن نسبة الإصابة بالذبحات القلبية تصل إلى 40 في المئة لدى السكان الذين يتعرضون إلى الضوضاء الناتجة عن حركة السير التي تزيد على مقياس 50 ديسيبل. ويعدّ الصخب من المشكلات البيئية المتنامية التي تعاني منها المدن في العالم أجمع. ووفق دراسات منظمة الصحة العالمية، فإن 40 في المئة من سكان أوروبا يتعرضون لضوضاء حركة السير بمقدار 55 ديسيبل يومياً خلال النهار. الديسيبل وحدةُ قياس شدة الصوت، ويعبّر عن أدنى فرق بين صوت وآخر يمكن أن تحسه الأذن، ويعدّ مستوى 65 ديسيبل من الضوضاء ضارّاً بالأذن، بينما تصل الضوضاء إلى مستوى الألم عند مستوى 140 ديسيبل.

إضافة إلى زحمة السير، هناك أجهزة «إم.بي. »3 التي يستخدمها معظم الشبان هذه الأيام، والتي تؤثر بقوة في حواس الإنسان. فقد حذّر علماء أوروبيون مؤخراً من أن الإنسان قد يعاني من فقد السمع بشكل دائم بعد خمس سنوات، إذا استمع لأجهزة «إم.بي. »3 بصوت مرتفع جدا لأكثر من خمس ساعات أسبوعياً. وانتقدت الدراسة مفهوم «الاستمتاع بالضجيج ،» قائلة إنه يتعين حماية الأطفال والشبان من الأصوات المرتفعة بشكل مبالغ فيها، وانتقدت كذلك ارتفاع أصوات أجهزة الهاتف المحمول. غير أن الشباب لا يدركون هذا الأمر، ولا يعرفون أن الضعف السمعي قابل للعلاج.

للوقاية من فرص فقدان السمع، ينصح الاختصاصيون بضرورة الوقوف بعيداً عن مكبرات الصوت، وارتداء المعدات الواقية عند استخدام الآلات التي تصدر أصواتاً مرتفعة في العمل أو في المنزل. وهناك أيضاً التشجيع الجماعي لجماهير كرة القدم في الساحات العملاقة، الذي يضر بالأذن، حتى إن نقابة المربين والمعلمين في ألمانيا حذرت من الضوضاء داخل المدارس، حيث أفادت بأن مستوى الصخب خلال الحصة الرياضية في المدارس يبلغ أحيانا 110 ديسيبل، وهو مستوى مشابه لمستوى الضوضاء في أحد المطارات، كما أنه أعلى بشكل كبير من المستوى المتوسط.

تتلقى الأذن الموجات الصوتية عبر نظام متوازن ودقيق، فتصل هذه الموجات الصوتية إلى طبلة الأذن، ثم الأذن الوسطى من خلال تحرك العظيمات الموجودة فيها حسب حدة الصوت، ومن ثم تنتقل الموجات إلى الخلايا العصبية الموجودةبالقوقعة السمعية بالأذن الداخلية التي تصدر إشارات إلى العصب السمعي، ليقوم بدوره بإرسال نبضات كهربائية إلى الدماغ الذي يترجم هذه النبضات للتعرف على نوعية الصوت ومصدره وقوته، وعند التعرض إلى الضوضاء لفترة طويلة تتأثر هذه الخلايا ويصيبها التلف، وتحدث مضاعفات أخرى تؤدي إلى فقدان السمع. أثر الضوضاء على الأداء، تتدخل فيه عوامل، منها طبيعة العمل، والأصوات الغريبة غير المألوفة، والضوضاء ذات الشدة العالية، فهي تسبب نقصاً في مستوى الأداء للمهمات الصعبة التي تحتاج إلى تركيز عال، كما أن الضوضاء المتقطعة تسبب التوتر والقلق، وتشتت الانتباه، مما يقلل الأداء، ويتوقفانخفاض مستوى الأداء على إدراك الفرد للضوضاء، وعجزه عن ضبطها. وسط كل هذه التحذيرات، لا يمكن تجاهل حركة المرور التي تعدّ المصدر الأكبر للضوضاء في الحياة اليومية، حتى إن درجة الضوضاء المرورية تؤثر في إيقاع الطبيعة، لدرجة أن طائر أبو الحناء الأوروبي أصبح يفضّل أن يشدو ليلاً، كي لا يضيع صوته وسط الضوضاء التي يُحدثها الإنسان.

الضوضاء تُلحق ضرراً بإيقاع الطبيعة
 
12-Mar-2009
 
العدد 67