العدد 2 - أردني
 

"كل الأردنيين أردنيون" شعار انتخابي قد يبدو غريباً للزائر. لكنّه يدغدغ هاجس شريحة من أصول فلسطينية تعتقد أن حقوقها لا تستوي مع السكان "الأصليين" رغم أن الدستور الذي صدر عام 1952- بعد سنتين من دمج الضفة الغربية بالمملكة الهاشمية- يؤكد "أن جميع الأردنيين متساوون في الحقوق والواجبات".

في الاتجاه المعاكس يرفع أبناء عشائر من شرق الأردن شعارات وحدوية من قبيل "الأردن للجميع والكل للوطن" أو "الوطن للجميع"، في مسعى لجني أصوات من الجهات كافة، بما في ذلك ناخبون من أصول فلسطينية.

تلكم حفنة من آلاف اليافطات المنتشرة في مدن الأردن وأريافه ضمن حملات انتخابية مكثفة تمهيداً للانتخابات النيابية المقررة في 20 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي.

باختصار، تنتظم شعارات الموسم الحالي قضايا محلية وكليشيهات عن البيئة، الأسعار، حقوق المرأة أو الضرائب في بلد يدفع المواطن ربع دخله على زهاء 80 ضريبة مباشرة وغير مباشرة بخلاف ضريبة المبيعات.

رئيس نقابة أصحاب المطاعم والحلويات تعهد للناخبين المحتملين بالعمل تحت القبّة صوب "إعفاء الأكلات الشعبية من الضرائب والجمارك"، توددا على ما يبدو من أصحاب المداخيل المنخفضة. ويضيف "لا ضرائب على الجوع والمرض".

منذ مطلع الألفية، تضاعفت أسعار أطباق الحمص والفول والفلافل، قوت الفقراء، بفعل ارتفاع كلف التشغيل، ومكونات الإنتاج مع تعاظم الضرائب، بحسب خبراء في الشأن الاقتصادي.

غياب القوالب الأيديولوجية

تغيب عن الأجواء الانتخابية قوالب أيديولوجية جاهزة، سادت خلال العقود الماضية، مثل: "فلسطين من النهر إلى البحر"، "الإسلام هو الحل" الذي كان في صلب أدبيات الإسلاميين المعلنة، "لا لمعاهدة وادي عربة"، التي دشنّت عهد سلام بين الأردن وإسرائيل في خريف العام 1994.

باستثناء إعلان على استحياء حمل صور مرشحي جبهة العمل الإسلامي تحت "شعار الإسلام هو الحل" ركّزت الجبهة على قضايا معيشية داخلية ومكافحة الفساد.

إسلامي مستقل أدرج ضمن بنود برنامجه الانتخابي مطالبة بتعديل المادة الثانية في الدستور حتى تصبح الشريعة الإسلامية مصدرا وحيدا للتشريع.

بدلاً من الشعارات التقليدية ظهرت بيانات خجولة تتحدث عن "وحدة المصير" بين الأردن وفلسطين،

مرشح مسيحي رفع شعار "أوقاف القدس أمانة في أعناقنا"، في إشارة إلى المقدسات الإسلامية والمسيحية التي كانت خاضعة للإدارة الأردنية حتى قرار فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية عام 1988.

أحد مرشحي جبهة العمل الإسلامي ال 22 رفع يافطات في مخيم الحسين للاجئين الفلسطينيين: "القدس عاصمة مقدسة للعرب والمسلمين".

يلعب مرشحون وغالبية المرشحات على وتر الشراكة بين الرجل والمرأة. هكذا تتحدث يافطات عن أن: "المرأة أم الرجال والأردن أم الجميع" و "قلب الأم زهرة لا تذبل".

تسعى 203 مرشحات، أي أكثر من ضعف اللواتي خضن انتخابات الموسم السابق، لاحتلال مقاعد في المجلس النيابي، متكّئات إلى "كوتا" تعطي المرأة ستة من 110 مقاعد.

يخوض المعركة الانتخابية هذا الموسم 965 مرشحا، بزيادة الثلث عن مرشحي انتخابات عام 2003.

أحد المرشحين استجار بنظرية هندسية، إذ تؤكد يافطاته أن "أقرب مسافة بين نقطتين خط مستقيم"، وآخر يعطي درساً في الحساب: "واحد زائد واحد يساوي اثنين".

ناخبون محتملون أبدوا استياءهم حيال "رتابة" و "ضحالة" بعض الشعارات، ورأوا أن على المرشح عرض "برامج واقعية قابلة للتطبيق".

نورا (26 عاماً) ترى أن "بهوت" الشعارات تدفعها للعزوف عن التصويت.

أمل (25 عاماً) تعتقد أن غالبية المرشحين "تقوقعوا" داخل العشيرة أو المنطقة بعيداً عن النيابة للوطن. ديما (23 عاماً) تؤكد أنها ستمنح صوتها لإمرأة حتى تدافع عن حقوقها في غياب برامج واضحة لدى المرشحين.

عشيرة وعقيدة

يحفر مرشحون في شجرة العائلة، إذ يسترجع بعضهم تسلسل النسب إلى الجد الخامس. يتكىء أحدهم على خط الأجداد وصولا إلى "نمر العدوان"، للإفادة من الدعاية التي تركها مسلسل بدوي خلال رمضان الفائت عن قصة أمير في مضارب العدوان عاش بين القرنين الثامن والتاسع عشر.

ثمّة من وظّف آيات قرآنية وأحاديث نبوية تصلح لكل زمان ومكان على أمل الفوز بقلوب الناخبين وعقولهم. فهذا يذكّر الناس بأن: "خير من استأجرت القوي الأمين"، وذاك يطلق دعاء: "ربّي اجعل عملي لمرضاتك وعلمي لمنفعة الناس".

مرشح ثالث يرى أن "سيد القبيلة خادم الأمّة" دلالة على التواضع والخدمة العامة. رابع يتعهد بعدم "المساومة على قول الحقيقة" وخامس يستحضر مقولة "كلنا عيال تسعة" (أشهر) في إشارة إلى المساواة بين الجميع.

على أمل الإفادة من التشبيك العشائري والمصاهرة، تنشر مرشحات أسماءهن قبل عائلتها وعائلة زوجها. إحدى عشائر البلقاء خرجت منها مرشحتان: إحداهما ابنة العائلة مقترنة بابن عشيرة أخرى والثانية ابنة عشيرة من خارج المحافظة ترتبط بعلاقة مصاهرة مع هذه العائلة.

اشتداد المنافسة بين أفخاذ العشيرة الواحدة أوقع عدة مشاجرات، ملاسنات وسجالات ما أدى إلى تدخل قوة مكافحة الشغب في غير منطقة لا سيما في الكرك والمفرق.

قوة الصورة

تبرز قوة الصورة الرقمية بكثافة في شعارات المرشحين ويافطاتهم، بل تتعدى هذه الأدوات لتخترق وسائل تكنولوجيا المعـلـــومات مثل الهـواتف الخليوية والمواقع الإلكترونـــية وصولا إلى ال Face Book ، وهــو شــبكة معارف وأصدقاء تتشارك في حـــارات ومواقع على الشبكة العنكبوتية.

تتفاوت تعرفة الإعلان الإلكتروني بين 700 وثلاثة آلاف دولار. أما الإعلانات التقليدية من صحافة ويافطات فتتراوح بين 70 دولارا وألفي دولار.

يقدر خبراء اقتصاد تكلفة الحملات الانتخابية ب 100 مليون دولار، على أساس احتساب نفقات المرشح الواحد بين 70 ألفا و 125 ألف دولار.

هذا الزخم المالي حرّك قطاعات الاتصالات، الصحافة والإعلام والتصميم، المطاعم والحلويات، تجار الماشية، الخطّاطين, والنقل العام.

لضبط فوضى الإعلان بعد الانتخاب فرضت أمانة عمّان، التي يقطنها ثلث عدد السكان المقدر ب5،8 ملايين نسمة، على المرشحين مبلغ 2800 دولار مقدما في حال أخفق في إزالة اليافطات والصور.

الشعارات الانتخابية وعود بلا حدود – سعد حتر
 
15-Nov-2007
 
العدد 2