العدد 68 - أردني | ||||||||||||||
دلال سلامة يعود إلى الأضواء مسلسل التسمم المدرسي المرتبط بتوزيع مواد غذائية على طلبة المدارس الحكومية. آخر حلقاته اشتملت مطلع آذار/مارس الجاري على إسعاف 14 طالبة في مدرسة الخنساء الثانوية (غور الصافي)، بعد أن تناولن بسكويتا يوزع ضمن سلّة التغذية المدرسية المجانية. تكشفت الحالات الأخيرة بعد أن أصيبت الطالبات بحالات قيء ومغص معوي، نقلن على أثرها إلى المستشفى. إلا أن الفحوص المخبرية الأخيرة لم تربط بين البسكويت وإصابة الفتيات، بحسب التقرير الرسمي الذي أفصح عنه مدير إدارة التعليم في وزارة التربية محمد العكور. وجاء في التقرير: «أن العينة طبيعية اللون والرائحة والشكل، وخالية من الشوائب والمواد الضارة، والعفن الظاهر »، وهذا يعني صلاحيتها للاستهلاك البشري. العكور، يؤكد أن الطلاب يتناولون إلى جانب «وجبة التغذية المدرسية » الإفطار والعصير والماء. وهو يربط دومينو القيء والإسهال بسلوك القطيع ال ،»cattle behavior« ويدلل على ذلك بحادثة غور الصافي، ف «الطالبة الوحيدة التي أصيبت بالقيء ونامت في المستشفى للمراقبة كانت، باعتراف والدها، مريضة ليومين سابقين. أما بقية الطالبات فاقتصرت شكواهن على المغص، وذلك بعد أن اشتكت هذه الطالبة من المغص .» والد الطالبة المعنية ساجدة محمود العشوش، ينفي ذلك. ويقول: «إن ابنته خرجت إلى المدرسة وما فيها إشي .» العشوش، يؤكد أن ابنته خرجت إلى المدرسة دون إفطار، وأنها لم تكن قد اشترت شيئاً من مقصف المدرسة .» ساجدة تقول: «إنها أكلت البسكويت، وكان طعمه مُرّاً. وبعدها وجعني بطني كثير وصرت أستفرغ مع إسهال، وشفت البنات من صفي بستفرغوا كمان .» أم أيمن الشمالات، والدة الطالبة غادة الشمالات التي أصيبت بحالة مشابهة، قالت إنها كانت في منزلها عندما فوجئت بسيارات إسعاف متجهة إلى المدرسة. عندها بدأ الأهالي بالتوافد إلى هناك ليجدوا أن السيارات تنقل الطالبات. وتقول أم أيمن: «توجهت إلى المستشفى، فوجدت هناك معلمة من المدرسة، وأخبرتني أن إدارة المدرسة فوجئت بالطالبات يشتكين من المغص والاستفراغ، لهذا تم إسعافهن إلى المستشفى .» الطالبة أفنان الدغيمات قالت: إنها أيضاً أصيبت بمغص وقيء وإسهال بعد أن تناولت البسكويت. تصريحات مسؤولي التربية والتعليم تتعارض مع فحوص مخبرية أجريت سابقاً مع بدء مسلسل الإصابات لدى الطلبة، لا سيما في مدارس الأغوار، ذات الطقس الحار. في شباط/فبراير 2007 ، أصيب 48 طالباً في مدرسة الروضة الأساسية (الأغوار الوسطى) بمغص معوي حاد بعد تناولهم الوجبة المدرسية المكونة من الحليب والبسكويت. في آذار/مارس من العام ذاته، تكررت الحالة مع أحد عشر طالباً في مدرسة المنيفة الأساسية (المفرق). وفي أيلول/ سبتمبر أسعف 49 طالباً من مدرسة عمرو بن العاص (الرصيفة/ محافظة الزرقاء) بعد أن أصيبوا بأعراض تسمم غذائي نتيجة تناولهم الحليب. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2007 أصيب 11 طالباً في مدرسة وقّاص (الأغوار الشمالية) بالأعراض ذاتها عقب تناولهم الوجبة المدرسية. استمر المسلسل في ذلك عاماً حتى كانون الأول/ديسمبر حين أصيب بالأعراض أيضاً 207 طلاب بعد أن تناولوا الحليب في مدارس دير علا الأساسية والطوال الشمالي وعامر بن الجراح في لواء دير علا، أيضاً بعد تناولهم الحليب. الفحوص المخبرية لحالات التسمم في الرصيفة أظهرت بأن بكتيريا «باسيلا سيريس » المحوصلة في عبوات الحليب كانت وراء التسمم. كذلك اكتشفت الفحوص أن «البسكويت يحتوي على عفن بأعداد أكثر من المسموح به .» "السجل" حصلت على نسخ من فحوص مخبرية على عينات من المواد التي تناولها الطلاب في حادثة الاشتباه بالتسمم في مدارس دير علا، وهي مواد تراوحت بين الحليب والبسكويت والتمر. أحد تلك الفحوص، ويخص مادة الحليب السائل بطعم الفراولة، خلص إلى أن العينة «متخثرة، ذات لون غير متجانس، وغير صالحة للاستهلاك البشري .» الفحوص الباقية تضمنت إشارة إلى أنها أحيلت إلى مديرية الرقابة على الغذاء في المؤسسة العامة للغذاء والدواء. وبسؤال رئيس قسم التخطيط والمعلومات في المؤسسة زكريا الحزينة، عن مضامين الفحوص، أكد «صلاحية العينات للاستهلاك البشري، ومطابقتها للقواعد الفنية الأردنية الخاصة بتلك المنتجات .» سلسلة الحوادث تلك دفعت وزارة التربية إلى وقف توزيع مادة الحليب ضمن برنامج التغذية المدرسة. طال الإيقاف أيضاً مادة التمر، بعد أن تم سحب 16 طناً منه في آذار/مارس الماضي نتيجة الاشتباه بعدم صلاحيته للاستهلاك البشري. مدير مؤسسة الغذاء والدواء محمد الرواشدة، ينفي بشدّة أن تكون تلك الحوادث ناجمة عن حالات تسمم غذائي. ويقول الرواشدة: «حليب المدارس بريء من التلوث براءة الذئب من دم يوسف ». الرواشدة يدلل على ذلك بأنه من مئات الحالات التي عانت من الأعراض فإن الغالبية الساحقة منهم كانت تغادر المستشفيات في اليوم ذاته، وقلة قليلة هي التي كانت تبقى لليلة واحدة على الأكثر. إذا كان ما تقدم صحيحاً، فالسؤال: لماذا أوقف توزيع الحليب؟. مساعد مدير مستشفى غور الصافي عبدالحافظ الشوابكة، قال في تصريح أوردته صحيفة «الدستور :» «إن قسم الطوارئ في المستشفى استقبل إصابات بالقيء والإغماء، وأنهن، بحسب إفادتهن، تناولن مادة البسكويت .» مشروع التغذية المدرسية بدأ العام 1999 ليلبي حاجة ماسة في كثير من المناطق التي تعرف بصفتها جيوب فقر في المملكة. ففي دراسة لوزارة الصحة بعنوان «السلوكيات الغذائية عند الطلبة » شملت عينة مكونة من 2400 طالب، تبين أن 13 في المئة من الطلاب يذهبون إلى المدرسة دون إفطار. من هنا جاء المشروع الذي استهدف آنذاك فئة التلاميذ من رياض الأطفال إلى الصف السادس الأساسي، وذلك في المناطق الأقل حظاً. لكن المشروع توسع في مراحل لاحقة ليتوجه إلى المدن ويغطي قطاعات أوسع من الطلاب، حتى شمل مؤخراً وبمبادرة ملكية مدارس وكالة الغوث. وهو ينفذ بالتعاون بين وزارة الصحة والقوات المسلحة. بحسب إحصائيات وزارة التربية، فإن المشروع يغطي حالياً 526 ألف طالب، وبموازنة 20 مليون دينار العام الماضي، ممولة بالكامل من وزارة التربية. سلسلة الحوادث هذه اضطرت الوزارة العام 2007 ، إلى تشكيل لجنة فنية تضم ممثلين عن وزارتي التربية، والصحة، والمؤسسة العامة للغذاء والدواء، والقوات المسلحة. وكانت اللجنة اقترحت وقتها بدائل للحليب تمثلت بالعصير الطبيعي، أو الحليب المجفف مع عبوة ماء يقوم الطالب بتذويبها بنفسه، إضافة إلى اقتراح مزيج من الحليب والعصير. لكنها بدائل رفضت من قبل اللجنة الوطنية العليا للتغذية المدرسية، التي لم تر في أي منها «مكافئاً حقيقياً للحليب .» وزارة التربية تؤكد أن خطة إجرائية صارمة تنظم عملية التخزين والنقل والتوزيع. وهي توزع على المدارس بوتيرة مرتين في الأسبوع، إذ يتولى عملية المناولة للطلاب أعضاء لجنة التغذية في المدرسة، وهم معلمون عينتهم الوزارة لهذا الغرض، ويتولون عملية تفقد المواد قبل توزيعها على الطلبة. ويبلغ عددهم الإجمالي في المدارس 18 ألف معلم. أعراض التسمم الغذائي ظهرت على مئات الطلبة، من أنحاء متفرقة من المملكة. وكان القاسم المشترك بينهم هو تناولهم لوجبات التغذية المدرسية، التي كانت تثبت غالبا صلاحيتها للاستهلاك البشري. يتساءل أولياء أمور: لماذا لا تقوم الحكومة بالتحقيق بالعمق في حالات التسمم، حتى تكشف السر الكامن وراءها؟. |
|
|||||||||||||