العدد 68 - أردني | ||||||||||||||
ليلى سليم كان علي في سنته الأولى في الجامعة الأردنية، عندما دخل مبنى كلية الشريعة، وصَعد الدرج المؤدي إلى الطابق الثاني ليفاجأ بطالبة تستوقفه وتطلب منه بحزم أن ينزل ليصعد من «الدرج الثاني ». استفسر عن الدرج الثاني ما عساه يكون، فقيل له إن في الكلية درجين يصعدان إلى الطوابق العليا، أحدهما مخصص للطلاب والثاني للطالبات، وذلك منعاً للاختلاط. الأوضاع ليست بهذه «الجذرية » في الكليات الأخرى، فالأدراج مشتركة وكذلك قاعات المحاضرات والمكتبة وأرصفة الجامعة، لكن العين لا تخطئ نوعاً من الفصل يمارسه الطلاب أنفسهم من دون أن يكون هناك قانون يلزمهم به. يتضح ذلك في قاعات المحاضرات عندما يتكتل الطلاب والطالبات بشكل تلقائي في مجموعات منفصلة داخل القاعة، وفي المكتبة حيث تظهر تكتلات قائمة على الفصل الجنسي، وعلى الأرصفة في شوارع الجامعة. في بعض الجامعات، مثل الأردنية أو التطبيقية والبترا، مجموعات مختلطة هنا وهناك، لكنها لا تشكل أبداً طابعاً عاماً. في جامعات، مثل مؤتة والحسين بن طلال، ستكون هذه التجمعات المختلطة نادرة جداً. الطلاب يؤكدون ذلك. آلاء، سنة ثانية زراعة، من الجامعة الأردنية تقول: «إن الأساتذة عندما يكلفون الطلاب بأبحاث مشتركة إذا لم يقم الدكتور بإلزام الطلاب بتقسيمات معينة، فإنهم ينقسمون تلقائيا إلى مجموعات طلاب، ومجموعات طالبات .» نسيم، طالبة ثالثة زراعة في الجامعة الأردنية، تقول: «إن هذا الانفصال الاختياري، يحدث أيضاً في المختبرات عند إجراء التجارب ،» وبحسب قولها فإن من يختارون العمل معا هم فقط ال .»couples« ليس الهدف هنا مناقشة الاختلاط كمبدأ، ذلك أنه، كما يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة الحسين بن طلال ذياب بداينة، لم يعد موضوعاً للمناقشة من حيث المبدأ «لا أحد يمكنه أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، فالاختلاط في الجامعات هو الوضع الطبيعي، لأن الاختلاط هو الوضع الطبيعي في المجتمع، الذي يجب الاّ ينقسم إلى كانتونات .» لكن السؤال المطروح هنا، بعد ما يقارب نصف قرن من الاختلاط في الجامعات، الذي بدأ بتأسيس الجامعة الأردنية: هل هناك فعلاً اختلاط حقيقي في جامعاتنا؟. خالد منصور، دارس لعلم الاجتماع، يقول: إن الاختلاط الحقيقي، كما يعرّفه علم الاجتماع، هو «علاقات إنسانية تفاعلية تبادلية متنوعة. المفهوم الذي لا ينطبق في رأيه على نمط العلاقات السائد بين الطلاب والطالبات في جامعاتنا، التي يصفها بأنها أقرب إلى الميكانيكية: «في علم الاجتماع يصفون العلاقات الإنسانية التي لا تقوم على تفاعل حقيقي بالعلاقات الميكانيكية، أي أنها تشبه آلات تعمل متجاورة لكن منفصلة عن بعضها .» استطلاع آراء الطالب والطالبات، يؤكد، حقيقة أنهم يتجاورون فعلا، لكنهم في الغالب لا يتشاركون في علاقات تفاعلية حقيقية. أحمد (21 عاماً) طالب نظم معلومات في جامعة البلقاء التطبيقية، يقول: «العلاقات بين الشبان والفتيات محدودة، لا أرى أنه يمكن أن تنشأ صداقات بين الجنسين، كما هو الحال في الجنس الواحد، فنحن، في النهاية، محكومون بعادات وتقاليد، وأنا أوافق على ذلك، لأن الاختلاط يخدش حياء الفتاة .» ريم من جامعة البترا، تقول: «إن الانطباع السائد أن العلاقة بين أي شاب وفتاة هي بالضرورة علاقة حب، لهذا فإن الفتاة التي ترتبط بعلاقة مع شباب بيطلع عليها حكي، وبتصير معروفة إنها البنت اللي كل يوم مع شبّ .» جمال من الجامعة الهاشمية، سنة رابعة هندسة، لا يرى أن هناك إمكانية لإقامة علاقات صحية بين الجنسين: «كان لدي علاقات مع طالبات، ولكن الأمر تحول إلى نميمة ونقل حكي، والآن أنا قررت أنني لا أريد أن أسمع صوتاً نسائياً غير أصوات أمي وأخواتي .» أيمن، سنة ثانية من جامعة البتراء يقول: «إن الشبان يقيمون علاقات مع فتيات، ولكنهم لا يسمحون لأخواتهم وقريباتهم بذلك، لأنهم مقتنعون بأن هذا خطأ . » هذا الوضع يفسره بداينة بأن الجامعات هي انعكاس للمجتمعات، وأن الفصل ما زال قائماً في الجامعات، لأن الفصل قائم في المجتمع، والطلاب يعكسون البيئات التي قدموا منها. الأمر الذي يطرح تساؤلاً حو ل دور الجامعة كنواة للتحديث والتغيير. بحسب بداينة جامعاتنا لا تنهض بهذا الدور «جامعاتنا تعاني من الضعف في بنيتها الأساسية، وهي لا توفر بيئة تفاعل حقيقي للطلاب. التفاعل لا يتحقق إلا بقوانين تعمل على تعميق الحريات ومبدأ الاستقلالية، وهذه أمور لا يعمل عليها الأساتذة ولا عمادات شؤون الطلبة، وهذا يجعل الطلاب يتصرفون في الجامعات كما لو أنهم ما زالوا في المدرسة .» منصور الذي درس في الجامعة الأردنية في السبعينيات، يرى أن العمل السياسي الذي كان نشطاً ذلك الزمن ساهم كثيراً في ردم الهوة بين الجنسين «كان ذلك يتجلى في الأنشطة التي كانت الأحزاب تنظمها ويشترك فيها الطلاب والطالبات .» مع ذلك، فالصورة ليست قاتمة تماماً، لأن هناك علاقات شراكة حقيقية تنشأ، لكن الملاحظ أنها تنشأ غالباً بين طلاب درسوا في مدارس مختلطة منذ الطفولة المبكرة، ولم تشكل الحياة الجامعية المختلطة بالنسبة لهم نقلة حضارية. عدي (19 عاماً) سنة ثانية هندسة مدنية في الجامعة الأردنية، جاء إلى الجامعة من مدرسة مختلطة «لا أناقش المسألة، ولا تشكل بالنسبة لي هاجساً من أي نوع، وأتعامل مع الفتيات بشكل طبيعي تماماً، كما أتعامل مع الشباب .» إن كان هناك اختلاط «ميكانيكي » بعض الجامعات، فإن جامعات أخرى يغيب عنها حتى هذا التجاور الظاهري. إبراهيم تخرّج في جامعة مؤتة قبل سنتين يقول: إن الاختلاط في الجامعة «تقريباً مفقود ». إبراهيم يعزو ذلك إلى أن العشائرية هي صبغة طاغية، وهناك بالتالي حالة من الحذر تصبغ تعامل الطلاب ببعضهم بعضاً. وهناك نظرة إزدراء عامة تجاه الطلاب الذين يمارسون الاختلاط، والدليل على ذلك، هو أن هناك شارعاً في الجامعة هو الشارع الفاصل بين كلية العلوم، وكلية الاقتصاد، يجلس فيه طالب وطالبات يتحدثون ويأكلون، وهو الشارع الوحيد الذي تبدو فيه مظاهر اختلاط في الجامعة. إبراهيم يقول إن الطلاب في الجامعة «يسمونه شارع النور (الغجر)، لا أحد يعرف على وجه التحديد من أطلق التسمية، لكنها شائعة من سنوات، والمقصود بها أن الشباب والفتيات الذين يجلسون في هذا الشارع معاً، لا ينتمون إلى عائلات معروفة، وليسوا مضطرين بالتالي إلى التعامل بحذر. |
|
|||||||||||||