العدد 68 - بلا حدود
 

على خلفية نقد ذاتي لتجربة العمل السياسي في السنوات القريبة الفائتة، قادت مبادرة حزبية استهدفت بحث سبل الخروج من الأزمة العامة في البلاد بأبعادها الاقتصادية والسياسية، إلى تبني رؤية جديدة في العمل على أنقاض أساليب التأطير الروتينية التي لم تفض سوى إلى المراوحة في المكان. الرؤية الجديدة قوامها «الحملة الوطنية للدفاع عن الخبز والديمقراطية »، والتي ينخرط في عملها حزبيون ونشطاء مجتمع مدني وفعاليات سياسية واجتماعية، وتسعى إلى تهيئة البيئة المناسبة «لانخراط المواطنين المتضررين من السياسات الرسمية في الدفاع عن مصالحهم وحقوقهم المعيشية والسياسية ». للتعرف إلى ماهية حملة «الخبز والديمقراطية »، وظروف انطلاقها وتوجهاتها، التقت «السّجل » اثنين من قادة الحملة: عصام الخواجا مقرر الحملة، وأحمد العرموطي عضو لجنة المتابعة

«السّجل »: ما الرؤية التي انطلقتم منها؟

- عصام: فكرة الحملة لم تكن وليدة لحظة الدعوة لتشكيلها، وإنما خلاصة وقفات تقييمية لأداء أحزاب المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني المعنية بالشأن العام بأبعاده المعيشية والسياسية. فقد دخلت هذه القوى في حالة من الروتين، وأصبحت أسيرة العمل النخبوي الذي كان يهددها بالجمود، إن هي لم تتدارك الوضع وتبحث عن أشكال جديدة مبدعة من العمل الذي يستوعب ليس فقط القوى الحزبية، وإنما كذلك شخصيات مستقلة، وناشطون في المجتمع المدني، لهم رؤاهم السياسية وخلفياتهم الفكرية. هذا يعني أن القوى السياسية والاجتماعية إذا بقيت مقيدة بأشكال العمل التقليدية، فإنها

لن تستطيع التقدم إلى الأمام وإنجاز أي تغيير في المجتمع.

- أحمد: رؤيتنا للحملة تنطوي على إجابة عن سؤال حول: لماذا الخبز، ولماذا الديمقراطية؟ الخبز يشير إلى الظروف المعيشية للمواطن. والديمقراطية تشير إلى حق التعبير السياسي بمختلف أشكاله المباشرة وغير المباشرة، حتى يستطيع ممارسة دوره كمواطن. على هذه الأرضية، تم الاتفاق على تنظيم عدة فعاليات لإشراك أكبر عدد من المواطنين في الحملة، انطلاقاً من كونها غير نخبوية، وتسعى لإشراك المواطنين المتضررين من السياسات الرسمية كما في موضوع رفع أسعار المحروقات، وخصخصة مستشفى حمزة. وتتطلع الحملة من خلال ذلك، إلى تأكيد أنها تهدف إلى تفعيل دور المواطنين في الدفاع عن قضاياهم في العيش الكريم والحياة الديمقراطية.

«السّجل »: من أين جاءت فكرة الحملة، ومتى؟

- عصام: انبثقت فكرة الحملة عن لقاء وطني تشاوري لبحث سُبل مواجهة الأزمة الاقتصادية، دعا إليه حزب الوحدة الشعبية بتاريخ 19 آب/أغسطس الفائت، بصيغة أقرب إلى العصف الفكري، إذ لم يتم طرح أية أفكار بشكل مسبق على المدعوين الذين كان لهم الحق نفسه في تقرير وجهة المناقشة. وتشكلت الهيئة العامة للحملة من جميع المشاركين، وانبثق عنها لجنة متابعة من 13 شخصاً، انتخبت لجنة رباعية لإدارة عملها اليومي. وعقدت لجنة المتابعة سلسلة من الاجتماعات لصياغة الإطار السياسي والمنطلقات الاقتصادية والأهداف المباشرة للحملة. تجمع الحملة في عضويتها أفراداً ومؤسسات. هذا يشمل: شخصيات حزبية، فعاليات شعبية ونقابية، أحزاب ومؤسسات مجتمع مدني. الحملة ما زالت في بداية انطلاقتها، وهي تواصل العمل لاستقطاب المزيد من الأعضاء. الهيئة العامة عقدت لقاءين حتى الآن، ويترافق اللقاء مع طرح قضية محددة للنقاش، مع إعداد ما يلزم من أوراق عمل.

«السّجل »: ما تعريفكم للحملة، وكيف تقيمون تعامل السلطات مع أنشطتكم؟

- أحمد: فلسفة «الحملة » من حيث المبدأ، تجعل من الحملة إطاراً شعبياً للقوى والفعاليات والمؤسسات المشاركة فيها، لكنها ليست إطاراً خاصاً لجهة بعينها. بهذا المعنى تستمد الحملة شرعيتها من شرعية القوى المنضوية تحت لوائها، ومن أساليب العمل السلمية والديمقراطية التي تستخدمها في تعبئة الجمهور وحشده. ونسجل للأجهزة الأمنية أنها تعاملت مع الاعتصام الذي نفذته الحملة أمام مستشفى حمزة للاحتجاج على خصخصته بسعة صدر، حيث أدركت أن هذه الممارسة المطلبية السلمية التي تهدف إلى إيصال رسالة شعبية وصوت احتجاجي لصاحب القرار، ليست مرشحة لأن تلجأ إلى أعمال شغب أو إخلال بالأمن. وهذه النتيجة تحسن مناخ حرية التعبير.

«السّجل »: ما أبرز أنشطة الحملة؟

- أحمد: بدأت الحملة بإصدار بيانات صحفية بخصوص ما أسميناه حملة الشتاء الخاصة بالاحتجاج على رفع أسعار المحروقات، وطالبنا بخفضها، لأنه لا يجوز أن تكون فوق قدرة المواطن. وتمثلت الخطوة الثانية في عقد الملتقى الشعبي حول خصخصة مستشفى حمزة، وهو الملتقى الذي توفي فيه مواطن )عطا فارس( إثر إصابته بجلطة بعد مداخلة له عن معاناته الشخصية في التعامل مع «النظام الخاص » لمستشفى الجامعة الأردنية، لدى نقل ابنه إليه كحالة طارئة برغم أنه مؤمن، لكنه اضطر أن يدفع مبلغاً فوق طاقته. النشاط الثالث تمثل في الاعتصام أمام مستشفى حمزة للمطالبة بإلغاء النظام الخاص. - عصام: بدأت الحملة مع رفع أسعار المحروقات وانعكاسه على السلع الأخرى. وعندما بدأ خفض أسعار المحروقات، لم يواكبه خفض في أسعار المواد التموينية، لذا طالبت الحملة بعودة «دور » وزارة التموين للمراقبة على الأسعار سواء من خلال إعادة الوزارة أو تكليف أي هيئة أخرى بذلك. عند ذاك، برزت قضية خصخصة مستشفى حمزة، هذا في حين أن 40 بالمئة من المواطنين غير مؤمنين بحسب أرقام دائرة الإحصاءات.

«السّجل »: بصيغة مختصرة، ما النظام الخاص لمستشفى حمزة، وأين وصل؟

- أحمد: هناك ضرورة لمواجهة التوسع في خصخصة التعليم والصحة. وقد اتخذت الحملة سلسلة الخطوات في الجانب الصحي، وأثمر ذلك بظهور رأي عام متضامن وصولاً إلى مجلس النواب، فقام رئيس الوزراء بزيارة المستشفى وطلب إعادة النظر في لائحة الأسعار، وصدرت توصيات بخفضها بنسبة 80 بالمئة، وهذا إنجاز جيد، لكنه جزئي ومحدود، لأن المطلب هو إلغاء النظام الخاص. ويهدف النظام الخاص إلى فصل المستشفى عن وزارة الصحة ونظام الخدمة المدنية، بحيث يصبح هناك كادر مالي وإداري خاص بالمستشفى، وهذا الكادر شبيه، إلى درجة كبيرة، بما هو قائم في مستشفى الجامعة الأردنية بما يتعلق بالأجور الطبية ومجلس الإدارة والتعيين. ورغم أن مستشفى حمزة وجد في الأصل لرفد مستشفى البشير، لكنه أصبح خارج نطاق سيطرة وزارة الصحة.

«السّجل »: كيف تقيمون تنوع أنشطة الحملة؟

- عصام: أوضحنا أننا بدأنا بحملة الشتاء، ثم احتل الجانب الصحي حيزاً رئيسياً. لكن الحملة أصبحت الآن أمام قضية تخص العمال. فمن أهداف الحملة الدعوة للتعددية النقابية، واحترام حق العمال بتشكيل نقاباتهم، فهناك 8000 عامل في الصناعات الدوائية لا نقابة خاصة بهم، ومسموح لهم فقط الانضمام إلى نقابة البتروكيماويات التي ينتمي معظم أعضائها إلى مصفاة البترول. وقد شكل مؤخراً 400 من العاملين في الصناعات الدوائية

لجنة متابعة، وتقدموا إلى وزارة العمل بطلب تأسيس نقابة لعمال الصناعات الدوائية، لكن الوزارة رفضت الطلب. لقد التقينا في لجنة

المتابعة بممثلين عن هؤلاء العمال، ونعتزم تنظيم ملتقى وطني نقابي عمالي لمتابعة هذه القضية الحيوية.

«السّجل »: كيف تفسرون قيام الحملة في ظل وجود النقابات المهنية والأحزاب السياسية؟

- أحمد: إطلاق الحملة جاء نتيجة تلمس الضعف في أداء مؤسسات المجتمع المدني ذات الصلة بالشأن العام. فنحن نجد أنفسنا أمام قضايا على درجة من التعقيد، تحتاج إلى متابعة مباشرة، آخذين بالاعتبار أن النقابات المهنية لا تتدخل سوى في المجال المهني، كذلك تركز الأحزاب على السياسات العامة للحكومات. لكن إذا تناولنا موضوعاً محدداً مثل خصخصة مستشفى حمزة، فإن دور نقابة الأطباء لم يكن فاعلاً، وكان ينبغي ملاحظة أن الأطباء والممرضين سوف يتضررون على المدى البعيد من عملية الخصخصة. كذلك كما قال عصام هناك أيضاً انتقادات توجه لأحزاب المعارضة. نحن لسنا بديلاً عن أي جهة، بل نتطلع إلى تكامل أدوار جميع المؤسسات الوطنية ونمد يدنا للتعاون في خدمة قضايا المواطن.

«السّجل »: هل تفكرون بتطوير بنية الحملة وعملها؟

- عصام: طبيعة القضايا المطروحة سوف تفرز الأشكال التنظيمية المناسبة للتعاطي معها بما يخدم معالجتها. لذلك نتبنى شكلاً دينامياً مرناً يستجيب لطبيعة القضايا دون أي إسقاطات مسبقة. بهذه الطريقة تقترب الحملة بشكل مباشر من الناس حينما يكتشفون أن الحملة إطار يستطيعون أن يعبروا عن أنفسهم من خلاله، ويدافعون عن حقوقهم وحرياتهم. نجحت حملة «الخبز والديمقراطية » حتى الآن في التعاطي مع عدة محاور كالأسعار، المحور الصحي، والمحور العمالي، وينتظرنا الآن أيضاً محور «جذري » يجب أن تعمل الحملة عليه، ويتصل بالقوانين الناظمة للديمقراطية وبخاصة قوانين الانتخاب والاجتماعات العامة والأحزاب.

حملة "الخبر والديمقراطية": تدارك تقصير المعارضة و"المجتمع المدني"
 
19-Mar-2009
 
العدد 68