العدد 68 - أردني
 

حسين أبو رمان

معركة “كسر عظم” لم تشهد نقابة المحامين مثلها. ففي مواجهة التيار القومي الذي واكب نشأة النقابة منذ تأسيسها العام 1950 وامتد بحضوره ونفوذه حتى أيامنا هذه، وفي مواجه التيار الإسلامي الأكثر قوة وتنظيماً في النقابة والذي هيمن على نقابة المحامين لسلسلة من الدورات المتتالية، برز في انتخابات النقابة للدورة الحالية 2009 - 2011 تيار جديد يعتبر المهنة هي الوظيفة الجوهرية للنقابة.

في هذه الانتخابات التي جرت الجمعة الماضية 13 آذار الجاري، فاز مرشح “التيار المهني المستقل” أحمد طبيشات بمنصب نقيب المحامين، في الجولة الثانية من الاقتراع ب 1461 صوتاً، مقابل 1371 صوتاً لأمين الخوالدة المرشح الإسلامي، بعد منافسة شديدة في الجولة الأولى جاء فيها ثانياً بعد الخوالدة الذي كان احتل المرتبة الأولى. بينما حجز المرشح القومي حسين مجلي المرتبة الثالثة في الجولتين الأولى والثانية لكن بتراجع حصته من الأصوات من 1295 إلى 1048 صوتاً. أما المرشحان الأخيران لمنصب النقيب فقد شاركا فقط في الجولة الأولى، وهما؛ فتحي أبو نصار وحاز على 692 صوتاً، وبشار خليفة وحاز على 52 صوتاً. يفوز نقيب المحامين من الجولة الأولى فقط إذا حاز على الأغلبية المطلقة من أصوات المقترعين، أي أكثر من النصف. وإذا لم يفز أحد من الجولة الأولى، يقترع المحامون في جولة ثانية يفوز بها من يحوز على أعلى

الأصوات. وبلغت نسبة النتائج 63 بالمئة مقابل 68 بالمئة في الدورة الماضية التي فاز فيها صالح العرموطي.

النقيب الجديد درس الحقوق في جامعة القاهرة، وتخرج فيها العام 1970 . ثم نال شهادة الماجستير من معهد البحوث والدراسات العليا في القاهرة العام 1973 .والتحق بوزارة العدل وعمل قاضياً ومدعياً عاماً في عمّان حتى العام 1984 .وبعد انتقاله للعمل كمحام،انتسب إلى نقابة المحامين في العام 1984 ،إذ يجيز القانون للمحامين العاملين في أجهزة الدولة الرسمية الانتساب للنقابة. على صعيد عضوية مجلس النقابة، حصد الإسلاميون نصف المقاعد، فيما توزعت الخمسة الباقية بين القوميين والاتجاه «الفتحاوي » والمستقلين كما هو مبين في الجدول المرفق.

بما يخص توجهات النقابة في المرحلة المقبلة، صرّح طبيشات لـ"السجل" بأن ما يتعلق بالثوابت الوطنية والقومية “فلن يجري عليه أي تغيير”، وأن” نقابتنا تقف إلى جانب هموم وطننا وأمتنا العربية والإسلامية”، لكنه شدّد على وجوب أن يتم ذلك “بدون متاجرة أو مزاودة أو مبالغة”.

طبيشات انتهج في حملته الانتخابية، أسلوباً ناقداً لأداء الإسلاميين بما يخص الأنشطة التضامنية على صعيد القضايا القومية، لافتاً إلى أنه لا يجوز أن يبقى دور النقابة “محصوراً بالتظاهر والاعتصام والمشاركة في المسيرات”، ودافع عن دور “أكبر وأهم”، مشدداً على أن النقابة يجب أن تضطلع بدور يتناسب مع دورها “كقلعة حصينة للحق والقانون وكونها المؤسسة القانونية الأولى في المملكة، وبيت الخبرة الأول في هذا المجال”.

يحمل طبيشات رؤية مفادها أنه “كي نخدم قضايانا الوطنية والقومية لا بد أن نبدأ بخدمة أنفسنا أولاً، أي أن نمارس حقوقنا والاستحقاقات المنصوص عليها في القانون، وهي عديدة جداً وقديمة للأسف، ولم تنجح المجالس السابقة في تحصيلها”، كما قال لـ"السجل"، مركزاً على ضرورة توفير فرص عمل للمحامين الشبانالذين يشكون من بطالة عالية جداً في صفوفهم، وعلى حصانة المحامي التي عدّها “سلاحه في العمل”، التي ينص القانون على ضرورة توافرها أثناء ممارسة عمله أمام المحاكم وأمام الجهات الرسمية الأخرى.

يفسر المحامي والكاتب الصحفي محمد الصبيحي نجاح طبيشات اللافت بكونه “استفاد من دعم تكتلين شبابيين إحداها في أوساط الإسلاميين والقوميين، والآخر تكتل شبابي مهني مستقل”. وذهب المحامي عاكف المعايطة (ناشط في التيار اليساري والقومي) في الاتجاه نفسه معتبراً أن طبيشات “نجح في استقطاب اهتمام قطاع واسع من الشباب المستقل، وحرك فيهم الآمال بوجود فرصة حقيقية للتغيير”. وأضاف أن النقابة تقوم بدور خدماتي، والمحامون ينشدون قيادة تعمل في خدمتهم، موضحاً أن النقيب الجديد “وعد المحامين بالدفاع عن حريتهم وحقوقهم كجزء من عمل التغيير، وأقنع الشباب بذلك”.

يوضح المعايطة بإن تصويت المحامين في الجولة الأولى” كان يعكس خيارات المحامين التقليدية بين الاتجاهات المتنافسة، لكن تصويتهم في الجولة الثانية كان أكثر دقة وموضوعية”. حول أسباب فوزه، قال طبيشات إن “لا شيء يأتي من فراغ”، موضحاً أنه فاز بعضوية المجلس لعدة دورات سابقة وكان أميناً للسر في إحداها، لافتاً إلى أنه “قام بتشكيل تيار جديد يختلف عن التيارات السياسية الأخرى، هو التيار المهني المستقل”. ويضيف بأنه نجح في إقناع الهيئة العامة بضرورة بناء المهنة وتحصيل حقوق المحامين بالدرجة الأولى، باعتبار أن ذلك سيحتل الأولوية في عمل النقابة في المرحلة المقبلة.

توقع المحامي الصبيحي أن يكون لفوز طبيشات انعكاسات على عمل النقابة، مستذكراً بأن طبيشات” كان منتمياً للتيار الإسلامي لكنه انشق عنه، وأصبح يعمل من موقع مستقل”. وأضاف أنه” رغم انتسابه الى حزب الجبهة الأردنية الموحدة، لكنه لم يخض الانتخابات باسم هذا الحزب الذي ما زال حديث النشأة”. ورجّح الصبيحي أن يؤثر خلاف النقيب الجديد مع الإسلاميين على أدائه باتجاه التمسك بمواقف متوازنة ومستقلة إلى حد كبير، خاصة أن النقيب هو” الواجهة الفعلية للنقابة ،هو الذي يمثلها ويتحدث باسمها”. كما توقع الصبيحي أن تنعكس نتائج انتخابات المحامين على حجم الإسلاميين في الانتخابات المقبلة، وبخاصة “إذا أحسن المستقلون والقومين استخدام هذه الفرصة، وإذا لم يحسن الإسلاميون استخلاص الدروس (....). ولا يستبعد الصبيحي أن تكون هناك تأثيرات لانتخابات المحامين على انتخابات النقابات المهنية الأخرى، إذا كان هناك متسع من الوقت لتفاعل النتائج التي من المتوقع أن تدفع المستقلين والقوميين الذي سيعتبرون ما جرى تغييراً في الرأي العام النقابي، نحو مزيد من التحرك.

وكان طبيشات أعد لمعركته الانتخابية ببرنامج انتخابي مفصل من 14 صفحة، غطى سبعة محاور، شملت مواقف النقابة من القضايا الوطنية والقومية، التدريب والانتساب للنقابة، البطالة وفرص العمل، التأمين الصحي، كرامة المحامي وحصانته، تنظيم مستوى المهنة ورفع مستواها، اللامركزية في خدمات النقابة، رفد صناديق النقابة بموارد مالية جديدة، والاستثمار. و بما يخص بعض القضايا ذات الصلة المباشرة بمصالح المحامين، كان طبيشات أكد على صعيد البطالة بأن “المهنة أصبحت تعاني من نقص شديد في فرص العمل، والآلاف من الزملاء المحامين أصبحوا بلا عمل أو بلا مكاتب تليق بالمهنة، ولم يحرك أحد ساكناً لحل هذه المشكلة وتأمين فرص عمل للمحامين”.

وكان للامركزية التي طفت على السطح مؤخراً ارتباطاً بمشروع الأقاليم، نصيب في برنامج النقيب الجديد. فقد شدد على ضرورة التخلص من “المركزية المقيتة التي ما زال معمولاً بها حتى الآن” بالرغم من تخلص سائر النقابات المهنية الأخرى منها”. ودعا إلى تمكين جميع المحامين من المشاركة في انتخابات مجلس النقابة في محافظاتهم ،لتجنيبهم عناء السفر والازدحام في موقع واحد، ما يؤدي لحرمان أكثر من نصف الهيئة العامة من ممارسة حقها الانتخابي.

للمرة الأولى في تاريخها نقابة المحامين تغادر خندق القوميين والإسلاميين
 
19-Mar-2009
 
العدد 68