العدد 68 - بورتريه
 

خالد أبو الخير

ولد في حارة الصعوب بالكرك، العام 1946.

والده معلم مدرسة، يعرفه الناس باسم سالم صقر، يقول عارفوه إنه «ولد قبل زمانه ومات قبل أوانه»، حاز المترك من مدرسة السلط العام 1939، وعمل في سلك التعليم متنقلاً بين الكرك، وإربد، ومعان، وعمان، وتوفي الوالد العام 1957 وترك نحواً من 30 مؤلفاً مدرسياً ما زالت في متحف الكتاب المدرسي في السلط، من ضمنها أربعة كتب ألّفها بالاشتراك مع حيدر حلاوة، وعمر فائق الشلبي، وسليم كاتول.

لا يذكر وليد المعاني من طفولته سوى أطياف تغور في غبار الجنوب، إلى أن انتقل إلى عمان العام 1958، والتحق بمدرسة الأمير حسن في جبل الحسين، التي درس فيها لثلاث سنوات،انتقل بعدها إلى كلية الحسين وأنهى التوجيهي منها العام 1963.

درّسه في الكلية أستاذ الكيمياء مطيع أبو حجلة، والأحياء بشير الكسيح، واللغة العربية بشير القيسي، والرياضة نظمي السعيد. وتركوا معاً أثراً مهماً في شخصيته.

يذكر من تلك السنوات أن عدد سكان عمان لم يكن يزيد على الـ250 ألف نسمة العام 1963، وقد تعلّق بمتابعة مباريات كرة القدم في السينما، فضلاً عن مباريات محمد علي كلاي، الذي برز في تلك الفترة، والتظاهرات التي قام بها الطلاب نصرة حرية الجزائر.

سافر إلى مصر دارساً للطب في جامعة أسيوط، التي كانت مدينة محافظة غارقة في التقاليد والنسيان، لكنه لم يلبث أن انتقل إلى جامعة الإسكندرية، بعد لقاء رئيس الديوان الملكي بهجت التلهوني بعبد الناصر، ومعاتبته له على عدم قبول طلبة أردنيين كُثر ذلك العام.

للإسكندرية مكانة خاصة في قلبه تدفعه لتذكر بيت شعر حافظ إبراهيم :

وحبّب أوطان الرجال إليهمُ مآرب قضّاها الشباب هنالكا

مكث في المدينة متعددة الأجناس والثقافات من 1963- 1971، ولفرط محبته لها، لم تطاوعه نفسه مغادرتها، فدرس سنة الدبلوم في الجراحة العامة هناك.

طمح إلى التخصص في «النسائية والتوليد» لكن إشكالاً وقع في الامتحان النهائي أدى به للتفكير في دراسة جراحة الأعصاب.

اختار وزملاء له إكمال دراستهم في بريطانيا، وتعاهدوا على اللقاء بجوار أسد في ساحة الطرف الأغر.. كانوا رأوه في بوستر، يوم 10/12/1971.

حين حطّت الرحال بهم في الساحة التي حملت اسم معركة الأميرال نيلسون الشهيرة، اكتشفوا أن فيها أربعة أسود، فبذلوا جهداً حتى التقوا.

قصد ليدز لمدة عام. عاد بعدها إلى لندن، وعمل مع طبيب الملكة جراح الأعصاب جيفري نكيت، في مستشفى بروك العام. فكّر في التقدم لامتحان زمالة كلية الجراحة البريطانية فوجه، إلى العمل في الجراحة العامة والطوارئ، التي تميزت بندرة الشواغر فيها.

قبل أن يعتريه اليأس تم قبوله في مستشفى للجراحة العامة بمدينة ليستر، وبعد عام حاز زمالة الكلية.

عمل بعض الوقت في مستشفى اتكينسون مورلي، في ويمبلدون بلندن واستفاد من خبرات الجراحين فيه.

بحلول العام 1977 قفل عائداً إلى عمان التي أطال النأي عنها، ولم يعد قبلاً إليها إلا العام 1973 ليقترن من السيدة ميسون محمد نزال العرموطي، ولهما من الأولاد أربعة. أكبرهم طارق، «أعتقد أن زواجي من أفضل ما حدث لي في حياتي».

ذهب إلى الجامعة الأردنية تسبقه أحلامه، والتقى بعميد كلية الطب، وكان بريطانياً يدعى «فرانك هوارث»، قال له: «لا نريد جراحي أعصاب».

ورفض عرض التدريب في مدينة الحسين الطبية التي كان رئيسها جراح الأعصاب إسحق مرقة، قائلاً: «لو أردت التدريب لبقيت في بريطانيا».

غادر تعتريه غصّة في الحلق، عائداً إلى عاصمة الضباب.

ليل لندن يحفل بالغرباء، ويثير مشاعر الحنين، فاستل اليراع وسطّر رسالة إلى صديقه سعيد التل، ضمنها مشاعره الجياشة، وعواطفه المتضاربة، ويأسه وغضبه. «ما زال أبو نواف يحتفظ بها ويرفض اطلاعي عليها».

مضى شهر قبل أن تصله رسالة من رئيس الجامعة الأردنية إسحق الفرحان، يعلمه فيها بتعيينه في كلية الطب.

و..عاد، يسبقه خفقان قلبه، وأمانيه.

عمل مدرساً في «الأردنية»، ترقى لأستاذ مشارك العام 1984، فأستاذ ورئيس قسم جراحة الدماغ والأعصاب1987، كما عمل مديراً فنياً لمستشفى الجامعة من 1982-1991. وواصل سجل ترقياته.

بمجيء الدكتور فوزي غرايبة، رئيساً للجامعة العام 1992، اختاره عميداً لكلية الدراسات العليا، فعميداً للبحث العلمي، فنائباً للرئيس للشؤون الإدارية. فأنشأ نظاماً جديداً ألغى بموجبه الدبلوم، واختط تواصلاً مع الصحافة عبر صحيفة «الدستور»، بما يتعلق بتنسيق القبول الموحد. وابتدع ما يسمى الآن «مجموعة من أساءوا الاختيار»، فضلاً عن إدخاله البرنامج الموازي الذي سبقه رئيس جامعة العلوم والتكنولوجيا سعد حجازي، بالتفكير به.

عُيّن الغرايبة وزيراً للتربية والتعليم في حكومة فايز الطراونة 1998، وتركه رئيساً لـ«الأردنيّة» بالوكالة، لثلاثة أشهر، ثبت بعدها في منصبه.

يشرح أكاديمي عاصره في الأردنية أن المعاني «يمقت الواسطة والمحسوبية، ولا يمشي بها حتى لأقاربه، لدرجة أن بعض أهل معان عتبوا عليه عدم تعيينه لأحد منهم».

ويصفه آخر، بأنه «يمشي على الصراط المستقيم، ورغم أنه سريع الغضب، إلا أنه لا يحب إيقاع الأذيّة بالناس».

ويضيف: «حين كان عميد كلية الدراسات العليا لم يقبل زوجتي لدراسة الدكتوراه، لأنها كانت احتياطاً، وليس من حقها التعدي على غيرها».

ويجادل موظف عمل معه: «ثقته بنفسه كبيرة جداً، لدرجة أن غرباء يرونها غروراً». ويروي هذا الموظف كيف أن أحد أقارب المعاني جاء من أجل معاملة له في الجامعة، فقال له «لم لا تذهب إلى الرئيس؟» فأجابه «وديني عند أي مسؤول ثاني.. إلا الرئيس».

عُيّن وزيراً للتعليم العالي في حكومة علي أبو الراغب 2002. ولم يلبث أبو الراغب أن عهد إليه بوزارة الصحة، التي أنشأ فيها مؤسسة الغذاء والدواء، وأدخل حبة «الفيتامين» لتلاميذ المدارس الحكومية، وسعى لتدريب كواد طبية في الولايات المتحدة لرفد مستشفى الأمير حمزة قيد الإنشاء. كما أدخل فحص التلاسيميا قبل الزواج، وسعى لإقرار قانون المساءلة الطبية الذي نوقش في ديوان التشريع، بحضور نقيب الأطباء محمد العوران، وجرى بينهما نقاش حاد حين قال العوران: «واجبي حماية مصالح الأطباء»، فرد المعاني: «وواجبي حماية المواطنين».

غادر «الصحة» يوم 22/7/2007، وقيل إن القانون إياه كان وراء خروجه، وما زال القانون ذاته حبيس الأدراج.

عُيّن يوم 12/2/2008 عضواً في مجلس الأعيان.

استفزته محاضرة محمد عدنان البخيت، في مؤسسة شومان التي قال فيها إن «الجامعات الأردنية تحتضر». فرد عليه في مقالة نشرتها صحيفة «الغد» قال فيها: «التعليم العالي لا يحتضر، لكنه مريض مرضاً صعباً، سببه الأدوية التي اخترناها لعلاجه وكثرة الأطباء الذين تعاقبوا عليه».

يعدّد مشاكل الجامعات «هجرة الأساتذة جراء الرواتب غير الكافية، أهمية استقلالية الجامعات ودعمها، عدم صحة مبدأ تخفيض المعدلات، استثناءات القبول، وإلغاء البحث العلمي، ودعم الطلاب الفقراء كي لا يكون التعليم حكراً على الأثرياء».

بمجيئه وزيراً للتعليم العالي ينتظر منه الكثير للإصلاح، فهل تتاح له الفرصة ليمضي قُدماً فيه؟.

وليد المعاني: المشي على “صراط مستقيم”
 
19-Mar-2009
 
العدد 68