العدد 68 - أردني | ||||||||||||||
سعد حتر الحراك الحكومي المحموم صوب تطبيق مشروع “الأقاليم” يستوجب مناخاً تفاعلياً على مستوى القاعدة، للخروج برؤية متكاملة فضلى حيال هذه المسألة الوطنية، لذلك لا بد من إزالة التشريعات المعيقة للحريات الفردية، في مقدمتها قانونا الاجتماعات العامة والانتخابات. تشتكي الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني من تراجع الحوارات الوطنية المؤطرة، وغياب المعلومة أو تضارب التصريحات الحكومية حول المشروع، مقارنة مع مخرجات لجنة الأقاليم الملكية، التي ظلّت سريّة منذ صيغت قبل أربع سنوات. باختيار مأدبا (وسط) نواةً للاّمركزية المؤجلة، تطلق حكومة نادر الذهبي هذا المشروع، بمحرك ملكي نفّاث، ومحور تنموي اقتصادي-اجتماعي، ما يشي بإرجاء محطة الإصلاح السياسي إلى أجل غير مسمّى. الذهبي اختار محافظة مأدبا، لتشكّل نواة مشروع اللامركزية، لأن خريطتها التنموية مكتملة، وموازنتها جاهزة، بحسب وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال نبيل الشريف. على أن نخباً سياسية وحزبية تشتكي من عدم وجود خريطة طريق صوب المشروع، وتؤكد في المقابل أن اختيار مدينة الأحزاب والفسيفساء، لتطبيق بداياته، يفرض على أهلها “تحدّياً” لإنجاحه. لذلك، سارعت النخب لتشكيل لجنة “استباقية” موسّعة لملاقاة التوجه الحكومي في منتصف الطريق، من خلال عقد مؤتمر أهلي شامل لبحث أفضل الروافع لتطبيق اللامركزية. في المقابل، على الحكومة شرح أبعاد المشروع ومراميه، وإشراك مؤسسات المجتمع المدني في صياغة بنوده، لتتماشى مع خصوصية كل وحدة إدارية (محافظة أو إقليم)، وميزتها النسبية. وزير الزراعة الأسبق شراري كسّاب، والمدير السابق لمهرجان جرش الملغى أكرم مصاروة، يؤكدان أن سكّان المحافظة -خليط من جذور مزارعين، فلاحين ولاجئين– يطمحون إلى المشاركة في صياغة القرارات التنموية المتعلقة بمنطقتهم، التي تفتقر، بخلاف سائر المحافظات، إلى مشاريع استراتيجية مشغِّلة للأيدي العاملة. على أن العديد من سكّان المدينة تذمروا، لعدم إطْلاعهم مسبقاً على قرار اختيار مدينتهم نواةً لمشروع اللامركزية. يرى نشطاء في العمل العام أنه “لا يجوز تفعيل المشاركة الشعبية ورسم دور تنموي للمحافظات بأدوات متخلفة، قد تفضي إلى تفتيت النسيج الاجتماعي عبر تشجيع الهويات الفرعية”. بعكس ذلك، يؤكد النشطاء أن “مشروع الأقاليم يوفر فرصة جديدة لاعتماد نظام انتخاب راقٍ يعتمد على القائمة النسبية، لضمان المشاركة الشعبية الحقيقية على قواعد برنامجية، تعيد صهر المجتمع في بوتقة المواطنة الحقّة”. الذهبي، سادس رئيس وزراء منذ العام 1999، يقول إن الحكومة ستنتهج مقاربة تدريجية صوب الإصلاح السياسي تبدأ بتعميم اللامركزية على محافظات المملكة، بانتظار مراجعة حزمة تشريعات لتتواءم مع آلية الإدارة الجديدة بحلول العام 2011. لكن تصريحاته لم تطفئ هواجس محلّلين، علقّوا علامات استفهام حول مآل سلسلة مشاريع إصلاح على مدى عشر سنوات، تارةً تضع السياسة قبل الاقتصاد، وتارة تتوارى خلف التنمية الاقتصادية والإدارية. حتى الآن، ما زال الغموض يلفّ مشروع اللامركزية. فبينما تتأرجح الآليات المقترحة بين إسقاط الوحدة التنموية على المحافظة القائمة، وتشكيل إقليم من أربع محافظات، تطالب نخب سياسية بطريق ثالثة، معبّدة بتفعيل القوانين القائمة، وتعزيز صلاحيات البلديات، حتى تعود إلى سابق عهدها في إدارة شؤون المناطق. في البدء رشحت معلومات، تفيد بأن الحكومة شكّلت لجنة وزارية لصياغة مشروع توافقي، بعد دراسة توصيات لجنة الأقاليم، ومضامين مسودة مشروع صاغته وزارة الداخلية قبل خمس سنوات، يعتمد المحافظة أو المتصرفية وحدةً تنموية متكاملة. لكن رئيس الوزراء سارع للتأكيد أن اللامركزية ستتكئ حصراً على مخرجات لجنة الأقاليم، نافياً الاستنتاجات الأولية. ويبدو أن وزير الداخلية نايف القاضي، أحد أعضاء اللجنة الملكية التي وضعت توصية الأقاليم، يسانده في هذا الطرح. كان مشروع الأقاليم أطلق سجالاً في الصحف المحلية. الكاتب والمحلل السياسي فهد الخيطان رأى في مقالة له في “العرب اليوم”، أن “التركيز المفرط على مشروع الأقاليم، وتجاهل الاستحقاقات الأساسية للإصلاح السياسي (قد تكون) محاولة للالتفاف على المطالبة بتعديل قانون الانتخاب، وسائر القوانين الناظمة للحريات”. ولا يستبعد الخيطان أن تكون وراء “الأقاليم” محاولات “إشغال الرأي العام بمشروع خلافي يعرّض تجربة الحكم المحلي للإرباك”. وبينما يستذكر كيف عكف رئيس وزراء أسبق (علي أبو الراغب) على تمرير أكثر من 200 قانون مؤقت بعد تغييب مجلس الأمّة لنحو عامين، أعرب الخيطان عن الخشية من أن “يتكرر السيناريو بطريقة أخرى، بحيث يُستغل الوعد بقانون انتخاب جديد كطعم لتمرير قانون تقسيم البلاد إلى أقاليم، فيما يبقى قانون الانتخاب الحالي ونظام تقسيم الدوائر (الانتخابية) على حاله”. يخلص الخيطان في مقالة تكميلية، إلى أن “تحقيق اللامركزية لا يحتاج إلى تفريخ برلمانات وحكومات محلية تجمع محافظات، تتباين فيها الألويات التنموية والخدمة، وإنما يتطلب وحدات إدارية لا تتجاوز حدود المحافظة”. من جانبه، يرى المحلل السياسي ياسر أبو هلالة في صحيفة “الغـد”، أن تطبيق مشروع الأقاليم يجب أن يكون ضمن “سياق تطور عام يبدأ بقانون انتخابات، ويشمل البلديات وأمانة عمان وصولاً إلى المجهول، الذي لم نعرفه ولم نجربه من قبل، ولا عرّفه ولا جرّبه غيرنا بالصيغة الواردة في المشروع المقترح”. وردّاً على التكهنات التي ربطت مشروع “الأقاليم” باحتمالات ضم الضفة الغربية، إقليماً رابعاً إلى المملكة، يستذكر أبو هلالة بأن الدستور “لم يَذكر (سنة 1952، عقب الوحدة بعامين) أن المملكة تتكون من إقليمين ضفة غربية وشرقية، بل عدّ البلاد الواحدة جزءاً من الأمّة العربية، وظلّت القدس بعظمتها محافظةً مثل الخليل ومعان وإربد”. الذهبي كان كسرَ الصمت مطلع الأسبوع، حين سعى لوضع حدّ لظلال الضفة الغربية على مشروع الأقاليم، وسط توقّعات بانهيار فرص إقامة دولة فلسطينية في الضفّة وقطاع غزّة، المتاخم لمصر. فلمن وصفهم بأصحاب “اجتهادات، شائعات وشطط”، أوضح الذهبي: “لا يوجد إقليم رابع غرب الأردن”، بل ثلاثة في المملكة؛ اليرموك في الشمال، رغدان في الوسط، ومؤتة في الجنوب. وفي معرض تأكيده على مسار الإصلاح السياسي، استرجع رئيس الوزراء كلامَ الملك، الذي قال في خطاب العرش أواخر العام الماضي: “إن رؤيتنا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، تسير جنباً إلى جنب، مع رؤيتنا في التنمية السياسية، التي تهدف إلى توسيع قاعدة المشاركة في عملية صنع القرار وتنفيذه، وتعزيز مبادئ المشاركة والمساءلة وتكافؤ الفرص». لكن، لماذا اختيرت محافظة مأدبا، التي يقطنها 146 ألف نسمة (40 كيلو مترا جنوبي عمان)، نقطة انطلاق مشروع الأقاليم؟ وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال، يؤكد أن فكرة اختيارها لمعت في ذهن رئيس الحكومة أثناء زيارة الملك إليها قبل عشرة أيام. وأرجع الشريف السبب إلى جهوزية خطط مأدبا التنموية، واكتمال بنود موازنتها. إلى ذلك، أكد أن الحكومة، ستعقد اجتماعا في مأدبا خلال أيام بحضور جميع محافظي المملكة، لاستكمال وضع تفاصيل اللامركزية في مأدبا، حتى تسهل الإجراءات لدى بدء التطبيق على أرض الواقع في سائر المحافظات. تعكف الحكومة على وضع تشريع يستند إلى توصيات لم تُنشر رسمياً منذ صياغتها أواخر العام 2005. تُتابع هذه التفاصيل، وصولاً إلى تطبيق المخرجات على الأرض، لجنة مؤلفة من وزراء: الداخلية، الشؤون البلدية، المالية، وتطوير القطاع العام. تسير الحكومة على محورين: تعديل التشريعات بما فيها قانون البلديات لتتواءم مع المشروع، ورفع مقدرات المحافظات من خلال رصد مخصصات مالية في العام 2010، مع إعطاء المحافظات حرية اختيار أولوياتها التنموية. على أن تصريحات الذهبي حول تقسيم المحافظة إلى عشر دوائر، أثارت استغراب نخب سياسية، إذ رأت في توجّه كهذا مخاطر تفتيت وعاء الوطن إلى هويات فرعية، حتى بين أفخاذ العشيرة الواحدة. يرى باحث في علم الاجتماع فضّل عدم نشر اسمه، أن تقطيع المدن إلى دوائر، بعضها متجانس، سيمزق النسيج الاجتماعي، ويفتت حتى أصغر الوحدات المجتمعية في إطار العشيرة الواحدة. النائب، الحزبي والوزير الأسبق ممدوح العبادي، انتقد حصر مقاربة الحكومة بخيار اللجنة، معتبراً أنه كان «بوسعها توسيع قاعدة خياراتها». المحللة الاقتصادية جمانة غنيمات تنتقد تراكم المشاريع بتسميات مختلفة وأجندات متناقضة، دون طائل. واستذكرت غنيمات النتائج الهزيلة لمشاريع محاربة الفقر والبطالة، رغم أن الحكومات أنفقت عليها أزْيَد من مليار دينار. لمعالجة الجفاء بين المسؤولين والمواطنين، تقترح غنيمات أن تنزل «الحكومة من برجها العاجي، وتتأمل بيوت الطين والصفيح، والأرواح المعجونة بالتذمر والشكوى والإحساس بالعدم». |
|
|||||||||||||