العدد 67 - كتاب
 

خلافاً لتصورات وردية رددها، وما يزال يرددها كبار وصغار مسؤولي الحكومة ودوائرها وفرقها الاقتصادية حول إنجازات ومكاسب الاقتصاد الأردني أو تأكيد إمكانياته في مواجهة ومعالجة أي صعوبات أو «تحديات » فعلية أو متوقعة والخروج منها، كما حدث سابقاً في رأيهم، وعلى الرغم من عدم الإعلان بعد عن تحقق «نمو سلبي » في الناتج المحلي الإجمالي خلال ربعين سنويين متعاقبين، نقول خلافاً لما تقدم، ورغم ذلك، نستطيع أن نرصد ونحدد العديد من المؤشرات التي ترجح أو حتى تؤكد تسارعاً متزايداً ينذر بدخول حالة تباطؤ اقتصادي متزايد يتحول بسرعة إلى كساد أكثر عمقاً.

وكمؤشر لتباطؤ قطاع العقار، انخفضت أعداد الرخص الممنوحة للبناء بنسبة (13 في المئة)، خلال الأحد عشر الأول من 2008 ، وهبطت المساحات المرخصة خلالها بنسبة (17 في المئة) قياساً بالفترة نفسها من 2007 ، وخلال الشهرين الأولين من هذا العام، تراجعت قيمة التداول في السوق العقارية إلى (577) مليون دينار هبوطاً من (879) مليون في الفترة نفسها من 2008 ، وبنسبة تراجع (36 في المئة) انعكاساً للأزمة العامة المتصاعدة، وبأكثر من شكل في هذا القطاع. واتسم الطلب المحلي على الألبسة، والأثاث بالضعف والتراجع وهبوط الأسعار

بنسبة لا تقل عن (30 في المئة)، وفي بعض المواقع أكثر من ذلك الذي انعكس في خروج فعاليات تجارية من هذه السوق من جهة أو اللجوء إلى حملات مكثفة من التنزيلات السعرية تراوحت في معظمها بين (40 في المئة) إلى (70 في المئة)، ومعظمها حقيقي في هذه الفترة، بل أن التباطؤ في هذا القطاع دفع ببعض فعالياته إلى الإعلان عن تنزيلات في أسعار الملابس الشتوية عند بدء الشتاء وليس في نهايته!!.

وما زالت المناطق الصناعية المؤهلة تسير من سيء إلى أسوأ لأكثر من سبب سياسي، واقتصادي، وتعاني أكثر من مدينة صناعية، وبخاصة الحديثة منها من ضعف نسبة الاشغال فيها رغم حوافز متعددة منحت لها، ومنها تخفيض أسعار بيع الأراضي في بعضها بنسبة (36 في المئة) وقيمة إيجاراتها بنسبة (40 في المئة). كما تعاني شركات ومعارض السيارات من تباطؤ أو تراجع كبير من أرقام ومعدلات مبيعاتها، وبنسبة تقارب (40 في المئة)، في بعض المواقع. وانخفض بحدة حجم المناولة في ميناء العقبة، في الشهرين الأولين من 2009 إلى (940) ألف طن قياساً بحجم (1.4) مليون طن في الفترة نفسها من 2008 . ويعاني قطاع السياحة حالياً من تباطؤ أعمق وأكثر شمولاً بداية من انخفاض نسبة الإشغال في الفنادق بنسبة (25 في المئة)، في المتوسط، وبالنسبة نفسها فيما يتراجع التردد السياحي على المطاعم وأماكن الترفيه، فيما بلغت نسبة التدهور في الطلب على السيارات السياحية (40 في المئة)، وكمؤشر آخر على التباطؤ السياحي انخفاض قيمة رسوم دخول البتراء من (1.5) مليون دينار في شهر شباط/فبراير 2008 إلى (677) ألف دينار في شباط/فبراير 2009 ، وكادت تنعدم حركة تدفق الأفواج السياحية الأردنية إلى الخارج، وقد استمر اتجاه التباطؤ في العائد السياحي وفي زخم حركته رغم تخفيض في أسعار الخدمة السياحية بنسبة لا تقل عن (10 في المئة). وكانعكاس للتباطؤ الاقتصادي المتصاعد في أكثر من قطاع، تدهورت أسعار معظم الأسهم المتداولة في بورصة عمان بحدة منذ آب/أغسطس 2008 وبنسبة هبوط (24.9 في المئة)، عن كامل 2008 شاطبة أيضاً نسبة ارتفاع ( 30 في المئة)، تحققت خلال الأشهر السبعة الأولى من 2008 . وأيضاً ونتيجة تعمق وامتداد حالة التباطؤ الاقتصادي، ارتفعت قيمة الشيكات المعادة إلى (170) مليون دينار خلال شهر كانون الثاني/يناير من هذا العام، وبنسبة (6.1 في المئة)، من قيمة الشيكات المقدمة للتقاص، وهي نسبة عالية بأكثر من معيار، ولم يسبق تسجيل مثيل لها منذ سنوات.

ما سبق في الواقع أمثلة فقط عن حالات من مؤشرات التباطؤ الاقتصادي في بعض القطاعات وبالتأكيد يمكن أيضاً رصد مؤشرات لحالات أخرى مشابهة، ومؤثرة وتؤدي إلى الاستنتاج نفسه. انكار أو تجاهل الأزمات الاقتصادية على أنواعها أو محاولات التخفيف والتلطيف منها، قد يفيد لفترة قصيرة، ولكن ذلك سيكون المدخل الأكيد لانفجارها لاحقاً في وقت يصعب فيه مواجهتها، وايجاد الحلول المناسبة الكلية بل وحتى الجزئية لها.

أحمد النمري: مؤشرات تباطؤ في الاقتصاد الأردني
 
12-Mar-2009
 
العدد 67