العدد 67 - دولي
 

ستيفن غلين

دع جانبا للحظة توكيدات هيلاري كلنتون اللفظية التي أدلت بها الأسبوع الماضي من أن توسيع المستوطنات في الضفة الغربية “لا يساعد” على تحقيق سلام في الشرق الأوسط. ففي النهاية، لا أحد يتوقع منها أن تعبر عن أي شيء بأكثر من احتجاج هزيل على استيطان الأرض الفلسطينية في زيارتها الأولى للشرق الأوسط بوصفها وزيرة للخارجية. وبدلا من ذلك، دعنا نركز على ما قدمته السيدة كلنتون لوزير خارجية روسيا سيرغي لافروف خلال اجتماعهما في جنيف: زر “إعادة ضبط” لشرح رغبة الرئيس باراك أوباما في إصلاح علاقات واشنطن مع موسكو التي خربها بوش. حين أشار لافروف بطيبة إلى أن التعبير الخاص بالزر قد ترجم خطأ بحيث بدا وكأنه يعني “تعبئة زائدة” وليس إعادة ضبط، ضحكت كلنتون على الطرفة ومضت.

ولكن كان هنالك شيء كاشف حول المشهد. فكر في أن أقوى بلد في العالم، والذي يحتفظ ببعثات أشبة بالقلاع يعمل فيها آلاف الأشخاص حول العالم، من الواضح أنه لا يستطيع التعامل بسرعة مع متحدث بالروسية. ألم يكن في مقدور مساعد وزير الخارجية لشؤون الهدايا أو الأجوبة الذكية أن يتصل بالسفارة الأميركية في موسكو للحصول على ترجمة مناسبة؟ لو عرفت، لكنت اتصلت بستروب تالبوت، وهو مساعد سابق لوزير الخارجية، وروسوفيل الذي يتردد على محل بيع الغيتارات نفسه الذي أتردد عليه وطلبت منه المساعدة.

على تفاهة الأمر، فإن حادثة الزر نموذجية بوصفها عرضا لمرض أشد يصيب الجهاز الدبلوماسي الأميركي، وهو أمر أقسمت كلنتون نفسها أن تعالجه. قد لا يبدو الأمر كذلك، بوجود سفارة أميركية هائلة الحجم، لكن مصادر أميركا الدبلوماسية تبدو هزيلة. ففي حزيران / يونيو 2008 ،

وبحسب إف أنثوني هومز مستشار الشؤون الخارجية، كان هنالك نحو 6646 موظف في مكاتب الخدمة الخارجية في وزارة الخارجية،

أي ما يزيد بنحو عشرة في المئة عما كان عليه العدد قبل 25 عاما، حين كانت بلدان العالم أقل مما هي عليه الآن بأربع وعشرين بلدا. إن الفجوة بين الموارد البشرية وحجم العمل واسعة جدا، إلى حد أن موظفي الخدمة الخارجية لا يتلقون سوى القليل من التدريب، لأنه ليس هنالك من يغطي غيابهم. وتعاني البعثات الدبلوماسية الأميركية من وجود شواغر نسبتها 30 في المئة في إفريقيا، و 21 في المئة في العالم أجمع. ويتم إهمال

العمل الحيوي وبخاصة في مجالات ما بعد الصراع؛ عدد الموظفين الذين تمت أعارتهم للوكالة الأميركية للتنمية الدولية انخفض بما نسبته 75 في المئة منذ السبعينيات. من الصحيح أن موازنة الرئيس أوباما للعام 2010 تدعو إلى بذل جهد على مدى سنوات لزيادة حجم الخدمة الخارجية في

صورة ملحوظة، في كل من وزارة الخارجية ووكالة التنمية الدولية، فالخدمة الخارجية لا ترحب فقط بمثل هذا السماح، بل والقادة العسكريون أيضا، فوزير الدفاع روبرت غيتس نعى ما يدعوه “عسكرة” السياسة الخارجية الأميركية ودعا إلى تقوية عضلات أميركا الدبلوماسية. وفي الشهر الماضي، دعا الأميرال مايك موللن، رئيس هيئة الأركان المشتركة، إلى مزيد من التركيز على الأدوات “غير العسكرية للنفوذ الدولي..

وقدرات الدبلوماسية الأميركية.” كيف تسنى لوزارة الخارجية الأميركية، التي كانت يوما رأس النبع للدبلوماسية الأميركية والواجهة الأميركية لما وراء البحار، أن تصبح بهذا الضعف؟ لقد كان هنالك ركود طويل، بكلمات رديارد كبلنغ، ركود تعمق تحت إدارة سلف السيدة كلنتون، كوندوليزا رايس، التي دعت في خطاب لها ألقته في شهر كانون الثاني / يناير 2006 ، إلى “دبلوماسية جريئة....

تسعى إلى تغيير العالم،” لكن رايس فشلت في جمع ما يكفي من التمويل للاكتتاب في رؤيتها الكاسحة. وكما كتب السيد هومز، السفير السابق في بوركينا فاسو، في عدد شهر كانون الثاني/ شباط من مجلة “فورين أفيرز” قائلا “إن الدبلوماسي يحتاج برامج ممولة جيدا لكي تحصل على ما هو أكثر من تأثير رمزي. وهذه البرامج غير موجودة. وهي لم تطلب أبدا، والأشخاص الثلاثمئة الذين أعيد تعيينهم في بلدان نامية مهمة من الناحية الاستراتيجية خلال السنوات الثلاث الماضية، لم تكن لديهم في الواقع أي موارد جديدة للعمل بها.”

ويوازي ذلك في إلحاق الأذى بالدبلوماسية الأميركية، بحسب هومز، ثقافة الخوف التي تضعف الرأي المخالف، وقد كتب قائلا: “الموظفون الذين تجرأوا على تقديم تحليلات حقيقية للخيارات الدبلوماسية تم تجاهلهم، وتعرضوا للعقاب والنفي. وفي بعض المكاتب، تزايد في صورة كبيرة عدد “المستشارين الخاصين” الذين عينوا على خلفية سياسية – والذين يعملون في واقع الأمر بوصفهم مفوضين سياسيين من خلال تطبيق نظام ضبط سياسي بغض النظر عن الأحداث على الأرض -.

وقد أصبح هذا واضحا في الولاية الأولى لإدارة بوش، وبخاصة أنها ترتبط بمكتب شؤون الشرق الأدنى في وزارة الخارجية، وما فيها من الخبراء العرب. ومسؤولون من أمثال رون شليشر، وهو موظف مخضرم في الخدمات الخارجية، ومتحدث طلق اللسان بالعربية، مع خبرة في أماكن مثل القاهرة والقدس، كان في إمكانهم في حقب أخرى أن يصعدوا السلم الوظيفي ليتسلموا مناصب رفيعة في الشرق الأوسط. وفي العام 2004 ، منح شليشر جائزة رابطة موظفي الخدمة الخارجية الأميركية السنوية عن وضعه أفضل رسالة “مخالفة” في تاريخ الخارجية الأميركية، وهو جزء من تقليد نقاشي داخلي كبير. ولكن شليشر كان حريصا على ألا يتفاخر بهذه الجائزة حتى لا يستدعي ذلك صدور أي ردود أفعال من جانب البيت الأبيض الذي تحدى سياساته في نظام المنبر المفتوح في وزارة الخارجية الذي كان يوما محطا للفخر والإعجاب. اليوم، يكتب هومز، “لقد أصبح الأمر يزداد صعوبة أمام موظفي الخدمة الخارجية الأميركية، وهي الجهة التمثيلية الوحيدة للخدمة الخارجية بأكملها، لأن تضع ترشيحات مرنة للحصول على جوائزها السنوية لأي اختلاف بناء، لأن التصريح بالنقد للسياسة الأميركية أصبح نادرا جدا الآن.”

إن النقص في عدد الموظفين ومناخ الخوف يقدم منبرا ضعيفا لدبلوماسية واثقة وقوية، فإن كانت السيدة كلنتون جادة في شأن إحياء تمثيل مدني أميركي في الخارج، فإنها تحتاج من المال إلى أكثر مما يمكن للكونغرس أن يوافق على تخصيصه، وإلى قيادة أقوى من تلك التي قدمتها سلفها. وإن كان هنالك من أمر فإن وزارة الخارجية هي التي تحتاج إلى إعادة ضبط.

الخارجية الأميركية: العسكرة أم القوة الناعمة ؟
 
12-Mar-2009
 
العدد 67