العدد 67 - بورتريه | ||||||||||||||
خالد أبو الخير يلح بعض الغموض على صورته، رغم أن مذكراته ولقاءاته الفضائية قالت الكثير. يصعب تذكر يوم لم يكن فيه عسكرياً، هو الذي ولد في خضم أحداث جسام، وظل أسير ما كانه، وما سيأتي. مر بثلاث محطات مفصلية، كما يسميها، كان دوره فيها رئيسياً «مرحلة الضباط الأحرار، ومرحلة العام 1970، وعودة البلد إلى الديمقراطية والانتخابات. رأى نذير رشيد النور في مدينة السلط يوم 19 يوليو/ حزيران 1929، لعائلة شامية الأصل. درس في الكتاب أولاً، ثم انتسب للدراسة النظامية. ولم يكن بالطالب المجتهد. وشارك إبان المرحلة الإعدادية في إضراب المدارس بسبب رفع علامة النجاح إلى 60 في المائة بدلاً من خمسين بالمائة. لكن تدخل الأمير عبدالله الأول، أنهى الإضراب مع بقاء مستوى النجاح على حاله، كما أدى تدخله ثانية إلى قبول رشيد في الصف الثالث ثانوي رغم عدم تفوقه. أنهى دراسة الثانوية «المترك» العام 1947، وشدّ الرحال عقبها إلى بغداد ملتحقاً بكليتها العسكرية التي زارها إبان رحلة كشفية في العام الذي سبق، وأحب أجواءها. وقعت حرب 1948 أثناء ما كان طالباً في بغداد، وبعد عودته العام 1949 عُيّن برتبة ملازم ثانٍ في كتيبة الدروع الوحيدة في الجيش آنذاك. اغتيال الملك عبدالله يوم 20 تموز/يوليو 1951، ترك أثراً بالغاً في نفسه وسائر الضباط «اللي كان داعمنا وحامينا وقائدنا.. راح». يؤكد أن الجيش العربي «بذل كل ما يستطيع من أجل فلسطين، وحافظ على قسم كبير من الضفة الغربية، ودرّتها مدينة القدس». يروي محاولة عراقية لضم الأردن إلى المملكة العراقية بعيد وفاة الملك عبدالله وتنازل الملك طلال عن العرش بسبب من مرضه، على اعتبار أنهم أبناء عم، لكن رئيس الوزراء توفيق أبو الهدى، ورجالات الأردن، وقفوا ضد الفكرة، وطبقوا الدستور الأردني، وانتقلت الولاية إلى أكبر أولاد الملك طلال الأمير آنذاك، الأمير، الملك الراحل الحسين «الذي كان يحظى أيضاً بدعم الشعب والجيش». يحاجج بأن رئيس الوزراء توفيق أبو الهدى لم يتلاعب بانتخابات 1954 التي أعقبت حل البرلمان، ويشهد للرجل بأنه «مات وليس في بيته كرسي». ميوله القومية دعته للانتماء العام 1951 إلى تنظيم «الضباط الأحرار» الذي كان هدفه «تعريب قيادة الجيش الأردني ومقاومة التغلغل اليهودي في فلسطين» بحسبه. وفاتحه في الموضوع الضباط «محمود المعايطة، وشاهر أبو شحوت، وضافي جميعاني». يشير في مذكراته إلى تسريبه وثيقة سرية وضعتها قيادة الجيش التي يهيمن البريطانيون عليها، إلى الملك الحسين، تقضي بسحب القوات إلى مرتفعات شرقي النهر عند حدوث مواجهة مع الإسرائيليين، وتشير إلى توريد كميات هزيلة من الذخيرة للجيش ما أغضب الملك الذي وبّخ كلوب باشا عليها. «لعن أبو حبايب كلوب». بعد «مناورة هاشم» والأحداث التي أعقبتها، أتهم بالضلوع في المحاولة الانقلابية الفاشلة في نيسان/أبريل العام 1957، وحينما علم بصدور الحكم الغيابي بالسجن 15 عاماً وأنه مطلوب حياً أو ميتاً، فر إلى سورية. في دمشق علم أن البعثيين لعبوا دوراً في المحاولة الانقلابية، والتقى عبدالحميد السراج، رئيس المكتب الثاني أو رئيس المخابرات آنذاك، الذي قال له: «البعثيين عكاريت». يؤكد أن «المناورة كان متفقاً عليها، وأن محاولة جرت لتوريطه، وحوّرت لأسباب لا يعلمها وليست من صلاحياته». تطوّع للقتال كقائد ميداني العام 1958 إلى جانب المجموعات اللبنانية التي تمثل الدروز، والسُنّة، والشيعة الذين وقفوا ضد التمديد للرئيس كميل شمعون، لكنه حين رأى الانزال الأميركي لدعم شمعون، أدرك أن المعركة حسمت.. فعاد إلى دمشق. يروي كيف عرف أن انقلاباً على الوحدة مع مصر سيحدث في سورية لدرجة أنه قال لزوجته: «تعالي نقعد على الشرفة ونشوف الانقلاب المتوقع أن يبدأ من منطقة المزة حيث كان يسكن». ساعد السراج في الهروب من سجن المزة إلى «المختارة» مقر كمال جنبلاط، ومن ثم إلى مصر. غادر إلى لبنان ومنها إلى مصر وأقام في الاسكندرية. يصف صدور العفو الملكي العام عن جميع المعارضين المقيمين خارج الأردن في شهر مارس/ آذار العام 1965. بأنه «فرحة العمر». و قفل عائداً إلى الأردن، حيث حطت طائرته في مطار القدس «قلنديا». أعاده محمد رسول الكيلاني، إلى الوظيفة كضابط في دائرة المخابرات برتبة رائد شباط/ فبراير العام 1968 وعُيّن مسؤولاً عن فرع إسرائيل في الدائرة، ورفع إلى رتبة مقدم بعد مضي ستة شهور. وقعت هزيمة الـ67، وتلتها معركة الكرامة التي عايشها، فضلاً عن مراحل الصراع الذي تفجر العام 1970. مطلع أيلول/ سبتمبر 1970 عُيّن مديراً للمخابرات العامة. وهو من رشّح الضابط عدنان أبو عودة، لمنصب وزير الإعلام في حكومة محمد داوود العسكرية. يتهم الحكومة المصرية بالتواطوء مع منفذي جريمة اغتيال وصفي التل. العام 1973 ترك رئاسة المخابرات العامة، وانتقل سفيراً للأردن في المغرب حتى منتصف العام 1974. لكنه ملّ من السفارة والبروتوكولات.. «مش شغلتي هل شغلة»، فاستقال وعاد إلى الأردن متفرغاً لممارسة العمل الخاص. عاد إلى الأضواء مع عودة الديمقراطية غداة تعيينه عضواً في مجلس الأعيان العام 1989، «ميزة الملك الحسين أنه لا ينسى رجاله وكل واحد له دور آني وله دور مستقبلاً». في الأعيان رأى الدستور لأول مرة «تفاجأت بأن هذا الدستور، هذه الورقة النثرة الصغيرة، شغلة مهمة، يعني حتى شقد ما حفظتها ما تقدر تحفظها ولازم تكون بجيبتك حتى ما تخطئ، وترجع له في كل مناسبة، هالورقة هذه كتبها ناس عظام حقيقة»، جاء وزيراً للداخلية في حكومة عبد السلام المجالي الثالثة في نيسان/ ابريل 1997. «اختارني سيدنا، قال سيدنا لعبد السلام جيب نذير للداخلية، فقبلت أنا رأسا». أداؤه الوزاري أثار الجدل، ويذكر مواطنون قوله على شاشة التلفزيون «كل أعضاء الأحزاب بجمعهم على منسف». دلالة على قلة عددهم وتأثيرهم. برأيه، أن «الأردنيين إجمالاً مدللون، يعني أحياناً دلال زائد، أحياناً بدها شوية شد الفرامل، كان مظاهرات واحتجاجات كثيرة بسبب وبدون سبب، وبخاصة جماعة الأحزاب، 23 حزباً كان عنا، أي شيء بدهم يساووه». ويعتقد أن على الأردنيين أن «يحطوا إيديهم بإيدين بعض ويمشوا بالصف». «لا أضرب بيد من حديد، أعرف القوانين وأنفذها، وأجعل من غيري ينفذها أيضاً». حاول جهده ثني الحركة الإسلامية عن مقاطعة انتخابات 1997 التي أشرف عليها، وانتقدهم كثيراً حين قاطعوا. بقي في منصبه حتى قدمت حكومة المجالي استقالتها في أيلول/سبتمبر العام 1998. برز مجدداً غداة طبع مذكراته «حساب السرايا وحساب القرايا» التي منعت من التداول في الأردن.. ثم سُمح بها. «لو يعني تعود الأيام، ما بغير شغلة من اللي صارت معي، لا، أقسم بالله ما في شيء نادم عليه نهائياً». يجادل «أبو جعفر» وهو يرنو إلى جبال السلط يغمرها الغمر |
|
|||||||||||||