العدد 67 - الملف | ||||||||||||||
في تقرير أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش في كانون الأول / ديسمبر 2007 ، قالت المنظمة الدولية إن الأردن «يسعى منذ زمن طويل إلى تقديم نفسه على أنه بلد الإصلاح السياسي » ويفصل التقرير في شرح كيف أن المسؤولين الأردنيين لا ينفكون يتحدثون عن الإصلاح وضمان سيادة حكم القانون وزيادة هامش الحريات. في الفقرة التالية من التقرير، تذكر هيومن رايتس ووتش أن التناقض يبدو واضحا بين التصريحات الرسمية والممارسات على الأرض، ويقول التقرير إنه «خلال الأعوام القليلة الماضية، صعبت الحكومة الأردنية على منظمات المجتمع المدني أن تعمل – أو حتى تتواجد – وإن تواجدت فبأقل قدر ممكن من الاستقلالية، وذلك بدلاً من أن توسع هامش الحرية أمام مشاركة المجتمع المدني في الشؤون العامة للبلاد”، في إشارة إلى قانون الجمعيات الخيرية الذي كان قد عُرض وقتها على مجلس النواب. ويتابع التقرير في نقد واضح للسياسة الأردنية فيما يتعلق بحقوق الإنسان والحريات العامة، أن الحكومة الأردنية “يحلو لها أن تزهو بما لديها من مجتمع مدني نشط”، إلا أن المنظمات التي “تجرؤ” على انتقاد الحكومة “تكافح بضراوة لإبعاد الضغوط المستمرة والتدخلات القائمة من جانب السلطات”. ويورد التقرير على لسان شخصية حقوقية في الأردن فضلت عدم الإفصاح عن هويتها خوفا من الملاحقة، أن «منظمات المجتمع المدني تخشى التحدث إلى هيومن رايتس ووتش لأنها لمّا فعلت هذا في الماضي، تعرضت لعواقب”. لاحقا، في يوليو / تموز من العام الماضي، أرسلت المنظمة الدولية رسالة إلى مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والأردن قبيل انعقاده. الرسالة كانت موجهة إلى وزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وإلى ممثل السياسة الخارجية والمفوضة الأوربية للعلاقات الخارجية، ومفادها أن الاتحاد ما زال يتعهد بمزيد من التعاون مع الأردن بالرغم من أنه –أي الأردن- أظهر “تراجعا” في مجال حقوق الإنسان، أو أخفق في إحراز التقدم المطلوب فيما يتعلق “بالأهداف والالتزامات المتفق عليها بين الاتحاد والأردن”. وقد لعب المانحون الكبار للأردن – الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي – دوراً مهماً في دعم الاقتصاد الأردني وتمكين الحكومة من العمل، إذ وفر الاثنان معاً حوالي 600 مليون دولار مساعدات إجمالية في عام 2006 ، وهو ما قدّر بعشرة في المائة من الميزانية الأردنية لعام 2007 . الرسالة ربطت بين الإصلاحات في الأردن والمعونات التي يتلقاها من الاتحاد، وطالبت بأن يتم ربط المساعدات الأوروبية بمدى التقدم في خمسة مجالات تحديدا هي: حرية تكوين الجمعيات والتجمع السلمي، التعذيب في السجون، الاحتجاز الإداري، انتهاكات المخابرات كجهة لإنفاذ القانون، حقوق المرأة. الملاحظ أن الحكومات الأردنية المتعاقبة لم تحقق المطلوب في أي من هذه المجالات. ولا أدل على ذلك من استصدار حكومة علي أبو الراغب في العام 2001 لقانون مؤقت مرر في غياب البرلمان، يلغي قانون التجمعات العامة لعام 1953 . هذا القانون الذي تم اعتماده في العام 2004 وحمل الرقم 7، يضع قيودا على عقد الاجتماعات العامة، ويشترط الحصول على موافقات مسبقة من السلطات، بالرغم من أن القانون الذي سُن قبله بثلاثين عاما كان أكثر تقدما، إذ كان يجيز عقد الاجتماعات العامة في المملكة بشرط إصدار “إشعار” بذلك قبل 48 ساعة من عقد الاجتماع، من دون الحصول على إذن مسبق. وحتى عندما فكرت الحكومة الحالية في تعديل القانون، أضافت عليه تعديلات اعتبرت “شكلية” في مجملها. وعلى المنوال نفسه، نجد أن قانون الانتخاب الذي مررته حكومة أبو الراغب أيضا بصفة مؤقتة، يتعارض مع العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية من حيث اعتماد الصوت الواحد والدوائر الضيقة، الأمر الذي يخلق حالة من عدم التوازن في تمثيل الناخبين في البرلمان. وبالحديث عن الانتخابات، تتشدد الحكومات الأردنية في رفض المراقبة الدولية عليها. حكومة معروف البخيت التي أدارت الانتخابات البلدية والنيابية الأخيرة عام 2007 ، اعتبرت الحديث عن المراقبة الدولية ضربا من “التشكيك المسبق” بالعملية الانتخابية. البخيت، وقتئذ، قال إنه سيسمح لمنظمات المجتمع المدني المحلية بالاطلاع على سير عملية الانتخاب. لكنه عاد لاحقا وتراجع عن ذلك سامحا فقط للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بذلك. المجلس الوطني لحقوق الإنسان فصل في تقرير أصدره عن تلك الانتخابات ونشره على موقعه الإلكتروني كيف تراجعت الحكومة عن التزاماتها بالسماح للمركز بمراقبة الانتخابات حتى انتهى الأمر بالسماح ل 150 مواطنا فقط بمراقبتها، الأمر الذي لم يتح الفرصة لمراقبة الانتخابات “بالطريقة المتعارف عليها في دول العالم »، بل «سمح فقط بمتابعة ورصد العملية الانتخابية عن بعد، من دون أن يكون لمندوبيه الحق في البقاء المستمر في قاعات الاقتراع والفرز، وذلك بحجة أن قانون الانتخاب أعطى هذا الحق للمرشحين ومندوبيهم دون غيرهم”. وخلص المركز إلى أن “حجم المخالفات لقانون الانتخاب والتي رافقت معظم مراحل العملية الانتخابية، ألقى بظلال كثيفة من الشك حول مدى توافق إجراءات العملية الانتخابية مع المعايير الدولية والوطنية المتعلقة بنزاهة الانتخابات .» مجريات الانتخابات الأردنية جاءت في وقت شهد فيه العالم بنزاهة الانتخابات التشريعية الفلسطينية العام 2006 ، التي خضعت لرقابة دولية؛ إذ اعتبرها الاتحاد الأوربي «مثالا » يحتذى في المنطقة العربية. إلى ذلك فإن الجدل ما زال دائرا على أشده بين هيومن رايتس ووتش ومديرية مراكز الإصلاح والتأهيل فيما يتعلق «بإساءة معاملة نزلاء السجون ». المنظمة اعتبرت أن «سخرية » مديرية الأمن العام من نتائج تقرير كانت قد أصدرته بشأن «التعذيب المنتشر والمتكرر في السجون الأردنية » ينطوي على «فشل المديرية في إدراك الحقيقة الخطيرة للحياة داخل مراكز الإصلاح والتأهيل التابعة لها”. مديرية مراكز الإصلاح والتأهيل، وفي عدد سابق من السجل، أشارت إلى أنه يُصار حاليا إلى تدريب مرتبات “منتقاة” من الأمن العام على إدارة هذه المراكز والتعامل مع النزلاء، بما سيسهم بالحد من عمليات الإساءة؛ لكنها في نفس الوقت ما زالت تولي أمر المخالفين من عناصرها إلى محكمة شرطية غير مستقلة. من ناحية أخرى، حققت مديرية الأمن العام انفتاحا إعلاميا لافتا من خلال المكتب الإعلامي الذي يستقبل استفسارات الصحفيين تحديدا وفي كل المجالات. كما أنشأت إذاعة توفر معلومات مرورية للمواطنين وتستقبل شكاواهم الحياتية. يقول أكاديمي بارز إن مثل هذه “الإصلاحات” لا تتعدى كونها “تجميلية” لا تمس الجوهر في شيء. ومن ذلك أن الأردن، ورغم أنه صادق في العام 1992 على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، فإن المرأة الأردنية ما زالت إلى اليوم، تطالب بحقها في توريث جنسيتها لأطفالها على غرار الرجل الأردني. |
|
|||||||||||||