العدد 67 - الملف
 

وصفي سعيد

أعقاب الهجمات الإرهابية على واشنطن ونيويورك، كان الأردن بين أول البلدان التي اتخذت موقفا قويا ضد الإرهاب، وقد خضع الموقف الأردني الفوري لقراءات متعددة؛ فقد قرأه كثيرون بوصفه فهما جيدا وسريعا لحقبة آتية في أعقاب الهجمات، ولكن هذه القراءة، على أهميتها، تبقى قاصرة عن تقديم فهم شامل للموقف الأردني.

لقد صاغ الأردن موقفه تجاه الإرهاب انطلاقا من عدد من الاعتبارات ذات البعد الوطني. أول هذه الاعتبارات أنه في الوقت الذي يقوم فيه الفهم العالمي للإرهاب على تعريفات نصية للإرهاب بوصفه عنفا يهدف إلى إجبار الحكومة على تغيير سياستها من خلال تخويفها وإعاقة أعمالها، فإن الأردن كان من بين دول قليلة انطلقت من تجربة خاصة بها في تعريفها للإرهاب، وهي تجربة مر بها بين العامين 1968 و 1971 ، وتعامل خلالها مع مجموعات على أرضه تهدف إلى إزالة النظام القائم والحلول محله، وهو هدف أشمل من ذلك المذكور في التعريفات النصية الكلاسيكية

المأخوذة من بطون الكتب. وبهذه التجربة في خلفية القرار الأردني، صاغ الأردن نظرته إلى الإرهاب بوصفه تحديا للحقبة الجديدة، وبوصف الأردن والمنطقة الميدان الرئيسي الذي تهدف هذه المجموعات إلى اتخاذه منبرا ومنصة وقاعدة تعبئة لها. ومن هنا كان الأردن أحد أول البلدان التي تعطي بعدا إقليميا ومحليا للحرب على الإرهاب وما يترتب عليها. العامل الثاني هو أن الأردن قد أدرك، في مرحلة مبكرة أيضا، أن جذور هذا الخطر الجديد ودوافعه وطبيعته، تختلف عن التحديات السابقة العديدة التي واجهها الأردن في الماضي، سواء كانت قومية عربية أو يسارية أو

وطنية فلسطينية، فمتشددو الإسلام التكفيري لم يهددوا أمن البلاد فقط، بل ووحدة نسيجها الاجتماعي في جميع أنحاء الشرق الأوسط. يدين معظم سكان الأردن بالإسلام علىالمذهب السني، ويضم أقلية مسيحية، في حين أن المجتمعات المسلمة الأخرى مكونة من مذاهب وجماعات إسلامية متعددة، من هنا، فإن حرباً طائفية تبدأ في أي مكان في العالم الإسلامي سوف تنتشر في مناطق أخرى، فهي قد تبدأ في موريتانيا وتنتهي في إندونيسيا، غير أن الأردن قدم نموذجا مختلفا حين تحول ملاذا لبعض الشيعة العراقيين.

وبموقعه في قلب ميدان الحرب على الإرهاب، فإن موقف الأردن كان واضحا للجميع، وهو موقف أتاح للأردن الحفاظ على الأمن الوطني ومصالحه من جهة، وأن يكون جزءا من الخطاب الدولي في الحرب على الإرهاب، والأخير دور ذو أهمية حاسمة، لأن وجهة النظر الأردنية تختلف جوهريا عن تلك التي تتبناها القوى الغربية، وبخاصة في المراحل الأولى لهذه الحرب. ووجهة النظر هذه لا تختلف من حيث الحدة أو التهديد، ولكنها تختلف في النهج وفي الهدف النهائي للحرب على الإرهاب. لقد شنت الحرب على الإرهاب، بداية، لمعالجة خطر أمني يستخدم وسائل وأدوات أمنية، وكانت وجهة النظر الأردنية هي أن هذا الخطر الأمني يمكن معالجته من خلال منظور سياسي مواز للمنظور الأمني، ومنسجم معه. وكان هذا واضحا في تصريح الملك عبد الله الثاني في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، حيث قال إنه لو كان هنالك تقدم في عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لما وقعت هذه الهجمات. فضلا عن ذلك، فإن المساهمة الأردنية في الخطاب الدولي حول الإرهاب يمكن تلخيصه في موضوعتين: التطرف، وأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو سبب هذا التطرف في المجتمعات الإسلامية. هاتان الموضوعتان الأردنيتان أصبحتا عمادين أساسيين للنهج الدولي للتعامل مع الإرهاب. ورغم أن الأردن نجح في إعادة تعريف الموقف الدولي للإرهاب، فإن هذا الموقف لم يترجم بعد إلى سياسات وأفعال على الأرض، سواء في أفغانستان أو العراق أو فلسطين،من هنا فإن الحاجة إلى تطوير عملية سياسية تعزز النهج الأمني وتديمه لم تكن مطلوبة مثلما هي الآن. وبينما تمكن الأردن من تعزيز وجهة نظره، فإنه يبقى في حاجة إلى جهد إضافي لحل صراعات النهايات المفتوحة في المنطقة.

الأردن والإرهاب: الحرب والتجربة
 
12-Mar-2009
 
العدد 67