العدد 67 - أردني
 

عطاف الروضان

رغم كل شيء “بيظلّن نسوان”

تقدُّم المرأة رسمياً لم يلغِ نظرة المجتمع السلبية

تتزاحم «عائشة »، المقدم في الأمن العام، و «مي » طبيبة الأسنان، والمحامية «سامية ،» لاستراق السمع من «الديوان » الذي يجتمع فيه

رجال العائلة لبحث قضية مهمة. الجميع في العائلة ينظرون إلى إنجازهن المهني بإعجاب، فعدد كبير من أقاربهن الذكور لم يكملوا دراستهم الجامعية. لكن المفارقة أن هؤلاء الذكور يُسشارون في كل صغيرة وكبيرة، بعكسهن، فهن في نهاية المطاف، «عورة » و «ناقصات عقل ودين » و «هَمّ حتى الممات .» تقول سامية: «هذه الشكوى تتكرر بتفاصيل مختلفة من زميلاتي من أصول عشائرية وغير عشائرية. في موضوع الرأي أو تمثيل العائلة، فإن المرأة درجة ثانية .»

بعيداً عن التقدم الملحوظ ببطء لواقع المرأة في القطاع الخاص، تستمر المحاولات في الجانب الرسمي لدفع المرأة للمقدمة، والتي بدأها الملك الحسين بنهج ملكي داعم للمرأة في القطاعات المختلفة، وواصل ذلك الملك عبدالله الثاني، بخاصة في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، بتراتبيتها التي تحترم المواقع بصرف النظر عمن يشغلها، فكانت النائبة الحالية فلك الجمعاني أول سيدة في الشرق الأوسط تحصل على رتبة لواء.

الحقل الدبلوماسي فتح أبوابه أمام النساء العام 2001 بتعيين دينا قعوار سفيرة للأردن لدى فرنسا، تلتها علياء حاتوغ التي عينت سفيرة للأردن في بروكسل ثم بريطانيا العام 2006 . على المستوى الحكومي، كانت إنعام المفتي أول وزيرة أردنية العام 1979 ، وحملت حقيبة التنمية الاجتماعية. في العام 1982 كانت ليلى شرف أول وزيرة إعلام أردنية. وفي الحكومات في عهد الملك عبدالله الثاني، كانت ريما خلف أول سيدة تشغل منصب نائبة رئيس وزراء وزيرة تخطيط في حكومة عبدالرؤوف الروابدة ) 1999 (، تلتها تمام الغول وزيرة للتنمية الاجتماعية في حكومة علي أبو الراغب ) 2000 (، واحتفظت بمنصبها بعد التعديل على الحكومة. حكومة فيصل الفايز في العام 2003 ضمت ثلاث وزيرات: علياء بوران وزيرة السياحة والبيئة، أمل فرحان وزيرة الشؤون البلدية والقروية، وأسمى خضر بمنصب وزير دولة والناطق باسم الحكومة.

احتفظت خضر بمنصب الناطق، إضافة إلى حقيبة الثقافة في حكومة عدنان بدران 2005 ، بجانب سهير العلي وزيرة للتخطيط والتعاون الدولي، وناديا السعيد وزيرة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وعلياء بوران وزيرة السياحة والآثار.

ولم تحتفظ أيٌّ من الوزيرات بموقعها في حكومة معروف البخيت 2005 ، باستثناء سهير العلي، التي احتفظت بالوزارة نفسها في حكومة نادر الذهبي عند تشكيلها العام 2007 . حكومة الذهبي ضمت في تشكيلتها أربع سيدات، وهن بالإضافة للعلي: مها الخطيب وزيرة للسياحة والآثار، وهالة لطوف وزيرة للتنمية الاجتماعية، ونانسي باكير وزيرة للثقافة، في نهج واضح للمسيرة الرسمية بتمكين النساء من المواقع المتقدمة.

عدم خروج أي من الوزيرات من التشكيلة الحكومية بعد التعديل الأخير، يؤكد قراراً سياسياً باستمرار هذا النهج.

التقدم الرسمي لم يلغ موروثاً اجتماعياً راسخاً بإقصاء النساء اجتماعياً، انصاعت له النساء أنفسهن، واخترن السباحة مع التيار، وعدم الاعتراض على الفصل في المناسبات الاجتماعية الخاصة والعامة كالأعراس ومجالس العزاء، والجاهات، والصلحات، وعدم الظهور في المقدمة في المشهد الاجتماعي، بحجّة أنهن «نسوان .» مها الخطيب وزيرة السياحة، وبلغة محافظة على عكس الانطباع السائد عنها، ترى أن «التغول على التقاليد، وحركات البطولة عند بعض النساء بالتمرد على ما اعتدنا عليه دفعة واحدة، لا يؤدي إلى تقدير المرأة، الأمور يجب أن تؤخَذ بروية .»

تعتقد الخطيب أن «النظرة للمرأة تتحسن يومياً، لازدياد النماذج النسائية الجيدة، ما دفع الناس إلى تقبُّل دور المرأة »، وتشير إلى أن النظرة للمرأة ترتبط بالشخص المقابل وليس بالمرأة. «ممكن شخص غير متعلم يحترم المرأة ويقدّرها أكثر من آخر يحمل شهادة الدكتوراه .» المرأة «الرسمية » يجري التعامل معها، في المناسبات الاجتماعية، بنظرة جندرية تعيدها إلى مجالس النساء.

موسى شتيوي، مدير المركز الأردني للبحوث الاجتماعية، يعزو ذلك إلى «انغلاق المجتمع وعشائريته، والمعتقدات الدينية الخاطئة، وعدم إثبات المرأة لحضورها بقوة حتى الآن .» يشير شتيوي إلى أن «العاملين على تطبيق السياسات الحكومية تجاه المرأة غير مقتنعين فعلاً بما تهدف إليه هذه السياسات، فالانطباع لديهم أن المرأة أقل كفاءة، وأن تقدمها رسمياً مجاملة .» أستاذ الأديان المقارنة في جامعة آل البيت عامر الحافي، يؤكد أن انتقاص حقوق المرأة والنظرة السلبية لها يعود إلى «فهم وتفسير خاطئ لنصوص دينية، وثقافة اجتماعية متدنية عند بعض رجال الدين، استغلت مفاهيم كبرى للاستقواء على النساء .» الحال لا تختلف عند المسيحية، فكلتا الديانتين )المسيحية والإسلامية( كما يقول الحافي: «في جوهرهما يكرّمان الإنسان »، ما يؤكد أن «الثقافة الشرقية هي التي صاغت النظرة الدونية للمرأة .» هذه العوائق لم تمنع المرأة من اقتحام العمل العام. إضافة إلى اللواتي فزنَ بالتنافس، والبالغ عددهن 21 سيدة، أتاحت الكوتا الممنوحة للنساء بحسب قانون البلديات الأخير، الفوز ل 195 امرأة، في الانتخابات البلدية ) 2007 (،

وعيّنت الحكومة 16 امرأة في المقاعد التي لم تترشح لها أي سيدة. بالنسبة للانتخابات النيابية، كانت البداية مشجعة بانتخاب توجان فيصل لتكون أول نائبة سيدة العام 1993 ، بأداء ملفت وغير تقليدي، وغاب التمثيل النسائي عن المجالس النيابية بعد ذلك إلى أن أُقر نظام الكوتا للمرأة العام 2003 بواقع 6 مقاعد، وفي الانتخابات النيابية الأخيرة العام 2007 ، استطاعت فلك الجمعاني، الباشا المتقاعدة من الخدمات الطبية الملكية، الفوز بمقعد خارج الكوتا، ليرتفع عدد السيدات في المجلس إلى سبع. رغم تفاوت التقييم للتجربة النسائية البرلمانية، إلا أنها حازت رضا عاماً، قياساً مع أداء النواب أنفسهم، وهو ما أظهرته دراسة لمحمد مصالحة، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية، لتقييم أداء المجلس النيابي السابق. يرى النائب السابق مصطفى العماوي، أن وجود المرأة في البرلمان لم يغير الكثير، لكنه «مهم للتغيير في المستقبل »، ويردّ ذلك

إلى اختلاف نظرة المرأة للموقع الذي تشغله.

يقول: «منهن من فرضت نفسها بوصفها نائبة، وأخريات فضّلن أن يجري التعامل معهن بوصفهن نساء .» تقول ريم القاسم، النائبة عن محافظة

الزرقاء: «أقحمت نفسي في الشؤون العشائرية وشاركت في ست جاهات، في البداية كان الأمر ثقيلاً .» تؤكد القاسم أنها لا تقبل «العزلة » على

نفسها، لكن في مناسبات الأعراس ومجالس العزاء لا تستطيع تجاوز خصوصيتها الدينية والاجتماعية. سعد هايل السرور، نائب عن بدو الشمال، يقدم وجهة نظر جدلية في ما يتعلق بتغيير النظرة السلبية الاجتماعية للمرأة، ويضع المسؤولية عليها، يقول السرور: «عليها إقناع المجتمع بأنها تستحق الفرصة للتغيير »، وتجاوز العائق الذي يتمثل بحسب السرور، بتبني المنظمات النسائية خطاباً فحواه أن المرأة مظلومة وتحتاج إلى من يمنحها حقوقها، لا أنها قادرة على التحدي والعمل. رغم الجهود المبذولة من المنظمات النسائية على مدى يزيد على نصف قرن، تعزو سمر حدادين، صحفية متخصصة في قضايا المرأة، عدم إحداث تغيير نوعي في واقع المرأة، إلى أن «هذه المنظمات تستقطب الوجوه النسائية نفسها، وهن لسن المشكلة، فالتغيير يبدأ من الرجال، بخاصة الشباب .» منى الغويري، متقاعدة عسكرية وناشطة حقوقية، استطاعت إقناع عشيرتها )بني حسن( في الزرقاء، أن تمثلها لتكون أول مختارة في الأردن والمنطقة، ولم يثنها عن الاستمرار احتجاج بعض أبناء عشيرتها لدى المحافظ 2004

لتوليها هذا المنصب. الغويري تقوم بمهام المختار جميعها، بما في ذلك المشاركة في الجاهات والعطوات، لكنها تحضر المناسبات الرسمية المسائية بمرافقة أحد أفراد العائلة الذكور. تتعرض المرأة، بالإضافة إلى التهميش والتضييق، إلى خطاب مزدوج يجعلها لا تستطيع تحديد وضعها بدقة، فهي تحصل على فرصة التعليم، لكن العمل شيء آخر، حيث تبرز العوائق والمحاذير، فالأولوية للتدريس، لأنه لا مجال فيه لـ"الاختلاط ". أظهرت إحصائيات المقبولين في الجامعات الأردنية الرسمية لهذا العام، زيادة نسبة الإناث قياساً للذكور، بنسبة 63 في المئة. تمارا، طالبة أدب إنجليزي، شعرت بالإحباط لدى مناقشة فرص العمل في المستقبل مع العائلة. التدريس حاز على الإجماع، فـ الاختلاط فيه أقل .»

عمل المرأة مطلوب، لأن يدرّ دخلاًً، لكنه مشروط. الحديث عن أن عمل المرأة يمنحها استقلالية، غير موجود عملياً في المجتمع الأردني، مقارنة بمجتمعات شمال المتوسط والغرب بعامة. تمحيص ظروف العمل للمرأة يظهر كذلك في المهن الأكثر تحدياً، مثل المحاماة. بحسب

مسح أجراه تجمع لجان المرأة العام الفائت، ظهر أن نسبة المحاميات المسجلات لدى نقابة المحامين للعام 2005 لا يتجاوز 19 في المائة.

نهلة، محامية، قررت ترك المهنة بسبب «النظرة المتخلفة »، تقول: «بعض القضاة كان يحاول الاختصار من أسئلتي في قضايا الجنايات

)الزنا، الاغتصاب، هتك العرض.. وغيرها( لأنه يعتقد أنني قد أتعرض للإحراج، أما زملائي المحامون فيُسمَح لهم بالإسهاب .»

هذا يفسر العدد القليل للمحاميات المتخصصات في قضايا الجنايات، لحساسيتها الاجتماعية، وتوجُّه المحاميات إلى قضايا المدني، الشرعي، أو ترك المهنة بالمطلق، بحسب تهاني، التي نزلت عند رغبة زوجها، وتحولت إلى ربة منزل، لأن عملها «يجيب وجع راس .» المرأة في الأحزاب ليست أفضل حالاً، فقد بلغت نسبة النساء الحزبيات العام الماضي حوالي 7.5 في المئة، بحسب دائرة الإحصاءات العامة. الصحفي جهاد المنسي، يساري سابق، يرى أن عدم تأثير الأحزاب إيجاباً في واقع المرأة سببه «النظرة السلبية للمرأة من حزبيين، ينتمون لأحزاب تقدمية، لكن ممارساتهم تجاه المرأة أبعد ما تكون عن ذلك .» اللجنة الوطنية لشؤون المرأة، سلّمت الحكومة نهاية العام الفائت، وثيقة مطالب النساء لتعديل 12 قانونا، لإزالة التمييز، أبرزها قوانين: العمل، الأحوال الشخصية، الجنسية، العقوبات، زيادة المقاعد النيابية للنساء )كوتا( بما لا يقل عن 20 في المئة، والعقوبات والتقاعدَين المدني والعسكري. التشريع بداية حقيقية وصلبة للإصلاح، وإن كانت نتائجه مؤجلة، ومرهونة بالتمثيل الحر والحقيقي بالبرلمان، فدولة القانون هي المؤهلة لإيجاد بيئة صحية ليس نحو قضايا المرأة فحسب، وإنما للقضايا المختلفة التي يقيدها فكر ضيق منغلق. «مطلوب حماية المرأة أو الحماية منها » لا فرق، كلاهما تبرير رجعي لواقع مظلم تعيشه المرأة الأردنية، وهي تحتفل مرة أخرى بيوم المرأة العالمي في الثامن من آذار.

رغم كل شيء "بيظلن نسوان" تقدم المرأة رسمياً لم يلغ نظرة المجتمع السلبية
 
12-Mar-2009
 
العدد 67