العدد 67 - أردني
 

عطاف الروضان

ردود الفعل على تقارير صحفية، تحدثت الأسبوع الماضي عن وجود نسب إشعاع يورانيوم خطيرة في أحواض المياه الجوفية لا سيما الديسي جنوبي المملكة، تعكس حدّة الانقسام في المجتمع حول دور الهيئات غير الحكومية، وحقها في إجراء دراسات حيوية بعيداً عن رقابة الحكومة.

وانتقل الجدل من ضرورة اعتماد الدقة والشفافية لدى إجراء الدراسات، إلى مطالب حكومية للهيئات الأهلية بعدم إجراء أبحاث دون التنسيق المسبق مع دوائرها. تكشّفت القضية محلياً بعد أن نشرت وكالة «رويترز » تقريراً استند إلى دراسة تعود إلى العام 2004 ، وتشير إلى أن نسبة الإشعاعات في المياه الجوفية تفوق المستوى العالمي 20 ضعفاً. ونقلت «رويترز » عن الدراسة تحذيرها من أن «هذه النسبة تثير مخاوف بخصوص سلامة المياه في أنحاء الشرق الأوسط .»

الدراسة موضع الجدل أعدتها مجموعة من الأكاديميين وخبراء في أربع جامعات هي: القدس المفتوحة (فلسطين)، وبن غوريون (إسرائيل)، والبلقاء التطبيقية (الأردن)، وديوك (الولايات المتحدة). من الأردن شارك في وضع الدراسة كل من رئيس جامعة البقاء التطبيقية عمر الريماوي، المتخصص في الهندسة الجيوفيزيائية، وعبدالله الزعبي، وعماد عكّاوي، وذلك ضمن آليات الترقية إلى الأستاذية داخل الجامعة.

التقرير سلم في حزيران/يونيو الماضي، ونشر في شباط/ فبراير الماضي في دورية العلوم والتكنولوجيا البيئية في جامعة ديوك الأميركية.

المفارقة في تقرير «رويترز »، ظهر في الاقتباس عن أفنير فينجوش، الباحث بجامعة ديوك، وهو الذي قاد فريق العمل، إذ قال: «إنها مياه ينبغي ألا يشربها أحد ». إلا أنه أشار في موقع آخر إلى «أن ارتفاع جودة هذا الماء، هو الذي يجعله مناسباً للشرب »، بحسب «رويترز».

الرد الحكومي جاء عاماً دفاعياً، وانفعالياً، وسارعت الجهات المخولة بمتابعة ملف الديسي، إلى نفي نتائج الدراسة، ما دفع إلى التساؤل: هل المشكلة في إجراء الدراسة دون التنسيق مع الجهات الحكومية، أم في دقة نتائجها؟ أم في الجهات التي أجرتها؟. الأكاديمي إبراهيم بدران، يرفض تقييد عمل الباحثين والأكاديميين. ويستبعد بدران وجود «تقييد للبحث العلمي من حيث المبدأ، وليس مطلوباً من الباحث أخذ الإذن لإجراء أي

دراسة »، طالباً عدم القفز للنتائج. لكنه يطرح سؤالاً يرى أنه أساسي، عن «مدى دقة هذه الدراسة».

يشكك بدران بدقة النتائج بالقول: «لو كانت النسبة صحيحة لكانت منطقة الجنوب كارثية ». وأشار إلى أن الأردن، والسعودية، يستغلان مياه الديسي منذ الثمانينيات. بدران الذي ترأس «هيئة الوقاية من الإشعاع » في الفترة من 1985 - 1990 ، حين شغل منصب الأمين العام لوزارة الطاقة، يؤكد «قدرة المختبرات والمؤسسات لدينا على إجراء التحاليل الدقيقة في هذا المجال ،» وهو ما تؤكده وزارة المياه والري بأن «وكالة الطاقة الذرية تعتمد مختبرات سلطة المياه كمركز إقليمي، كما تعترف بها هيئة الاعتماد البريطانية منذ العام 2005".

يرى بدران أن «اللغط الذي ثار حول الدراسة هو سياسي، أكثر مما هو علمي .» يلتقي معه في هذا الطرح الكاتب الصحفي فهد الخيطان، الذي أعتبر في مقالة له في «العرب اليوم » أن مشروع الديسي تلقى ضربة موجعة » متسائلاً: «عن مبدأ محاسبة المسؤولين »؟ واعتبر الخيطان أيضاً «أن المفاجأة التي صدمت الحكومة والأوساط النقابية المعنية هي الجهات التي تم التعاون معها في الدراسة ». ويتابع الخيطان: «لا يخفى على أحد أن إسرائيل تحاول بكل الوسائل، إعاقة تنفيذ مشاريع حيوية أردنية للحؤول دون امتلاك الأردن لقراره المستقل .»

كما عبر نقيب الجيولوجيين الأردنيين بهجت العدوان، عن استغرابه في رسالة نشرها موقع «عمون » الإلكتروني من إجراء الدراسة مع جهة إقليمية رغم قدرة مختبرات وزارة المياه على إجراء أنواع التحاليل كافة وبمستوى عالمي. وتساءل عن توقيت إعلان الدراسة بالتزامن مع محادثات الحكومة مع الجهات المانحة نهاية آذار/مارس الجاري للشروع في تنفيذ مشروع نقل مياه الديسي، المعلّق منذ سنوات.

وبالفعل، علقت بعض المؤسسات المانحة تمويل المشروع، بانتظار إجابات الأردن عن 18 سؤالاً حول الدراسة، في حين تنتظر وزارة المياه التي أجابت عن الأسئلة، قرار المؤسسات النهائي في الثاني عشر من الجاري. هذه الظروف أربكت مسعى الوزارة وشركة «غاما » التركية المنفذة للمشروع، للحصول على التمويل اللازم في الوقت المحدد. يقول ضابط متقاعد مطل على ملف الديسي، رفض نشر اسمه، إن «حظ المشروع عاثر. فمنذ التخطيط له قبل 20 عاماً تقريباً، ما زال يواجه عراقيل عديدة أهمها إشكالية تمويله ». ويتابع الضابط المتقاعد: «ظهر هناك حديث محدود عن تمويل إيراني ولم يتضح، وأعلنت ليبيا عن استعدادها للتمويل ثم تراجعت عنه، ثم الحديث عن تمويل فرنسي، وبالمحصلة ما زال التمويل إشكالية لهذا المشروع، ظهرت مجدداً إلى السطح كأسوأ نتيجة لإعادة نشر هذه الدراسة .» بحسب المسؤول.

رائد أبو السعود، وزير المياه والري، أوضح في رده على ما تناقلته وسائل إعلام «أن الوزارة/سلطة المياه تبذل أقصى الجهود بالتعاون مع وزارة الصحة، لضمان إيصال مياه آمنة ومطابقة لمواصفة مياه الشرب الأردنية » مؤكداً أن مياه الشرب تخضع لرقابة حثيثة لكافة المعايير بما فيها الإشعاعية .» وأكد مساعد أمين عام سلطة المياه للمختبرات والنوعية زكريا الطراونة: «أن عينات الدراسة هي لمصادر مياه غير مستعملة للشرب »، وأضاف «أن نتائج التحاليل التي أجريت في مختبرات هيئة الطاقة الذرية اللبنانية، أشارت إلى تدني التركيز في مياه الشرب الأردنية، وبخاصة في الجنوب من أية محددات أو تلوثات .» مدير مشروع جر مياه الديسي المهندس عثمان الكردي، قال في تصريحات لوكالة الأنباء الأردنية «إن طبيعة المياه في جميع أنحاء العالم، تشتمل على مكونات من إشعاعات لكنها غير خطرة .»من جهتها أكدت مختبرات جامعة البلقاء التطبيقية، أن التحاليل التي أجريت تؤكد أن مياه الديسي والأحواض المائية الأخرى صالحة للشرب. أمين عام أسبق، طلب عدم نشر اسمه، قال: «إن وزارة المياه تحاول دفن رأسها في الرمال، فلو تم الإطلاع بشكل دقيق على الدراسة، لعرفوا أن نسب الإشعاع تلك من السهل معالجتها، بوضع محطات معالجة على الخط الناقل للمياه من حوض الديسي .»

ويؤكد وزير المياه السابق ظافر العالم، هذا القول، مشدداً على أن «الحل يتطلب جرأة للتحدث بصراحة وشفافية، فالدراسة صحيحة »، مستدركاً بالقول: «إن المياه يمكن معالجتها بطرق بسيطة وغير مكلفة، بل إن وجود الإشعاعات فيها حتى بهذه النسبة أمر عادي .» يستذكر العالم الذي كان وزيراً للمياه آنذاك الإجراءات التي اتخذت بعد الإطلاع على الدراسة العام 2005 ، ويقول: «أرسلت عينات أخذت من آبار الحوض، كانت الوزارة حلّلتها في مختبراتها إلى مختبرات بريطانية، وكندية لمقارنتها، النتائج كانت متقاربة جداً، وأكدت وجود نسبة مواد مشعة عادية .» على إثر هذه النتيجة شكّلت الوزارة لجنة من خمسة متخصصين ضمت أساتذة من جامعات: الأردنية، والعلوم التطبيقية، والبلقاء التطبيقية، ترأسها الوزير ظافر العالم، وردت منظمة الصحة العالمية على مخاطبة اللجنة بالقول: «إن المواصفات المقبولة لمنظمة الصحة لنسبة الإشعاعات في المياه هي ( 0.1) ميلسيفرت/ بالعام mcv/yr (وحدة قياس الإشعاع)، وهي ليست ملزمة، فلكل دولة وضعها الخاص من حيث كميات ونوعية المياه فيها، بالإضافة إلى وضعها الاجتماعي والاقتصادي...الخ، وتسمح بنسبته (0.5) ميلسيفرت .»

بدوره يؤكد وزير المياه الحالي رائد أبو السعود: «أن خليط مجموع الآبار الذي يغذي التجمعات السكانية في مناطق الجنوب هو دون هذا المستوى حيث أشارت النتائج الى أنها (0.3) ميلسفيرت/ بالعام .» يشير ظافر العالم إلى أن نسبة الأشعة في حوض الديسي هي 1 ميلسيفرت، ولكن

«تبادل الأيونات » طريقة مضمونة لخفض نسبة الإشعاع في المياه لأقل من خمسة بالعشرة، بكلفة 15 قرشاً للمتر المكعب الواحد، وتمت التوصية لتضمين ذلك في عطاء الاستثمار في الحوض، للتزود بحاجتنا من المياه منه والبالغة 100 مليون متر مكعب.

هذه الطريقة من شأنها تخفيض النسبة إلى (0.5) ميلسيفرت، «ويمكن أن تنخفض إلى (0.3) ميلسيفرت « ،» لدى خلط المياه المعالجة مع المياه غير المعالجة، تنخفض النسبة إلى النصف، و «من ثم تخلط هذه مع مياه الخزانات في عمان )زارا ماعين، دابوق( لتنخفض النسبة إلى أقل من (0.2) ميلسيفرت، «هذا هو التصور الذي رسمناه في ذلك الوقت، لحل المشكلة وتخفيض الكلفة إلى النصف » يقول العالم.

يوضح العالم أن هذه الطريقة «أشار بها علينا السعوديون، بعد لقاءاتنا المشتركة حول المشروع في شباط « 2007 حل مجرب » والأفضل من خمس طرق للتخلص من/ أو تخفيض الإشعاعات في المياه. يستغرب العالم تحويل الموضوع لاتجاه غير علمي دقيق، وافتراض «نظرية المؤامرة » من أي جانب إقليمي لهذا المشروع، «وخاصة من الجانب السعودي، الذي «أبدى دعمه لنا للحصول على قرض بفائدة 13.5 بالمئة، من الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية في الكويت، باعتبار أن السعودية أكبر عضو فيه، لكن الأمر لم يتم .» ويرى العالم أن «اللي زعل السعودية » طرح بعض الأردنيين المفاوضين معهم، لحسم الخلاف حول التخوف السعودي على فرص استغلالهم لمياه الديسي «أن الأردن تستهلك 100 مليون متر مكعب، وهي نسبة متواضعة، مقابل مليار متر مكعب قيمة الاستهلاك السعودي .» أهمية مشروع جر مياه الديسي تكمن أنه سيضخ 100 مليون متر مكعب من المياه إلى العاصمة عمان، وسيوفر ما يقارب 25 في المئة من حاجة المملكة من مياه الشرب، في محاولة لوقف تدهور الموازنة المائية، وقد تراجع الأردن في العقود الأخيرة إلى ترتيب عالمي متدنٍ من حيث ندرة المياه، إذ بلغت حصة الفرد 130 لترا يوميا، بعد أن كان مطلع القرن الماضي من أغنى دول الإقليم في المياه نسبة إلى عدد السكان آنذاك، كانت حصة الفرد من المياه تقارب 1430 لتراً يومياً.

أصداء تقرير "خطر الإشعاع" في المياه نتائج الدراسة "صحيحة"، المياه مقبولة والضجة سياسية
 
12-Mar-2009
 
العدد 67