العدد 67 - أردني | ||||||||||||||
سعد حتر الدعوة لإحياء مشروع تقسيم المملكة لأقاليم تنموية بعد ثلاث سنوات على تعليقه، فتحت الباب مجددا أمام تفسيرات واجتهادات متعددة بين من يؤيد تقسيم المملكة إلى ثلاثة أقاليم، وبين من يصر على اعتبار المحافظة وحدة تنموية مركزية. في لقائه مع شخصيات وطنية الأسبوع الماضي، أزال الملك عبدالله الثاني الغبار عن ملف «الأقاليم » الرامي لتعزيز اللامركزية في إدارة موارد الدولة، مؤكداً أن مفاصل الدولة «ستستكمل » دراسة المشروع، تمهيداً لاختيار أنسب نموذج. وطلب الملك أن يتعامل الجميع بجديّة مع اللامركزية «حتى نمشي للأمام»، لكنّ الملك ألمح إلى إعادة دراسة الفكرة، ما يشي بوجود خلافات حيالها. أتبع ذلك بزيارة لمجلس الوزراء يوم الأحد الثامن من آذار/مارس الحالي ليؤكد أمامه على «مشروع اللامركزية وإشراك المواطنين في صناعة القرار »، كما حثّ الوزراء على «العمل الميداني »، مُستبعداً وجود «إصباح اقتصادي بدون إصلاح سياسي .» وشدّد الملك على أن «الإصلاح مشروعنا»، في إشارة ضمنية إلى انتشار تكهنات حول ضغوط أميركية محتملة على الأردن تربط المساعدات بالإصلاح. بعد 48 ساعة أطلق الملك مشروع اللامركزية من محافظة مأدبا (وسط) التي تفقد فيها مشاريع تنموية من بينها مدرسة نموذجية مختلطة ومشغل حرفي لشابات منطقة مليح. وأعلن الذهبي أن الحكومة ستباشر في تنفيذ المشروع هذا العام، مؤكداً أنه سيعقد اجتماعاً أواخر آذار/مارس الجاري بمشاركة الفعاليات الرسمية والشعبية في المحافظة. إذاً، ما هي جذور المشروع، وأين تتجه مساراته؟ وكيف تعاملت معه مؤسّسات الدولة منذ ولادة فكرته منتصف العقد الماضي، مروراً بنسج مشروع قانون قبل ثلاث سنوات يرسم مخططاً شمولياً للهيكلية المنشودة، وصولاً لتشكيل لجنة ملكية لوضع خريطة طريق له. وزير التنمية السياسية موسى المعايطة، يقول: إن فكرة الأقاليم تنموية تتضمن تخصيص موازنات لكل محافظة في العام المقبل، على أن يحدّد مجلس استشاري كل منها أولويات الإنفاق بالتنسيق مع الهيئة التنفيذية. ويتحدث المعايطة عن إطلاق دراسة جديدة للخروج بصيغة مشتركة بين مختلف الأفكار ومشاريع القوانين، التي طرحت حول هذا الموضوع. مشروع وزارة الداخلية يقبع في ديوان التشريع. لكن لدى البحث عن نسخ عن توصية اللجنة الملكية، لم يعثر على أي منها لدى الحكومة، فقدّم رئيس مجلس الأعيان ورئيس لجنة الأقاليم زيد الرفاعي نسخته الخاصة، بحسب أحد المسؤولين. ويبدو أن رئيس الوزراء نادر الذهبي، الذي أكد أمام الملك رصد مخصّصات لمشروع الأقاليم في موازنة العام المقبل، اختار طريقاً ثالثة بين المشروعين المتناقضين، إذ طلب من أعوانه صهر مخرجات مشروع قانون وزارة الداخلية مع اجتهادات اللجنة الملكية، وغيرها من الهيئات. لكّن مقاربة الذهبي بدت أقرب إلى مشروع وزير الداخلية الأسبق المستند إلى برنامج تنموي تدريجي يعتمد المحافظة وحدة تنموية شبه مستقلة. تحرك الملك الأخير جاء بعد غداء عمل أواخر العام الماضي في منزل رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة، حسبما يستذكر رئيس الحكومة الأسبق طاهر المصري. بعد أن شرح الرفاعي أمام الملك فكرة «مجالس المحافظات»، توافقت معه آراء ثلاثة رؤساء حكومات سابقين حول أهمية المشروع؛ هم فايز الطراونة، والروابدة، والمصري، فضلاً عن رئيس مجلس النواب عبد الهادي المجالي. أحد الحضور في تلك المأدبة، قال من جانبه إن صاحب الدعوة، الروابدة، أيدّ الفكرة مع «بعض التحفظات » معتبراً أنها نبعت أصلاً منه. بعد أيام نَقل أحد المقربين من الملك استنتاجه: بما أن الشخصيات السياسية التي التقاها «تتوافق لأول مرّة حول مشروع ما، فلا بد أن يكون ذا قيمة ». من هنا جاءت الدعوة الملكية لإعادة دراسة الملف من جديد بعد 15 عاماً من ومضة فكرته في ذهن رئيس الوزراء الأسبق عبدالسلام المجالي، وثلاث سنوات على وضع مشروعين متناقضين حوله: الأول يعتمد المحافظة خلية تنموية بقي في أدراج وزارة الداخلية، والثاني يقسم المملكة إلى ثلاثة أقاليم عدا العاصمة. المصري، لا يحبذ فصل العاصمة عن الأقاليم الثلاثة، وهي التي تشكّل ثلث عدد سكان المملكة المقدر بستة ملايين نسمة وثقلها السياسي والاقتصادي. على أن من فوائد الأقاليم أنها «تشكلاً مدخلاً للتنمية السياسية وتنظيم عمل المحافظات »، بحسب المصري، الذي لفت في المقابل إلى سلبيات «مثل توقع استقطابات جهويه وعشائرية داخل الإقليم، أو بين الأقاليم الثلاثة .» في معرض تقصّيها لمنطلقات فكرة «الأقاليم » واحتمالات تطبيقها، رصدت"السجل" أفكاراً متضاربة لامست حدود تبادل اتهامات بين مسؤولين سابقين معنيين بهذا الملف. فبينما يتفق الجميع على إيجابية تقسيم المملكة إلى وحدات تنموية لإدارة موارد الدولة بطريقة فضلى، يختلف بعضهم في تحديد نواة تلك الوحدة، بين من يفضّل المحافظة ومن يدعو إلى تقسيم المملكة إلى أقاليم تنموية عرضية. على أن الغالبية تستبعد وجود شبهة سياسية ذات صلة بآفاق انضمام الضفة الغربية، كإقليم رابع في حال فشلت محاولة إقامة دولة فلسطينية على الضفة وقطاع غزّة. بعد 44 جلسة وسلسلة نقاشات منذ مطلع 2005 ، أوصت اللجنة الملكية بتجميع محافظات المملكة ضمن ثلاثة أقاليم؛ الأول: اليرموك وقصبته إربد في الشمال. الثاني: رغدان ويضم العاصمة باستثناء أمانة عمان وسائر محافظات الوسط في مقدمتها البلقاء والزرقاء، وأخيراً مؤتة في الجنوب. أوصت اللجنة أيضاً بانتخاب عشرة أعضاء عن كل من المحافظات الأربع، فيما تعين الحكومة عضواً واحداً لكل منها، وبذلك يصبح عدد أعضاء مجلس الإقليم 44 عضواً. وزير الداخلية الأسبق سمير الحباشنة، يعتقد أن تقسيم المملكة إلى أقاليم، طبقاً لتوصية اللجنة الملكية قبل ثلاث سنوات، يحتاج إلى تعديل 200 قانون على الأقل. وبالتالي فهو يفضّل لامركزية «المحافظات .» رئيس الوزراء الأسبق عبدالسلام المجالي، الذي طرح فكرة اللامركزية مطلع العقد الماضي، يرى أنها لازمة لإحداث هجرة معاكسة من العاصمة إلى المدن، القضاء على «مرض الواسطة الشرس »، وتحقيق تنمية سياسية من القاعدة إلى القمّة. في حال تطبيق اللامركزية «على مراحل ،» يتوقع المجالي انتقال 70 ألف موظف على الأقل، أي اثنين من كل عشرة موظفين في الحكومة، إلى مراكز المحافظات التي ستتولى التخطيط الفرعي وتنفيذ مشاريع التنمية. من شأن هذا الحراك العكسي، توفير مئات ملايين الدنانير من الطاقة المهدورة، وإنقاذ عشرات الأرواح التي تزهق على الطرق، في دوامة مراجعة الدوائر الرسمية في عمّان. «يجب أن لا يدخل الوزارات أي مراجع، ذلك أن مهمتها تنحصر في التخطيط والإشراف المركزي، بينما تتولى الدوائر المحلية في المحافظات مهمّة العمل الميداني »، حسبما يشرح المجالي، الذي تولى رئاسة الحكومة مرتين في العقد الماضي، كما أطلق سابقاً إصلاحات واسعة في قطاعات الصحة والتعليم العالي. بموجب مخطط المجالي، تنقسم الإدارة غير المركزية إلى حلقات انتخابية لا تتقاطع، من أصغر وحدة مثل اللواء، مروراً بالمحافظة أو ربما الإقليم، وانتهاء بمظلة الوطن، الذي ينتخب مجلس نوابه - أعلى هيئة تشريعية كل أربع سنوات، تعقد ثلاثة اقتراعات لانتخاب مجلس تشريعي اللواء، المحافظة، والوطن. وعندما «ينضج » ممثل اللواء أو المحافظة بعد انتخابه لعدة دورات، يتأهل لدخول مجلس الأمّة المركزي، المعني برسم ومناقشة سياسات الدولة العليا. مجلس تشريعي اللواء أو المتصرفية يضع خطط التنمية، وله صلاحية فرض بعض الرسوم، يحدد أولويات تنفيذ المشاريع المحلية، ويساهم في رسم ميزانية المحافظة، الحلقة الأوسع، والتي سيكون لها مجلس تنفيذي )حكومة فرعية( برئاسة المحافظ، ممثل الحكومة المركزية. |
|
|||||||||||||