العدد 66 - ثقافي | ||||||||||||||
مراجعة: سوزان وولتر* مر عقدان تقريبا على سقوط جدار برلين، وخلال الفترة تلك، استحوذ على انتباه العلماء والخبراء الإقليميين وخيالهم على مستوى العالم، أسئلة التحرر السياسي والتحول المجتمعي والعدالة في الفترة الانتقالية. في هذا الإطار هنالك اليوم توجّه يضم عددا كبيرا من الأعمال البحثية والصحفية حول آفاق التحرر السياسي في الشرق الأوسط. لأسباب واضحة، كتب أقل من ذلك بكثير حول العدالة في المرحلة الانتقالية في المنطقة، ورغم أن معظم بلدان الشرق الأوسط تمتلك تاريخا من المشاكل الجدّية في مجال حقوق الإنسان، وأن كثيرا من المجتمعات جرّبت بعض أشكال الانفتاح السياسي، فإن ثلاثة بلدان فقط يمكن القول إنها كانت تمتلك تجربة يمكن أن تؤهلها للدراسة في إطار العدالة في المرحلة الانتقالية. المرحلة العراقية لم تكن عملية أصيلة، وميثاق السلم والمصالحة في الجزائر في العام 2006 ، واجه جهودا أرادت منه القيام بدور الحكومة في نشر الخروق خلال عقد من الحرب الأهلية. أما تجربة المغرب في العدالة الانتقالية، فإنها، بالمقارنة، كانت مهمة نسبيا. وقد سيطرت أسئلة عن كيفية مواجهة الماضي على الساحة السياسية المغربية على مدى أكثر من عقد، وحتى الآن، فإن تجربة مراجعة الشكاوى ومعالجتها قد مددت ثلاث مرات. وبحسب تقرير أصدرته لجنة العدالة والمصالحة العام 2005 ، فإن أكثر من عشرة آلاف ضحية، أو ورثتها، تلقت تعويضات عن معاملة سيئة من جانب الحكومة. لأن تسمية المتسببين وتقديمهم للمحاكمة أمر جرى إهماله حتى الآن، فإن التجربة المغربية لا تقارَن من حيث الاتساع بتجارب اعتمدت في بلدان أخرى. مع ذلك، فإنها تقدم أفضل تجربة يمكن من خلالها اقتفاء أثر العدالة الانتقالية في الشرق الأوسط. وقد تمت دراسة أعمال أخرى وتحليلها في المغرب خلال عقود من القمع السياسي، مثل كتاب “السنوات السوداء”، لكن أداء “حقوق الإنسان” يعد فريدا كدراسة لتمثل القمع في المغرب، فهو أيضا أول كتاب مطول يعالج الديناميات الاجتماعية التي أحيت عملية العدالة الانتقالية في المغرب. تهيئ سليموفيتش للمرحلة بمراجعة عقود من السياسة القمعية والمؤسسات التي وفرت السياق القانوني والمادي لها، ونسجاً على منوال الكتابة عن السجون، فإن رسوما أولية وكارتونية ومقابلات وشهادات قد استُخدمت لدعم الكتابة التقريرية التي قدمتها جماعات حقوق الإنسان المحلية والدولية، فهي تدرس الأشكال الفريدة من التعذيب والحرمان وأشكالاً أخرى من الخروقات التي عانت منها جماعات عديدة من السجناء – يساريون ونقابيون وطلبة وصحراويون ونساء وإسلاميون، وأولئك المتورطون في محاولات انقلاب عسكري فاشلة. على أن الكتاب ليس مجرد تجميع لأخطاء صُوبت جزئيا، بل إنه جهد لتوثيق عملية التعافي والجهود المخلصة من جانب المغرب والمجتمع المدني المغربي لمعالجة أخطاء محددة من خلال الإعلان والاحتجاج والأداء. إن الكتاب في واقع الأمر دراسة إثنوغرافية لانفتاح الفضاء العام في المغرب، كما تمت دراسته من خلال أولئك الذين عملوا بجدية لفتح الأبواب الثقيلة الموصدة. إن تحليل سليموفيتش غني بالتفاصيل ومثقل بالنصوص، لكنه لا يتعدى التجربة المغربية المباشرة بربطها بموضوعات مستديمة، مثل البهرجة والأداء في تاريخ أنثروبولوجيا السياسة المغربية أو تطوير العدالة الانتقالية في مناطق أخرى من العالم. وعلى أي حال فإن المؤلفة لا ترسم لوحة حساسة ومتعاطفة مع أولئك الذين عانوا، والآن يتعافون، وتوفر عرضا منهجيا ونوعيا للتجربة السياسية المغربية في القمع السياسي. ولا شك أن خطوة تالية ستكون مهمة في تحليل سياسة العدالة، بما في ذلك مقاومة التغيير والمناورات الخفية التي يقوم بها أولئك الذين أوكلت لهم سلطة معالجة الأخطاء من جانب الحكومة. وأخيرا، فإن استمرار الانفتاح السياسي المغربي لا يعتمد فقط على أولئك الذين دشنوا للإصلاح، بل وعلى استعداد النظام للتسامح مع الانشقاق وعلاقات تحوُّل السلطة. القمع السياسي ظاهرة خفية، من الصعب، وفي العادة من الخطير دراستها في أي طريقة منهجية، فهؤلاء الذين يتقرر قمعهم لا يعاقَبون ببساطة، بل يتم إسكاتهم ومحوهم من المجتمع من خلال النفي والسجن والاغتيال، أو “الاختفاء”. إن القمع يثير الصمت ويستجلب الخوف. لا شك في أن هنالك جانبا تطهيريا في الإدلاء بشهادات علنية، ولكن هنالك أيضا أهمية اجتماعية، ففي استعادة أصواتهم، يهتبل الفرصة أولئك الذين أُبعدوا عمدا عن المجتمع لإعادة توكيد حضورهم وتجربتهم في الذاكرة الجمعية. بالطريقة نفسها، فإن الأعمال العلمية التي توثق لتجربة القمع وتحللها، تؤسس لإمكان درسها وتضمينها تحليلات التقليد السياسي. هذا هو ما تولاّه كتاب سليموفيتش المهم. وسوف يكون ذا فائدة عظيمة أن يقوم علماء مختصون بمحاولة تحديد تجربة الممارسة القمعية في سياق أشمل للسياسة المغربية، مثلما هو كذلك بالنسبة لأولئك الذين يسعون إلى ما هو أكثر من فهم عام لتجربة العدالة الانتقالية عبر الحدود الوطنية والثقافية. * كلية جيرالد آرفورد للسياسة العامة، جامعة ميتشيغان، آن أربور بالتعاون مع: المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط International Journal of Middle East Studies |
|
|||||||||||||