العدد 66 - حريات
 

بثينة جويحات

لدى الأطفال رغبة في التعلّم والاكتشاف والتزود بإجابات عما يدور في أذهانهم من استفسارات. هذا ما يؤكده أستاذ تربية الطفل في الجامعة الأردنية، رمزي هارون، مشيراً إلى أن «على المربين، سواء كانوا الوالدين أو المدرسين، أن يستجيبوا لتلك الرغبة، لأن عدم الاستجابة قد تُدخل الطفل في حالة من عدم التوازن النفسي، وتدفعه للبحث عن إجابات لدى مصادر أخرى، غالباً ما تكون ضارة .»

هارون يقترح على الأسر تزويد الأطفال بالمعرفة أياً كانت تساؤلاتهم، لأن التساؤلات دليل على التفكير، والإجابة عنها تؤدي لحث الطفل على مواصلة التفكير، مؤكداً أن ذلك «يُشعر الطفل بأنه جزء مهم من الأسرة ،» أما إذا كان الطفل ممن يلوذون بالصمت، فإن «على الأهل أن يطلبوا منه التعبير عن رأيه في أي موضوع يخص العائلة، وكذلك أن يسمحوا له باختيار ألعابه وملابسه بنفسه .»الأُسر التي التقتها «السّجل »، أجمعت تقريباً على أنها تضع حدوداً لمعرفة الأطفال، ومصادرها، فضلاً عن فرضها حدوداً على حرية الأطفال في الحياة اليومية.

سحر عماري ) 45 عاماً(، أم لثلاث بنات تتراوح أعمارهن بين 5 و 12 عاماً، تقول إن بناتها بعد إتمامهن الدراسة يومياً، يتجهن لتمضية الوقت في نشاطات فردية، كالقراءة أو مشاهدة برامج التلفزيون أو استعمال الإنترنت، لكنها تؤكد بحزم: «كل ذلك يكون تحت إشرافي، ولا يسمح بذلك لأكثر من التاسعة مساء، أما أيام العطل فيسمح لهن بالسهر لفترة أطول بقليل ». عمّاري تضيف أنها وزوجها يرفضان مبيت البنات عند صديقاتهن، كما يعتذرن عن مبيت الصديقات عندهن في البيت. كذلك، فإنهما يرفضان «خروج البنات للشارع للعب مع بنات الجيران، والذهاب إلى النوادي والأسواق من دون مرافقة أحدنا »، لكن هذه القيود، بحسب عمّاري، لا تمنعها من الإجابة عن «كل الاستفسارات التي أتعرض لها من قبلهن ومن دون أي حرج، وخصوصاً من ابنتي الكبرى .» ناريمان نمر ) 33 عاماً(، أم لثلاثة أطفال يبلغ أكبرهم من العمر 12 عاماً، وأصغرهم

عامين، تضع هي الأخرى شروطاً على مصادر المعلومات التي يتلقاها أبناؤها، مؤكدة أنه «لا يُسمح لهم إلا بمشاهدة أفلام الكرتون وبعض المنوعات وقناة الجزيرة للأطفال ». أما حول الإجابة عن استفساراتهم، بما فيها تلك التي تتعلق بصحتهم الجسدية، فإنه «يتم الإجابة عنها بطريقة مبسطة، بحيث تصل لهم المعلومة بكل سهولة .»

وبينما تؤكد سوسن جمال ) 44 عاماً(، هي الأخرى، على أنها تمنع أولادها الثلاثة ) -10 16 عاماً( «من المبيت عند أصدقائهم ومشاهدة الأفلام والمسلسلات التي لا تناسب أعمارهم واستخدام الإنترنت والكمبيوتر لفترات طويلة »، فإن ابنها «عون 10( » سنوات(، يقول إنه يرغب أن يُتاح له مشاهدة المسلسلات التركية المدبلجة، والمسلسلات السورية، وأن يُسمح له بالتعبير عن رأيه في بعض الأمور التي تهمه وأشقاءه، مشيراً إلى أن أكثر ما يثير عدم رضاه، هو أن والديه يمنعانه من المبيت عند أصدقائه، أو الالتقاء بهم لأكثر من مرة واحدة في الأسبوع، فضلاً عن منعه من اللعب في الشارع. نجوى عمر ) 41 عاماً(، أم لأربعة أطفال تتراوح أعمارهم بين ) 9 - 16 عاماً(، تُظهر تشدداً أكبر تجاه إجابة الطفل عن «الأسئلة الحساسة »، وتبرر ذلك بأنه «يجب مراعاة الحذر في تقديم المعلومات للأطفال كي يتمكنوا من فهمها واستيعابها والتمتع بالوعي تجاهها »، لكنها تشكو من أن ابنها الأصغر «يتحدث بطريقه أكبر من سنه ويرفض النوم بالأوقات المحددة من أجل متابعة برامج تلفزيونية لا تناسب سنه ». أما الابن «فيصل »، فيعترض على أن أمه تقوم بمراقبته باستمرار عند استخدام الإنترنت، أو أثناء متابعة برامج التلفزيون، كما تمنعه من مشاهدة بعض الأفلام والمسلسلات بحجة أنها لا تناسب عمره، حتى إنها تقوم أحياناً بتعنيفه أو حرمانه من «المصروف » لإكراهه على الاستجابة لها، كذلك فإنها تمنعه من إبداء رأيه في مختلف المسائل بحجة أنه يتدخل في ما لا يعنيه، ويتحدث بطريقة أكبر من سنه.

على العكس من ذلك،يتمتع الطفل «سمير 8( » سنوات( بحريات أكبر في مشاهدة التلفزيون، إذ يُسمح له بمشاهدة ما يريد حتى لو كانت أفلام عنف، أو برامج مخصصة للكبار. أمّه هالة عجيلات ) 45 عاماً( تفسّر ذلك بأن ابنها متفوّق جداً في دراسته، ما يدفعها وأبوه لتلبية كثير من رغباته، إلا أنهما برغم ذلك يمنعانه «من الخروج للعب مع الأطفال في الشارع »، أما أسئلته واستفساراته ف « تتم إجابته عنها بما يُناسب سنه .» هذه القيود والحدود التي تفرضها العائلات على أبنائها، «لا تتفق والمواثيق والاستراتيجيات والمعاهدات الدولية التي تؤكد حق الأطفال في العلم والمعرفة »، بحسب ما يقول الكاتب المتخصص بأدب الطفل، محمد جمال عمرو، موضحاً أن ما جاءت به ثورة التكنولوجيا والاتصالات من وسائط معرفية جديدة وأوعية معلوماتية ميسرة، دفع المعنيين بالطفولة إلى «الانتقال من المربع الأول في قضية حق الطفل في المعرفة إلى المربع الثاني، الذي يتعلق بكيفية الإجابة عن تساؤلاتهم .» عمرو يضيف أنه بات ضرورياً تمكين الطفل من مواكبة عصر المعلومات، وتوفير الإجابات والمعارف له، على عكس الشعار الذي تعمل معظم العائلات العربية في إطاره حالياً، ومفاده «تحصين الطفل عبر الحد من استعماله وسائط المعرفة المتطورة .» الموقف ذاته تتبناه كاتبة الأطفال سحر ملص، مشيرة إلى أنه «في عالمنا الحالي ومع التطور السريع الذي نشهده وصعوبة الحياة، لا بد من وضع رؤية كاملة لكيفية مساعدة الطفل على فهم الحياة، كي يكون قادراً على أن يقرر بنفسه ما يريد وأن يميز بين الخطأ والصواب .» رمزي هارون يؤكد من زاوية تربية الطفل، أن فرض الأهل رقابة على أطفالهم أثناء متابعة التلفزيون أو استعمال الإنترنت، هو «سلوك خاطئ لأن هذه الوسائط مصدر أساسي للمعرفة »، مقترحاً «اللجوء إلى مبدأ تدريب الأطفال لمحاكمة ما يتعرضون له من مثيرات، بحيث يصل الطفل إلى مرحلة يستطيع من خلالها التمييز بين ما هو صواب وما هو خطأ، أي إلى الحرية المسؤولة، وذلك عبر قيام الأهل باتباع أسلوب الحوار والمناقشة، لا أسلوب المنع والمراقبة، تجاه ما يتابعه الطفل من برامج وألعاب وإنترنت ،» كذلك فإن عليهم «كسر حواجز الخجل مع

أولادهم، وخصوصاً الأب »، مشيراً في هذا السياق إلى أنه «يمكن للوالدين أن يخصصا ساعة يومياً لمشاركة أطفالهما مشاهدة مسلسل أو ممارسة اللعب .» الأمر لا يبدو مختلفاً عند من حصلوا على خبراتهم التربوية من العمل في الغرب. دلال حامد ) 32 عاماً(، أردنية تعمل أخصائية للإرشاد النفسي في مدينة تولوز الفرنسية، تقول: إن الوسائط المعرفية والأوعية المعلوماتية الحديثة، جعلت المعرفة في متناول شرائح كبيرة من الأطفال، ما جعل ضرورياً «متابعة الأهل لماهية المعرفة التي يحصل عليها أطفالهم »، موضحة أنه يمكن تقسيم الطفولة إلى مرحلتين: الأولى هي مرحلة الطفولة المبكرة )دون الثماني سنوات(، وفيها «لا بد من وجود الأهل إلى جانب الطفل باستمرار عند استخدامه لهذه الوسائط، وذلك من أجل تبسيط وتوضيح المعلومة للطفل، وخصوصاً المعلومات التي تحتوي على العنف والقتل كأخبار الحروب ». المرحلة الثانية، تضيف حامد، تقع ما بين 8- 12 عاماً، وتعتبر بداية مرحلة المراهقة، ومن الصعوبة فيها أن يبقى الأهل إلى جانب الطفل باستمرار، لأن الطفل خلال هذه المرحلة يكون في مرحلة تكوين الشخصية، وتعتبر بداية مرحلة البلوغ مرحلة حساسة وخطرة، تدور في ذهن الطفل خلالها كثير من التساؤلات التي تحتاج إلى إجابات ومعلومات واضحة، فإذا لم يستطع الطفل الحصول عليها من الأهل، فإنه سيتجه للحصول عليها بطرق أخرى »، بما في ذلك من أصدقائه في المدرسة أو من الأشخاص الذين قد يلتقيهم بالصدفة. لذا، تضيف حامد، فإن على الأهل «تحديد مصدر المعلومة للطفل ووضع حدود لحصوله عليها، وفلترتها قبل وصولها إليه، من خلال الاطلاع على ما يقع في يديه من كتب ومجلات .» حق الطفل في المعرفة يبقى مسألة مهمة، لأن الطفل الحرّ هو الذي سيكون في المستقبل مواطناً حرّاً، ما يؤكد أن المسألة تحتاج تركيزاً تربوياً كبيراً حول كيفية إنجازها، بخاصة أن نظرتي الغرب والشرق تجاهها، لا تختلفان كثيراً.

عائلات تفرض قيوداً على مصادر معلومات أطفالها حق الطفل في المعرفة:تدريب على “الحرية المسؤولة”
 
05-Mar-2009
 
العدد 66