العدد 66 - اعلامي
 

جهاد عواد

من رام الله إلى جبل الحسين، ثم إلى منطقة أم الحيران بعمان، سنوات مرت شهدت خلالها إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية التي احتفلت في الأول من آذار الحالي بالذكرى الخمسين لانطلاقتها، محطات صعبة وأخرى شيقة، وتسنمت «ميكرفونها » أجيال مضت، وآخرون ما زالوا يؤدون الرسالة. يمتلك متقدمون في التجربة والسن، ذكريات جميلة مع الإذاعة، فمن خلالها كانوا يستمعون لأخبار العالم، وعبر أثيرها انتظروا ساعات فرج قد تأتي، ومن خلالها استبد بهم الطرب مع سماع سلوى، وتوفيق النمري، وفيروز، وصباح، وأم كلثوم، ووديع الصافي، وعبد الحليم، وعبد الوهاب، وفريد الأطرش وآخرون.

شَكّل الراديو منتصف الخمسينيات وسيلة اتصال وتواصل للمواطن مع محيطه العربي والعالمي، فمن خلال موجاته كان المستمع يتنقل من إذاعة عمان إلى صوت العرب في القاهرة، التي كانت تبث خطابات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر،إلى هيئة الإذاعة البريطانية من لندن، حيث المعلومة الدقيقة، وفق الحاج إسماعيل العواودة، الذي كان يعمل حتى حين معلماً في إحدى مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، والذي ما زال حتى الآن يتدثر في لحافه، وإلى جانبه الراديو يبحث عن أخبار )لندن( لعلها تنبؤه بفرج يلوح في الأفق.

أما الاستماع ل «صوت العرب » في فترة متقطعة من خمسينيات وستينيات القرن الماضي، فكان تهمة تودي بصاحبها إلى غياهب السجون، وذلك في فترة «الحرب العربية الباردة »، والتي كانت تقوم فيها الإذاعة الأردنية بالرد على صوت القاهرة والعكس صحيح، بيد أن ذلك لم يمنع كثيراً من المواطنين من الاستماع إلى خطابات عبد الناصر الحماسية سراً، غير آبهين بما قد يتعرضون له. أما أحمد سعيد، الذي كان ينقل نتائج المعارك بين العرب وإسرائيل العام 67 ، عبر صوت القاهرة، والذي يقارنه البعض بسعيد الصحاف إبان الغزو الأميركي للعراق، بداية القرن الماضي، فقد حظي بشعبية كبيرة، غير أن النتائج التي آلت إليها تلك الحروب أدت بالمواطن العربي والأردني والفلسطيني، على وجه الخصوص،

إلى فقدان ثقته بما يبث عبر إذاعاته، وبالتالي التوجه إلى إذاعة )لندن( والمقصود هنا )بي بي سي( وفق الحاج العواودة ذاته، لأن لديها «المعلومة الصادقة .»

أنشئت الإذاعة الأردنية في الرابع عشر من أيار/مايو العام 1948 حيث قام الموظفون العرب في هيئة الإذاعة التابعة للانتداب البريطاني بالاستيلاء على تلك المحطة، ونقل قسم كبير من معدات الإذاعة من القدس إلى مدينة رام الله حيث بدأت البث فوراً. باتحاد الضفتين الشرقية والغربية في 24 نيسان/أبريل 1950 أصبحت محطة الإذاعة في رام الله تحمل اسم )هيئة إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية( وكانت تبث في

ذلك الوقت 13 ساعة من البرامج يومياً عبر جهاز قوته 20 واط على الموجة المتوسطة. وفي العام 1956 تم افتتاح محطة إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية الجديدة في جبل الحسين بعمان، وافتتحها المغفور له الملك الحسين. في الأول من آذار/ مارس العام 1959 جرى افتتاح مبنى الإذاعة الحالي في أم الحيران، وتم في اليوم نفسه افتتاح محطة الإرسال على طريق ناعور بقوة 100 كيلو واط . وفي الثالث والعشرين من آب/أغسطس 1959 تم افتتاح استوديوهات الإذاعة الجديدة في القدس. كان للجيل الأول بصمات واضحة على الإذاعة، فقد ترك جيل الرواد بصمات إيجابية على مسيرة الإذاعة الأردنية، فكانت أصواتهم مألوفة للمستمعين، وبرامجهم معروفة بمواعيدها، فمن رسائل شوق، إلى ما يطلبه

المستمعون، إلى وصلة فيروزيات الصباحية إلى المسلسل اليومي، من خلال مضافة «أبو محمود » ولاحقاً مضافة «الحاج مازن »، إلى برنامج «معكم في كل مكان » المسائي، إلى ساعة مع أم كلثوم إلى أخبار منتصف الليل، كلها برامج كانت إلى حين رفيقة المستمع وإن اختلفت ميوله ومشاربه الفكرية. يستذكر الإعلامي المخضرم طارق مصاروة، الإذاعة الأردنية قائلاً: «كانت رقم 2 في المنطقة بعد صوت العرب الذي كان يمثل تياراً غالباً آنذاك .» يعتقد مصاروة أن «خراباً » حلّ بالإذاعة في الوقت الحالي، واصفاً ذلك الخراب ب «المرعب »، موضحاً أن الإذاعة كانت العام 1959 تعمل بطاقة 120 موظفاً فقط، والآن فيها آلاف الموظفين دون أن يستطيعوا أن يقدموا ما كان يقدمه الجيل السابق. يرى مصاروة أن تدهور الإذاعة جرى بعد أن ترك إدارتها الشريف عبد الحميد شرف، واعتبر ان الإذاعة الآن عبارة عن تجمع وظيفي وأداة من أدوات النفاق للحكومة. برز من مذيعي الإذاعة خلال الفترات المتلاحقة العديد من الإعلاميين الذين شكّلوا علامات فارقة في الإعلام العربي، مثل: عائشة التيجاني، ابراهيم الذهبي، هند التونسي، محمود الشاهد، نقولا حنا، عمر الخطيب، عبدالرحيم عمر، وعبدالقادر الكردي، إلى نايف أبو عبيد، إلى جميل عازر، إلى سليمان المشيني، وكوثر النشاشيبي، فسلوى حداد، فريال زمخشري، ونبيلة السلاق، وتركي نصار، كلها أسماء كانت معروفة للمستمع. وتعاقب على منصب مدير الإذاعة، منذ تأسيسها، عدد من الشخصيات الأردنية التي تبوأت مناصب عليا في الدولة في ما بعد، وهم: عبد المنعم الرفاعي، ووصفي التل، وصلاح أبو زيد، والشريف عبد الحميد شرف، وأمين أبو الشعر، وسري عويضة، ونزار الرافعي، وعبدالحميد ياسين، وضياء الدين الرفاعي، ومروان دودين، وموسى الكيلاني، ومحمد الخطيب، ونصوح المجالي، وسليمان المشيني، وعصام عريضة، ورافع شاهين، وإبراهيم شاهزادة، وفايز القضاة، وهاشم خريسات، وفريال زمخشري، وعبد الحميد المجالي، وجرير مرقة.

بيد أن التطور التنكولوجي وإنكفاء الإذاعة لاحقاً ما بين محدودية المداخيل وعدم القدرة على ملاحقة التطورات، لغياب الرؤية، أدت لهجرة المستمعين سواء لإذاعات منافسة أو إلى التلفزيون وعالم الفضائيات، فنادراً ما يتم الاستماع حالياً للبرامج الإذاعية أو معرفة مذيعيها. منذ بداية القرن الجاري نافست إذاعات أخرى الإذاعة الأردنية في المنتج، واستقطاب المستمعين. أدى هذا التنافس لتفوق إذاعات خاصة على الإذاعة الأردنية من حيث نسب المشاهدين. تقرير دعم الإعلام الصادر عن منظمة إيريكس العام 2007 أشار إلى أن نسبة الاستماع للإذاعات خلال سبعة أيام وصل إلى 56.9 في المئة، فقد حصدت إذاعة فن أف أم الإذاعة الأولى 32.2 في المئة، إذاعة القرآن 20.8 في المئة، وراديو روتانا 15 في المئة، والإذاعة الأردنية 14.4 في المئة، ومزاج أف أم 7.6 في المئة، وحياة أف أم 5.8 في المئة، وأمن أف أم 4.4 ، وصوت الغد 2.8 ، وميلودي أف أم 2.6 ، والمدينة 1.4 في المئة، والوطن 1.5 في المئة، وعمان نت راديو البلد 0.7 في المئة، وباقي الإذاعات تراوحت في النسبة ذاتها إلى أقل. يعلق مدير عام مؤسسة الإذاعة والتلفزيون جرير مرقة، في وقت سابق على منافسة الإذاعات الخاصة للإذاعة الأردنية بالقول: «الإذاعة الأردنية كانت الإذاعة الوحيدة التي تبث عبر الأثير، فليس لدينا أي مشكلة في مستوى البرنامج العام، فلدينا 66 برنامجاً بين يومي وأسبوعي تتناول القضايا السياسية والثقافية وغيرها، فمن يقوم بهذا العمل من الإذاعات الخاصة؟ »، رافضاً في الوقت عينه، إدراج الإذاعة الأردنية في منافسة مع الإذاعات الخاصة: «هذه الإذاعات زادت من مساحة الاستماع، وأعطت المستمع فرصة للاختيار، ولا اعتبر أن هذه الإذاعات تنافس الإذاعة الأردنية، فلا أحد غيرنا ملتزم بالخطاب الكلي للدولة، بموقفها السياسي والثقافي والاقتصادي .» هذا الكلام يرد عليه إعلامي عمل في الإذاعة الأردنية طلب عدم ذكر اسمه قائلاً: «إذا كنت أنت تلفزيون وإذاعة الدولة ولا أحد يستمع إليك، فأين تكمن الفائدة بك .» مدير البرامج والقائم بأعمال مدير الإذاعة مازن المجالي، يرى في معرض حديثه عن العيد الخمسين للإذاعة للصحف ووكالة «بترا » أن الإذاعة الأردنية تمكنت خلال الفترة الماضية من تعديل وضعها التنافسي مع الإذاعات الخاصة. يقول: «رغم التطورات التكنولوجية وظهور الفضائيات التي أثرت في حجم الاستماع للإذاعات، فقد أشارت الدراسات الاستطلاعية مؤخراً إلى زيادة في نسبة الاستماع للإذاعة الأردنية نتيجة إعادة النظر في آليات تفعيل الإذاعة والاستماع إليها .» يتذكر المجالي انه في العام 1959 كانت ناك أربعة أستوديوهات فقط، ليرتفع العدد الآن إلى سبعة عشر ستوديو متطوراً، إضافة لإدخال نظام الكمبيوتر على جميع الأعمال الإذاعية وأصبحت الإذاعة الأم «إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية » تشتمل اليوم على خمس محطات إذاعية هي: الإذاعة العربية/البرنامج العام، والإذاعة المحلية/عمان FM ، وإذاعة القرآن الكريم، والإذاعة الأجنبية باللغتين الإنجليزية والفرنسية، وجميعها تبث على مدار الساعة، إذاعة إربد المحلية وتبث سبع ساعات يومياً. تعتقد إذاعية عاملة رفضت الإفصاح عن اسمها أن الإذاعة الأردنية «جامدة ولا تراعي التطورات، ولم تستطع الانفتاح على الأجيال الجديدة، من خلال التطور، وإدخال أفكار برامجية يتم من خلالها مراعاة هذا البعد .» وترى أن مجالات التطور هي في استقطاب المستمعين وليس في الحديث عن افتتاح ستديوهات أو نيل جوائز لبرامج وثائقية، يعتبر المجالي )القائم بمهام مدير الإذاعة(، أن هذا الكلام هو «جلد للذات »، مرحباً بكل فكرة «تؤدي في نهاية المطاف إلى التطوير والبناء على ما تم وبما ينفع مسيرة الإذاعة التي استطاعت أن تجد لنفسها مكاناً في الإذاعات العربية.

“هنا عمّان” من رام الله وجبل الحسين أجيال تعاقبت على الإذاعة على مدى نصف قرن والإذاعات الخاصة التحدّي الأبرز أمامها
 
05-Mar-2009
 
العدد 66