العدد 66 - الملف
 

ابراهيم قبيلات

شهد الأردن منذ العام 2004 ، سلسلة عمليات إرهابية نجحت إحداها في إحداث تفجيرات في ثلاثة فنادق أودت بحياة 60 شخصا، خريف 2005 ، كما قتل بريطاني في إحدى الهجمات ضد سيّاح أجانب، فيما أعلنت السلطات أكثر من مرة أنها أحبطت واعتقلت عشرات الأشخاص ضمن جهد استباقي لإجهاض «مؤامرات » إرهابية.

تفجيرات الفنادق الثلاثة شكّلت نقطة تحول في استراتيجية مكافحة الإرهاب، تماهت فيها الجهود الرسمية مع تحصينات القطاع الخاص لاسيما على مداخل الفنادق الفخمة والهيئات الكبرى. قبل تلك التفجيرات بثلاثة أشهر، أطلقت مجموعة عراقية، بحسب نيابة أمن الدولة، صواريخ كاتيوشا صوب طرّاد أميركي

ومستشفى الأميرة هيا العسكري في العقبة. يقول مسؤول سابق مطل على ملف الإرهاب إن ظلال الإرهاب وتهديداته ظلّت تهيمن على السياسة الأمنية، قبل أن يخف الهاجس نسبيا عقب مقتل زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، الأردني أبو مصعب الزرقاوي شمالي بغداد في منتصف 2006 . الزرقاوي، الذي تشرّب أفكاره السلفية المتزمتة من داخل السجون الأردنية خلال العقد الماضي، ظل القاسم المشترك بين معظم المتهمين في قضايا، تصفها السلطات

بأنها إرهابية المقصد والدوافع. في 20 نيسان/أبريل 2004 ، أعلنت دائرة

المخابرات العامة عن إحباط ما كان يمكن أن يكون «أكبر هجومٍ بالأسلحة الكيميائية » بقيادة من وصفته آنذاك ب «الإرهابي أحمد فضيل الخلايلة الملقب أبو مصعب الزرقاوي .» الإعلان عن ذلك المخطط جاء استعراضيا،

إذ ظهر من وصف بأنه مدبّر الهجوم، المبرمج عزمي الجيوسي، على شاشة التلفزيون الرسمي ليروي كيف خطّط للعملية في العراق، وكيف أعطى «يمين الولاء والطاعة للزرقاوي » قبل أن يتسلل إلى المملكة. أعتقل في إطار تلك القضية تسعة أشخاص، تقول النيابة العسكرية إنهم أعضاء في شبكة «كتائب التوحيد »، فيما قتل أربعة آخرون في سلسلة غارات وعمليات دهم شنتها القوات الأمنية ». كذلك ضبطت شاحنات محملة

بنحو 20 طنا «من المتفجرات الكيميائية » كان يمكن أن تفضي إلى مقتل 80« ألف شخص ،» لو قيّض لمخططي الهجوم «الانتحاري » تنفيذه ضد مقر المخابرات، رئاسة الحكومة والسفارة الأميركية. على رأس المتهمين كان الجيوسي الذي اعترف أمام محققي الاستخبارات العامة بأن «الشبكة بقيادة الزرقاوي بدأت التخطيط للعملية في العراق التي كان انتقل إليها من أفغانستان .»

في القضايا كافّة كانت المعلومات تصدر حصرا عن جهات أمنية استجوبت المشتبه بهم المفترضين قبل أن تحيلهم إلى المحكمة. معظم المتهمين أكدوا لاحقا أمام محكمة أمن الدولة أن اعترافاتهم أخذت بالإكراه. تذكّر «كتائب التوحيد »، بسلسلة قضايا متصلّة بالقاعدة من قبيل «جيش محمد ،» «بيعة الإمام » و «الإصلاح والتحدي »، كشفت عنها السلطات في تسعينيات القرن الماضي، عقب عودة مئات «الأفغان العرب » من أفغانستان. خلال العقد الذي سبقه، انخرطت تنظيمات إسلامية سلفية في معارك دامية بدعم أميركي

وتمويل سعودي ضد الجيش السوفييتي، قبل انهياره. كان «الأفغان العرب » وقود الحرب المستعرة هناك. وحين انتهت المعارك عاد معظمهم إلى بلادهم العربية من المغرب إلى البحرين.

العمليات التي نفذتها تلك التيارات كان بعضها تخطيطا فرديا ناجما عن غضب وقهر داخلي لدى أفراد بسطاء، استهدفوا سياحاً أجانب، في رد على حروب إسرائيل على جنوبي لبنان، وآخرها حرب صيف 2006 . وكذلك اجتياحاتها المتكررة للضفة الغربية. أول تلك الأحداث كانت بإطلاق نبيل

جاعورة ) 38 عاما(، النار على سياح غربيين في المدرج الروماني في عمان في الرابع من أيلول/سبتمبر 2006 . ما أدى إلى مقتل بريطاني وجرح ستة أشخاص آخرين. كما أعلنت الشرطة الأردنية في الخامس عشر من آذار/مارس العام 2007 أن أردنيا يبلغ من العمر 34 عاما، أقدم على طعن سائح

ألماني يدعى بريمار فول ) 63 عاما(، بسكين كانت في حوزته، قرب مسجد الحسيني في العاصمة الأردنية.

من بين القضايا الكبرى، محاكمة 28 متهما بالانتماء إلى تنظيم القاعدة وشن «هجمات إرهابية » ضد مواقع استراتيجية خلال احتفالات المملكة بحلول الألفية الثالثة. اشتهرت أيضا قضية «أنصار الإسلام » التي نسبت إلى الملا

كريكار، )قيادي إسلامي مقرب من القاعدة كان يقيم في كردستان شمال العراق(. وفي منتصف 2007 ، اعتقلت السلطات نشطاء إسلاميين قيل إنهم تلقوا أوامر من قيادي من حماس مقيم في دمشق، لتخزين أسلحة وعتاد واستهداف مواقع حساّسة داخل المملكة. يجادل خبراء في التنظيمات الإسلامية

بأن العديد من أتباع التنظيمات المفتر ضة خططوا لاستخدام الأردن، كمنصة انطلاق ضد إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة غربا أو القوات الأميركية المنتشرة في العراق شرقا منذ ربيع 2003 .

في غمرة استهداف سلفيين مفترضين أواخر 2002 ، اجتاحت عشرات المدرعات مدينة معان الجنوبية لقمع أتباع الداعية المحلي محمد شلبي، المدعو أبو سيّاف. آنذاك، أقرّ مسؤولون ضمنا بأن أبا سياف ومناصريه كانوا يعتزمون تأسيس دولة داخل الدولة الأردنية، عبر تخزين أسلحة وعتاد. ثم توالى الإعلان عن إحباط عمليات إرهابية مزعومة واعتقال عشرات المشتبه بهم، ففي آذار/مارس 2006 ، اتهمت السلطات تنظيم القاعدة بمحاولة تنفيذ عملية داخل سجن «السواقة » بهدف «تحرير » سجناء في مقدمتهم الجيوسي.

في السنتين الأخيرتين، انتقل جزء من المعارك والاتهامات بين السلطات والتنظيمات إلى ساحة الإنترنت. إذ نظرت محكمة أمن الدولة في ربيع العام 2007 ، قضية ما يسمّى «الجهاد الإلكتروني »، اتهم بها مراد خالد العصيدة، بإرسال رسائل إلكترونية إلى موقع دائرة المخابرات العامة، زعم فيها أن مقرها «مفخخ وتستهدفه صواريخ موجهة ». تلك الرسالة دفعت الأجهزة إلى إعلان حالة التأهب القصوى حول المبنى.

من تحدي الزرقاوي إلى الإرهاب الإلكتروني
 
05-Mar-2009
 
العدد 66