العدد 66 - اقليمي | ||||||||||||||
معن البياري تبقى العلاقات المتنوعة التفاصيل بين مؤسسات الحكم في بعض البلاد العربية ومعارضاتها مثيرة للدرس والانتباه، ليس فقط لأنها تتنقل بين مواسم شد وجذب وتحسن واضطراب، بل لأن مساراتها تكشف عن رخاوة البنيات العامة للحقل السياسي في هذه البلاد، وانكشافها أمام تأثيرات خارجية وأخرى محلية، لا تتصل بالضرورة بالمواضعات الديمقراطية. من جديد هذه المسألة، ما تم الإعلان عنه في اليمن الأسبوع الماضي، عن توافق حزب المؤتمر الشعبي العام )الحاكم( مع أحزاب المعارضة على التمديد لمجلس النواب الحالي عامين، ما يعني تأجيل الانتخابات التشريعية التي كان مقررا إجراؤها في 27 نيسان/أبريل المقبل إلى العام 2011 ، ليتوافر وقت كاف لإجراء تعديلات دستورية وإصلاحات سياسية تتعلق بالنظام الانتخابي وبصلاحيات البرلمان والنظام العام للحكم المحلي. بموجب ما يجيزه الدستور، أقر مجلس النواب اليمني التأجيل، بأغلبية واسعة، وهو الذي يتألف من 301 مقعد، للمعارضة منها 70 مقعداً، وللحزب الحاكم ومعه أحزاب صغيرة توصف بأنها ملتحقة به، المقاعد الباقية. واللافت أن «المؤتمر » لم يكن يحبذ تأجيل الانتخابات، وكان إلى أسابيع قليلة يصر على تنظيمها في موعدها، وهي التي تجري كل ست سنوات، غير أنه ارتأى التجاوب مع مطلب المعارضة التي ظلت تلح على التأجيل، وعلى المضي في إقرار التعديلات الدستورية والإصلاحات، التي كانت مدار جدالات ومساومات واسعة في البلاد في السنوات الماضية. بل لوّحت أحزاب المعارضة الرئيسية، المؤتلفة في تكتل «اللقاء المشترك »، بمقاطعة الاقتراع الانتخابي إذا ما تم تمسك السلطة بموعد نيسان/أبريل، بدعوى أن الإجراءات التي تهيئ الانتخابات تجعلها «اقتراعاً مزوراً ». وبدا أن تمسك الطرفين بموقفيهما قد يأخذ اليمن إلى تأزمات وسياسية ليست هيّنة، تكون لها تأثيراتها السلبية في العلاقات اليمنية مع الخارج، مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي مثلاً، وهي من الجهات المانحة لليمن والداعمة للتنمية فيه. المعلوم أنه مع تزايد التوترات التي تصاعدت في الشهور الأخيرة بين السلطة والمعارضة في اليمن، ومن أسبابها تشكيلة اللجنة العليا للانتخابات المتهمة من المعارضة بعدم حياديتها، دخلت المفوضية الأوروبية، ومعها المعهد الديمقراطي الأميركي في وساطة بين الجانبين، مالت إلى فكرة تأجيل الانتخابات، وإن رأت عدم إطالة المدة إلى عامين. ومن مقترحات الوسيطين، أن يُعاد تشكيل اللجنة بواقع تمثيل خمسة أعضاء لكل من حزب المؤتمر الشعبي العام وأحزاب المعارضة المنضوية في «اللقاء المشترك »، إلى جانب إقرار مشروع التعديلات على قانون الانتخابات، وتسليم المعارضة قرصا مضغوطا بأسماء المقيدين في السجل الانتخابي وإعادة تقسيم نسب التمثيل في اللجان الإشرافية على الاقتراع الانتخابي بواقع 54 في المئة لحزب المؤتمر و 46 في المئة لتكتل «اللقاء المشترك »، ومراجعة السجلات الانتخابية بما يكفل شفافية استبعاد وشطب المخالفات المتعلقة بقيد الأطفال والمتوفين. والمعلوم أن التكتل المذكور يضم حزب التجمع اليمني للإصلاح )إسلامي : 45 مقعدا( والاشتراكي اليمني ) 7 مقاعد( والتنظيم الوحدوي الناصري ) 3 مقاعد( والبعث )مقعد واحد( واتحاد القوى الشعبية وحزب الحق. ولمّا كانت هذه المقترحات تساعد على تجاوز ما كانت اليمن ماضية إليه من تسخين سياسي، وتأزم غير مستبعد، فإن التوافق على تأجيل الانتخابات عامين توازى مع تفاهمات على إجراء تعديلات دستورية،تقضي بالانتقال من النظام الرئاسي إلى النظام البرلماني، ما يعني توسيعاً لصلاحيات السلطة التشريعية، وكان الرئيس علي عبدالله صالح بادر إلى طرح هذا الأمر في أيلول/سبتمبر الماضي. إلى ذلك، فإن تعديل قانون الانتخابات وتغيير النظام الانتخابي من الدائرة الفردية المغلقة إلى نظام القائمة مع الانتخاب النسبي، قد يساعد في التخفيف من طغيان الطابع القبلي والمناطقي في التصويت. وهناك تعديل قانون السلطة المحلية بالانتقال من مفهوم السلطة المحلية إلى نظام الحكم المحلي، ما يعني تعزيز اللامركزية الإدارية. تتوازى هذه القضايا المطروحة على أجندة الإصلاح في اليمن، مع مطالبات ينشط في الجهر بها مدنيون ومعارضون ومثقفون، منها ما يتعلق بتحييد المال والإعلام والسلطة في الانتخابات، وفضح أساليب التزوير التي يرى الكاتب اليمني فيصل الحذيفي أنها ليست ماركة مسجلة باسم حزب المؤتمر، بل تمارسها معظم الأحزاب، على حد قوله. ويمكن التأشير هنا إلى وجوب ضبط الاتهامات المتبادلة بين طرفي السلطة والمعارضة، التي باتت سمة دائمة الحضور، ويحدث أن تشارك بها رئاسة الحزب الحاكم. وكان من ذلك، مع اشتداد المطالبات بتأجيل الانتخابات، قول رئيس الوزراء محمد علي مجور: إن نتائج الانتخابات المحلية كانت وراء أساليب الابتزاز التي تمارسها أحزاب «اللقاء المشترك » حالياً «خوفاً وهروباً من الهزيمة في الانتخابات النيابية، بعد تراجع ثقة الناخبين بمرشحيها في تلك الانتخابات بشكل كبير جداً ». وزاد مجور إلى قوله هذا بأن هذه الأحزاب «ليست وصية على العملية الديمقراطية، وعليها أن تحترم إرادة الشعب، لأن 84 في المئة من الناخبين اليمنيين غير حزبيين »، على حد قوله. ولأن اليمن بلد مثقل بتحديات هائلة، منها التنموي والاقتصادي والأمني، ولمّا تنته فيه توترات المواجهات الدامية، الهادئة نسبياً حالياً، مع الحوثيين في صعدة، بعد نحو خمس حروب قضى فيها أكثر من ستة آلاف يمني، ويقال إن العدد يصل إلى 12 ألف، عدا آلاف الجرحى والمعتقلين. ولأن البلد شديد التعقيد في تكويناته القبلية، ويعاني من استشراء الفساد، يبدو الهروب إلى تأجيل الانتخابات التشريعية فيه عامين صيغة مريحة، في وسعها أن تُعين اليمن في الانتقال نسبياً إلى هدوء سياسي، قد ينجم عنه تحقيق تطلعات أبنائه ونخبه وأحزابه إلى ما ينشدونها من إصلاحات دستورية وسياسية، بتوافق القوى والتشكيلات السياسية والأهلية فيه، والتقاط جوامع وطنية وسياسية متنوعة المشاغل ما بينهم. |
|
|||||||||||||