العدد 66 - اقليمي
 

سليم القانوني

التجمع الذي شهده شرم الشيخ تحت عنوان «إعمار غزة » الاثنين الماضي، الثاني من آذار/ مارس الجاري، ينسجم مع توجه دولي أوروبي

أولاً و عربياً )خليجياً( ثانياً وأميركياً ثالثاً، وقد جرى إرساؤه منذ نحو 15 عاماً، بتقديم دعم مالي للفلسطينيين وللسلطة. وفي واقع الأمر أن هذا الدعم هو مصدر أساسي للنفقات والرواتب في السلطة، بما في ذلك في قطاع غزة.

مؤتمر المانحين الأخير والموسع ) 70 دولة ومنظمة( عقد في ظرف استثنائي، وذلك بعد التدمير الواسع الذي لحق بقطاع غزة وأزهق أرواح 1300 ضحية من بينهم 412 طفلاً، وتدمير آلاف البيوت، والمرافق، والمتاجر. الإرادة الدولية التي حركت انعقاد لقاء شرم الشيخ، ارتأى أصحابها، التعامل مع ما جرى في القطاع على أنه أشبه بكارثة طبيعية، لا نتيجة لحرب استهدفت كل مظاهر الحياة. لذلك لم تتم إدانة الجهة التي شنت الحرب، ولا تمت دعوتها بأية صور من الصور لأداء تعويضات. وبذلك يتكرس منطق أخرق يفيد بأن من «حق إسرائيل أن تدمر، ومن واجب الآخرين إذا شاءوا إعادة الإعمار .» الأوروبيون سادة العقلانية ومعهم بقية العالم،يرتضون بهذا المنطق وإن على مضض بالنسبة لبعضهم. بهذا تم التحضير للقاء الذي أطلقت القاهرة فكرته، ونجح في جمع تعهدات بدفع مبالغ تتراوح بين ثلاثة وأربعة مليارات ونصف المليار من الدولارات. وهي مبالغ جيدة رقمياً، لكن نقلها إلى حيز التنفيذ سوف يكون تدريجياً وبالأقساط على مدى خمس سنوات. لا يشكل ذلك بحد ذاته عائقاً، فهو مسألة إجرائية. لكن المشكلة في هذا الاجرائي تكمن في عدم تنظيم الأولويات، فقد حل الشتاء على أصحاب البيوت المهدمة وهم يقيمون في خيام. أما العقبات الحقيقية بعدئذ، فتضعها الدولة العبرية التي ترفض بعد 45 يوماً على توقف الحرب إدخال مواد البناء إلى القطاع، وتتحكم في تحديد المواد المسموح دخولها.

ينقل كريستيان فريزر، مراسل «بي بي سي » عن عمّال الإغاثة التابعين لوكالة الغوث )اونروا( إن سلطات الاحتلال تمنع مواد مثل المعكرونة، والعدس، والورق، والكتب المدرسية من دخول المعابر. البيان الختامي للمؤتمر دعا إلى «الفتح الكامل وغير المشروط للمعابر مع القطاع .»

الإسرائيليون لا يجيبون عن هذه المطالب التي يضج بها المجتمع الدولي. بان كي مون، أمين عام الأمم المتحدة، قال في كلمته أمام المؤتمر : «السلع الأساسية لا يمكن نقلها حتى مع فتح المعابر .» سبق لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، أن اشتكت باسم بلادها من عقبات تضعها السلطات الإسرائيلية أمام وصول المساعدات. أمام المؤتمر قالت الوزيرة: «لا يمكن الفصل بين استجابتنا للأزمة في غزة، والجهد الأشمل للتوصل إلى السلام .» وفي واقع الحال إن الإدارة الديمقراطية في واشنطن وضعت نفسها منذ الأيام الأولى لتنصيب أوباما أمام اختبار إحلال سلام جدي، لا الانغماس في عملية سلمية شكلية توفر غطاء للتوسع والعدوانية الإسرائيلية. وقد قام المبعوث جورج ميتشيل بجولتين حتى الآن في المنطقة، وأمامه تحدي تشكيل حكومة أشد يمينية في تل أبيب، وقد تحدث بنفسه عن صعوبات تواجهه في مهمته، وسبق له أن قام بمهمة دبلوماسية في العام 2001 ووضع تقريراً عُرف ب «تقرير ميتشل » أفاد فيه بأن الاستيطان يمثل عقبة أساسية. وبما أن المشكلات تأخذ بخناق بعضها،

فإنه يتعذر أن تتم إعادة إعمار غزة في ظروف عادية وضمن جدول زمني قصير ومناسب، دون الشروع في حل بقية القضايا العالقة. فالولايات المتحدة ومعها الاتحاد الأوروبي، ترفض أن تتولى حماس قوة الأمر الواقع في غزة الإشراف على الإعمار، أو التدخل في مجرياته بأية صورة. فيما الحركة من جانبها تعطي إشرافها على الإعمار أولوية تتقدم على عملية الإعمار ذاتها. هذه العقبات لا سبيل إلى حلها، دون الشروع في عملية سلمية حثيثة وجدية، تضع حداً نهائياً للتطرف الإسرائيلي، وتبطل جهود حماس لوراثة السلطة الفلسطينية والانفراد بهذه السلطة. ويفترض أن تلتزم الإدارة الديمقراطية بمثل هذه الضمانات. وقد سبق لجورج بوش الأب أن حمل تل أبيب في ظل حكومة يمينية برئاسة اسحق شامير، على المشاركة في مؤتمر مدريد العام 1991 ، وعلى الشروع لأول مرة في مفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية. بهذا، فإن إعادة الأعمار في غزة هي أكبر وأعقد من أن تكون عملية تقنية، فهي في الأساس قرار سياسي يتصدى لوضع سياسي، عنوانه حصار قطاع غزة وإغلاق المعابر إليه، وذلك ضمن واقع الاحتلال القائم في عموم الأراضي المحتلة منذ 42 عاماً. والتذرع بوجود حماس لا يفيد، فهذه الحركة صعدت على أنقاض العملية السلمية، التي قوّضها شارون وتلامذته ومشايعوه في تل أبيب وواشنطن منذ مطلع الألفية الثالثة.

لقاء شرم الشيخ لإعادة إعمار غزة: تعهدات صخية واستشراف لأفق سياسي
 
05-Mar-2009
 
العدد 66