العدد 66 - الملف
 

نهاد الجريري

«قف هنا! فقد انتهى دورك وأتى دورنا. لسنين كنتُ أظن أن الهدف من وجودي كطالب هو إنهاء معاملة روتينية تسمى بسلم التعليم، الذي ينتقص من عمرنا سنوات طوالا، فإما أن نكون محظوظين أو لا. وغالبا ما تكون الإجابة بالنفي .» هكذا قدم عيسى العماوي، الذي أنهى التوجيهي للتو، لكتابه الموسوم «قراءات ناقدة للتعليم في الأردن .» يتساءل العماوي في كتابه عن الطريقة التي يتم فيها تعيين المعلمين، والتحقق من مهاراتهم، والطريقة التي توضع بها المناهج، ويلاحظ أننا «في مسيرتنا التربوية، تعودنا على ضرورة حفظ الكتاب فقط. ما لا يعطينا أي وقت أو لحظة تفكير لكي نقرأ المزيد، ونتخرج من المدارس والجامعات لا نعرف من الأصدقاء إلا من أحاط بنا وشاركنا في عيشنا.

وكأننا آلات مبرمجة لوظيفة محددة .» كلمات عيسى تلخص الجوانب المختلفة التي تشكل مجمل العملية التربوية في الأردن على مستوى التعليم المدرسي. كثيرون، وبخاصة من الجيل الجديد، يعتبرون أنهم لم يستفيدوا من المدرسة إلا أنهم تعلموا كيف يقرأون ويحسبون. ولا يتذكرون منها إلا معلما مفضلا، أو «عصا » من أستاذ. فالتلقين والحفظ قصير الأجل، ما زال السمة الأبرز للإنجاز المدرسي. وهو ما يمثل التحدي الأكبر في هذا المجال. فإذا أخذنا التوجيهي بوصفه أهم مرحلة في حياة الطالب ونافذته إلى الحياة العملية، نجد أن الأصوات ما زالت تطالب بإلغائه باعتباره لا يمثل تقييما حقيقيا لمستوى الطالب سوى بمقياس الحفظ. من أعلى هذه الأصوات، ما طرحه وزير التربية والتعليم الأسبق فوزي غرايبة قبل سنوات، الذي اعتبر أن التوجيهي لا يؤهل للحياة الجامعية التي يُفترض فيها أن تقوم على البحث والاستنباط.

الخبير التربوي حسني عايش في كتابه «البقاء في عالم متغير »، يقول: «بما أن الامتحانات المدرسية والعامة تصبح المنهاج الذي يعلمه المعلمون للطلبة، فإن المدرسة لا تلبي ذلك المطلب الملح ولا تواجه التحدي. ومما يُؤسف له فعلاً أنّ طبيعة الامتحانات المعمول بها لا تجعل للمختبرات والمشاغل )التكنولوجيا( قيمة، لأن أحداً لا يستخدمهما في التعليم بسبب سيطرة المتطلبات الورقية على الامتحانات المدرسية، والعامة، وقيامها على قياس قدرة الطلبة على الحفظ والتذكّر، وتعليم المدرسة للامتحان، بدلاً من تعليم التفكير والتدبير والمعرفة .» وفي إطار المناهج وطريقة تدريسها، لا بد من الإشارة إلى مقالة «حادة » كتبها الصحفي جميل النمري في مدونته بتاريخ 2007/1/9 ، تتعلق بمبحث الثقافة العامة للتوجيهي. يقول «إذا لم يكن وزير التربية والتعليم قد اطلع عليه بعد، فإنني أدعوه إلى قراءته لكي يقرر فورا وبلا تأخير حذفه من المقررات .!» ويتابع النمري «لو اتسع المجال، لعرضت هنا فقرات كاملة أنا على يقين أن أستاذ المادة يستحي أمام طلبته وهو يقدمها، لتدني مستواها أو انحرافها عن كل منطق وحس سليمين؛ فهي أحيانا جهالة كاملة، أو ضيق أفق ومحدودية، أو لغو وافتعال معرفة ». ويستغرب النمري كيف أن الفصل الأول من الكتاب المخصص للمعرفة يستشهد بعبارة «إن عقل الكافر هو نصف عقل المؤمن .»

فوزي جرادات، أمين عام وزارة التربية والتعليم، يدافع عن المنهاج، ويقول إنه يعرض للدولة الأردنية والمؤسسات الأردنية، بالإضافة إلى جوانب أخرى تتعلق بالتقنية والعلم والمعرفة المتسارعة التي لا بد منها لتنمية ثقافة الطالب بحيث يوظفها لمصلحته ومصلحة مجتمعه. ويزيد أن بعض الوحدات في الكتاب تنمي لدى الطالب التفكير، المنطق والتأمل، وهو ما يتناسب مع طالب بلغ السابعة عشرة قادر على التفكير المجرد.

يتابع جرادات أن المناهج عامة، وبخاصة الجديدة منها، وضعت بأسلوب علمي منهجي وفق معايير علمية وعالمية تتماشى مع المستويات العمرية للطلبة وقدراتهم في كل مرحلة من الناحية العقلية والجسدية والحسية. ويزيد أن المتفحص في هذه المناهج يلحظ كما من التمارين التي تحفز الطالب على التفكير وإبداء الرأي وتقييم المعلومات. هذا الأسلوب غير دور الطالب والمعلم على حد سواء. «فلم يعد الطالب مجرد مستمع سلبي، بل أصبح فاعلا يقدم ورقة عمل أو يحضر الدرس ويقدمه مع زملائه ويطرح الأسئلة، الأمر الذي ينمي قدرته على الحوار واستنباط الحلول ». أما المعلم فبات يلعب دور المخطط والمعد للدرس بدلا من مجرد تلقينه. وفي هذا الإطار، تلحظ المعلمة آلاء التي تدرس الرياضيات في مدرسة خاصة أن المناهج اختلفت بالفعل. وتقول من تجربتها كطالبة ومعلمة، إن المناهج باتت تنحو أكثر إلى تحفيز الطالب على التفكير والاستنباط، من خلال طرح أسئلة لا تتوافر إجاباتها في المنهاج. كما تشير إلى اشتمال المناهج على معلومات «للفائدة العامة » دون أن تكون مطلوبة في الامتحانات؛ كأن ترد في نهاية درس رياضيات مثلا فقرة عن عالم رياضي أحرز إنجازا في موضوع الدرس. أما في دروس اللغة العربية، فتلحظ الاختلاف في طريقة عرض نشاطات التعبير أو الإنشاء. تقول «في السابق كان يُطلب منا أن نكتب موضوع إنشاء، أما الآن، فتُطرح على الطالب جملة من الأسئلة المتسلسلة التي قد تشكل إجاباتها مجتمعة موضوعا إنشائيا .» مثل هذه المحسنات ما زالت خطوة على طريق طويل نحو مخرجات مدرسية فاعلة وقادرة على مواجهة متطلبات الحياة العلمية والعملية على حد سواء.

التعليم المدرسي: تلقين في زمن التفكير
 
05-Mar-2009
 
العدد 66