العدد 66 - الملف | ||||||||||||||
نهاد الجريري طلع شباط الماضي، نشرت صحيفة الوطن السعودية خبرا مفاده أن وزارة التعليم العالي في الرياض منعت إيفاد طلاب سعوديين للدراسة في الجامعات الأردنية، وقد أثار نشر هذا الخبر عاصفة في الأوساط التعليمية في عمان، فلم يكن ثمة مجال للتغاضي عن دلالات ذلك الخبر الذي استمر تأثيره حتى بعد أن اتضح لاحقا أن المنع اقتصر على تخصصات معينة ترى الرياض أنها أوفدت فيها ما يكفي من البعثات، فقد كان في ذلك الخبر إشارة ضمنية إلى سوية مخرجات التعليم العالي في الأردن. وزاد من وقع الخبر أنه تزامن مع إشارة أخرى إلى أن المملكة فقدت نصيبها مما يطلق عليه اسم «السياحة التعليمية »، التي تشكل 10 في المئة من إجمالي الدخل السياحي في الأردن، أي ما مقداره 161 مليون دينار، وذلك بحسب دراسة أصدرتها دائرة الإحصاءات العامة حول العام الدراسي 2007 - 2008 . قبل هذا التاريخ، وتحديدا، مطلع كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أطلق وليد المعاني، ولم يكن وقتها قد تولى مرة أخرى، حقيبة التعليم العالي، تصريحا شبه فيه واقع الجامعات الأردنية بحالة «مريض حرج ». المعاني، وهو الطبيب الجراح، قال إن الجامعات تعاني من «أمراض متعددة بعضها سهل وبعضها الآخر صعب، وبعضها مضاعفات للمرض نفسه، وتأثيرات جانبية للأدوية التي استخدمت للعلاج »؛ وفي هذا إشارة إلى «تخبط المشرفين على العلاج، وكثرة اجتهاداتهم وتدخلهم في عمل بعضهم بعضا .» المعاني ذهب بهذه المقاربة إلى أبعد من ذلك عندما قال: «إن الجامعات الأردنية ستحصل على صفرين كبيرين يوضعان مقابل اسمها في عمودي براءات الاختراعات المسجلة الأردنية أو أعداد الحاصلين على جوائز نوبل فيها ». ثم صاغ الأمر على النحو الآتي: «لو أننا أحدثنا عمودا لبحوث الدكتوراه المنشورة من قبل طلابنا، فقد تتحسن علاماتنا »، لكنه سرعان ما استدرك قائلاً: «إن المفجع أننا سننال صفرا آخر، وسننال صفرا في نسبة عدد رواد المكتبة من الطلاب، وصفرا في المشاركة الطلابية خلال الدرس، سننال صفرا كبيرا في التجديد في طرائق التدريس، وكأننا لا نريد أن ننفصل عن كتاب القرية لأنه محفور في ذاكرة تريد أن تجر الماضي، ليس على الحاضر فقط بل وعلى المستقبل .» على الأرض، وفي استطلاع سريع أجرته «السّجل » مع بعض طلبة الجامعة الأردنية، تبين أنهم لم يجدوا أن ثمة فرقا بين الطريقة التي يدرسون بها في الجامعة وتلك التي تعودوها أيام الدراسة الثانوية، والتوجيهي تحديدا، مع اختلاف، ربما في ما يتعلق باستخدام المختبر لتخصصات علمية. في مكتبة الجامعة، يطالع الطلاب كراسات، وملخصات المحاضرات أكثر مما يجرون بحوثا محددة. وهنا لا بد من الإشارة إلى المسابقة السنوية التي يجريها مركز الشرق الأوسط للدراسات في عمان لطلبة البحث العلمي. في العام الدراسي 2005 - 2006 ، فاز طالب بالجائرة الأولى عن بحث بعنوان «دور الإعلام في تفعيل المشاركة السياسية لدى الطلبة الأردنيين »، إلا أنه تقرر حجب الجائزتين الثانية والثالثة «بسبب عدم تحقيق الأبحاث الأخرى لشروط المسابقة العلمية .» أما في ما يتعلق بالبحث العلمي من جانب الهيئة التدريسية في الجامعات الأردنية، فبات واضحا القصور في هذا المجال. أمين محمود وزير الثقافة الأسبق، يلحظ أن ما يتم إنفاقه على البحث العلمي، في الدول العربية مجتمعة، أقل 30 مرة مما تنفقه إسرائيل وحدها. محمود، في تفسيره لهذا الأمر، يعتبر أن الباحث الأردني يفتقر إلى «الحافز والدافع الداخلي » لإنجاز أبحاث علمية محكمة. ويلحظ أن الباحث الأردني «يبدع » أثناء وجوده في الجامعات الأجنبية، ولكنه متى عمل في الأردن يتحول اهتمامه إلى «القيم الاستهلاكية، والسعي إلى المال والمنصب الوزاري .» أستاذ القانون في كلية الحقوق بالجامعة الأردنية عبد الناصر الهياجنة، كتب في مقالة منشورة بعنوان «من ينصف أساتذة الجامعات الأردنية؟ »، أن العبء الواقع على الأستاذ الجامعي لا يمكنه من إجراء أي بحث علمي ذي قيمة. ويقول إن «المدرس في الجامعة الأردنية – مثلا- يُطلب منه في كل فصل دراسي إلقاء نحو 150 محاضرة ولطلبة معدل عددهم في الفصل الواحد يراوح بين 40 و 80 طالبا .» علي ياغي، المدير المساعد لمشروع الأمم المتحدة لضمان جودة التعليم العالي، يعتبر أن البحث العلمي في الجامعات الأردنية لم يعد يتجاوز كونه رغبة في الترقي. ويلحظ أن الأبحاث الأردنية «مبعثرة ». ويشرح أن الأستاذ في الجامعات الأجنبية يركز خبرته في موضوع معين، «كتنقية البنزين من الشوائب مثلا »، أما في الأردن فنجد أن أستاذا أجرى بحثا في تنقية البنزين مرة، «وفي الخضار » مرة أخرى، وهكذا. ويزيد أن ثمة جامعات، الخاصة منها تحديدا، تلجأ إلى التحايل على القانون في ما يتعلق بالإنفاق على البحث العلمي، مشيرا إلى أن القانون يجبر الجامعات الخاصة على تخصيص نسبة للبحث العلمي من ميزانية الجامعة. «إلا أنها، باعتبارها مؤسسات ربحية، تحول هذه المبالغ إلى أمور أخرى لا تتعلق بالبحث العلمي، كأن يقيموا مكتبة، علما بان المكتبة تدخل في بند المصادر التعليمية وليس البحث العلمي ». ويروي ياغي أن أستاذا جامعيا حصل على فرصة لإجراء بحث علمي في دولة أوروبية، فلم يكن من الجامعة التي يعمل فيها إلا أن دفعت له 250 يورو فقط لا غير!. التحدي الآخر أمام مؤسسات التعليم العالي في الأردن، يتمثل في استقلالية هذه المؤسسات. وبالعودة إلى مقاربة المعاني لواقع الجامعات الأردنية بحالة الرجل المريض مرضا حرجا، يعيد مظاهر هذا «المرض » إلى «تخبط المشرفين على العلاج، وكثرة اجتهاداتهم وتدخلهم في عمل بعضهم بعضا .» أمين محمود، يعتبر أن مجلس أمناء الجامعة يجب أن يكون صاحب الولاية في اتخاذ القرارات التي تصدر عن الجامعات من دون تدخل من جانب وزارة التعليم العالي. يقول محمود إن الوزارة تمارس «دور التفتيش في العصور الوسطى وتحديدا في الجامعات الخاصة ». أما في الجامعات الرسمية، فإنها تتدخل في تعديل سياسات القبول والكوتا المالية لكل جامعة. وهو ما يعتبره محمود انتقاصا من استقلالية هذه الجامعات. ويؤيد محمود أن تتولى كل جامعة حكومية أو خاصة تحديد معدلات القبول لديها بما يخلق تنافسا بينها على الطلبة من ذوي المعدلات العالية. يُضاف إلى ذلك أن تتمتع الجامعات بحرية وضع امتحان تأهيل للطلبة الراغبين في متابعة دراساتهم الجامعية بشكل جدي. أستاذ جامعي فضل عدم ذكر اسمه رغبة منه في تفادي «نقمة » النواب، اعتبر أن إدارات الجامعات تعاني من «تغول » نيابي وعشائري. ويقول إن رئيس قسم في الجامعات الأردنية بات يرضي نائبا بتعيين قريب له أو ترقيته. وفي جانب آخر يلحظ أن النواب ووجهاء العشائر تدخلوا في تسوية «مشاجرات » وقعت في الجامعات، الأمر الذي فاقم الوضع لما صار يُشار إليه الآن بالعنف الجامعي. أما ما يتعلق بصلب العملية التعليمية، فقد بات واضحا أن ثمة فجوة بين التخصصات التي يتم تدريسها في الجامعات وبين الأعمال والوظائف التي يتولاها خريجو تلك التخصصات. أستاذ علم الاجتماع والخبير في الشؤون التربوية حسن الخزاعي يرى أن مؤسسات التعليم العالي تفتقر إلى وجود دراسات تربط بين حاجة السوق وبين التخصصات التي يتم تدريسها، ويقول إن التخصصات الإنسانية والاجتماعية لا تجد حصة في سوق العمل بالرغم من أنها تشكل 78 في المئة من التخصصات الجامعية. في الإطار نفسه، ينتقد إتخام بعض التخصصات الجديدة بما يشكل تراكما في أعداد الخريجين من ناحية، وفي أعداد الطلبة الذين لا تكاد تستوعبهم الجامعات. يطلق الخزاعي على مثل هذه التخصصات اسم «تخصصات الفزعة » مثل تخصص تقنية المعلومات IT الذي تشمل البطالة فيه 7 آلاف شخص. ويعتبر الخزاعلة أن من التحديات التي تواجه التعليم العالي في الأردن أهمية إشراك الطلبة الجامعيين في أنشطة لامنهجية تفعل دورهم في المجتمع المحلي. ويلحظ أن 7 في المئة فقط من طلبة الجامعات يشاركون في أعمال تطوعية وخدمة المجتمع «بينما البقية ونسبتهم 93 في المئة خاملون ». ويقدر أن 30 في المئة فقط من الطلبة يشاركون في الانتخابات الجامعية، وهذا دليل على عدم اكتراث بالعملية الاجتماعية والسياسية في حرم الجامعة. الخزاعي يستغرب كيف أن جامعات غربية تفرض على طلبتها سنة كاملة من الأعمال التطوعية. لوهلة، قد يبدو حقل التعليم العالي في البلاد قصة نجاح، وذلك إذا ما نظرنا إلى عدد الجامعات وعدد الطلبة المحليين والأجانب الذين يتلقون العلم في جامعاتنا، ولكن نظرة أكثر عمقا تكشف أي تحد كبير علينا أن نواجهه في واحد من أكثر المجالات أهمية. |
|
|||||||||||||