العدد 66 - الملف
 

منصور المعلا

مع أن المطر الغزير الذي شهدته الأيام الأخيرة أنقذت الموسم المطري الحالي، إلا أن الأردن يواجه تحديات مزمنة في قطاع المياه، وهي تحديات ما فتئت تتفاقم منذ عقود في غياب أي آليات عمل واضحة وتخطيط سليم. ويعوق معالجة شح المياه الدائم عوامل إقليمية ودولية، بما فيها الضغوط السياسية وضعف التمويل في بلد تعتمد موازنته، بشكل كبير، على المساعدات الخارجية، فمنذ عقود من التخطيط على الورق ما تزال مشاريع عملاقة قيد التجهيز مع أنها ملحة لردم العجز المائي المتزايد والذي يصل نحو 500 مليون متر مكعب.

ارتفاع مخزون السدود التسعة إلى المنتصف ) 101 مليون من أصل 215 مليون متر مكعب(، عكس قرارا سابقا لوزارة المياه بحظر الزراعات

الصيفية في الأغوار، لكن الواقع المائي في البلاد يبقى عرضه لهزات عنيفة قد تبقي وادي الأردن، سلة المملكة الغذائية، في مهب الجفاف، كما يظل شبح برنامج توزيع المياه مرتين خلال الأسبوع خيارا لا مفر منه. للمفارقة، كان الأردن مطلع القرن الماضي من أغنى دول الإقليم في المياه نسبة إلى عدد السكان آنذاك، حيث كانت حصة الفرد من المياه تقارب 1430 لترا يوميا، لكنه تراجع في العقود الأخيرة إلى أسفل الترتيب العالمي من حيث ندرة المياه وبلغت حصة الفرد 130 لترا يوميا، بسبب عوامل خارجية أهمها قيام دولة إسرائيل العام 1948 .

إطلالة على المشهد المائي في المملكة، تكشف أن شبكة المياه تضم 900 ألف مشترك، في مواجهة محدودية المصادر المائية المتجددة وغير المتجددة، والمقدر أن تبلغ العام 2010 ما يقارب 1150 مليون متر مكعب للاستخدامات كافة، وتقدر أن يحصل قطاع الزراعة على ما نسبته 69 في المئة من مخزون المياه، فيما يذهب 27 في المئة لقطاع الأغراض المنزلية، وتستهلك الصناعة 4في المئة. تتوزع المصادر المائية بين 505 ملايين متر مياه سطحية و 275 مليون متر مياه جوفية متجددة. العام 2010 سيبلغ الطلب على المياه 1564 مليون متر مكعب، أي بعجز يقارب 414 مليون متر مكعب ما يعني تناقص حصة الفرد للاستخدامات كافة من 139 متراً مكعباً العام 2006 إلى أقل من 120 متراً مكعباً العام .2012

ويأتي ازدياد الفجوة بين الطلب والمتاح ضمن بيئة إقليمية غير مستقرة وتحت ضغط الزيادة السكانية والهجرات القسرية، والتوسع في إقامة المشاريع الاقتصادية التي تحتاج إلى موارد مائية. وتبقى نوعية المياه والمحافظة عليها ضمن المواصفات الأردنية مع استنزاف جائر لمصادر

المياه الجوفية، مترافقة مع اهتراء أجزاء كبيرة من الشبكات، والتي تحتاج عملية إعادة تأهيلها إلى ملايين الدنانير، وهو تحد يواجه قطاع

المياه في البلاد.

تحدي تجديد الشبكات سيسهم في الحد من ارتفاع نسب الفاقد من المياه المتاحة بسبب عوامل إدارية وفنية، حيث تم تقليل نسبة الفاقد من 57 بالمائة العام 1999 إلى ما يقارب 44 بالمائة العام 2006 ، بعد اتخاذ عدد من الإجراءات، إلا أن النسبة ما زالت مرتفعة مقارنة مع الهدف المنشود تحقيقه في الأجندة الوطنية البالغة 30 في المئة العام 2012 . في الإطار ذاته، يواجه نهر اليرموك استنزافا جائرا من قبل الجانب السوري، حيث يبين وزير المياه والري رائد أبو السعود أن معدل التدفق في نهر اليرموك في السنوات الأربع الأخيرة تراجع، بشكل كبير، أسفل سد الوحدة وعند نقطة العدسية، حيث بلغت 1071 لترا في الثانية مقابل 4186 لترا في الثانية للفترة نفسها من العام الفائت.

انحسار التدفق في نهر اليرموك، أرجعه الوزير إلى إنشاء الجانب السوري 43 سدا على روافد النهر، في حين أن اجتماعات اللجنة الأردنية السورية حول حوض اليرموك اتفقت أواسط العام الماضي على إجراء دراسة مشتركة حول واقع الحوض، إلا أن الجانب السوري عاد بعد شهرين وأبلغ الجانب الأردني بضرورة إجراء دراسات مستقلة لكل جانب على حدة، وهو ما اعتبره الجانب الأردني تنصلا سوريا من كشف حجم التجاوزات في الجانب السوري. في مواجهة الانحدار ال شديد في الموازنة المائية، يعكف الأردن على وضع خيار التحلية، وخصوصا مشروع ناقل البحرين الذي سيوفر ما يقارب بليون متر مكعب من المياه سيتم تحلية ما يقارب 850 مليون متر مكعب من المياه المحلاة. هذا المشروع يمر الآن بمراحل دراسة الجدوى الاقتصادية والأثر البيئي الذي انطلقت منتصف العام الماضي، التي يتوقع أن تنتهي أواخر العام المقبل ليصار إلى طرح المشروع الذي يعد الخيار الوحيد للتخلص من أزمة المياه.

في الوقت ذاته، تكاد وزارة المياه أن تستكمل تمويل مشروع جر مياه الديسي الذي سيتم أواخر الشهر الجاري، حيث سيتم ضخ 100 مليون متر مكعب من المياه إلى العاصمة عمان. المشروع سيوفر ما يقارب 25 في المئة من حاجة المملكة من مياه الشرب، وذلك في محاولة لوقف تدهور الموازنة المائية. كما يشكل التضارب في مهمات كل من وزارة المياه والري وسلطة المياه وسلطة وادي الأردن أحد أكبر التحديات التي تواجه الوزارة، ففي جانب التخطيط والدراسات وإعداد البرامج الهادفة إلى زيادة كفاءة استخدام المصادر المائية بالإضافة إلى أسس حماية المصادر المائية من التلوث، وضع العام 1992 ، نظام خاص لوزارة المياه مع إبقاء هذه المهمات على عاتق سلطة المياه ما يوجد التضارب والتباين بين عمل الجهتين. وعلى الرغم من أن السلطة تقوم بتطبيق عدد من التشريعات النافذة الهادفة إلى تنظيم أعمالها وتمتع السلطة بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، فإن السلطة تفتقر إلى وجود أنظمة خاصة تحكم هذه الاستقلالية، بالرغم من أحقيتها باستحداث أنظمة خاصة بها استناد إلى المادة 32 من قانون سلطة المياه. اتكاء السلطة على التشريعات النافذة كنظام الخدمة المدنية والأنظمة المالية المتبعة وبعد تفعيل مواد قانونها الخاص، جعلها محكومة بأنظمة وقوانين مالية وإدارية غير مرنة تؤدي إلى إعاقة العمل ولا تضمن استقطاب الكفاءات والخبرات التي تتيح لها إدارة مواردها المالية بطريقة تمكنها من تحقيق برامجها وفق الخطوط والبرامج الزمنية المطلوبة. العام 2001 تم تعديل القانون ليتم السماح للسلطة بمشاركة القطاع الخاص من خلال عقود الإدارة، حيث تم تسليم إدارة المياه في عمان والعقبة إلى شركتين من القطاع الخاص يشرف عليهما هيئة مديرين. يشكل تحدي التمويل أحد أهم العوامل الضاغطة على وزارة المياه، وخصوصا سلطة المياه التي تعتمد في استمرارية عمليات التشغيل والصيانة والاستثمارات الرأسمالية على قدراتها المالية الذاتية ومصادر التمويل الخارجي كمساهمة الحكومة والمانحين والقروض المحلية والدولية، لذلك يعد استرداد الوزارة لتلك الكلف عامل حرج لنجاحها واستمرار عملها. ويحتاج تحقيق الزيادة في نسبة المشمولين بخدمة المياه والصرف الصحي إلى ما يقارب 200 إلى 250 مليون دينار سنويا، خصوصاً في الشبكات ومحطات المعالجة. فيما يبلغ حجم مديونية سلطة المياه ما يقارب 340 مليون دينار العام 2006 وذلك رغم الاعتماد على التمويل الذاتي والمنح الخارجية.

يقابل هذه المديونية تراجع الدعم الحكومي لقطاع المياه خلال الأعوام من 2000 إلى 2005 إلى ما يقارب 70 في المئة مما صعب المهمة أمامها في إنجاز المهمات الموكولة إليها. في المقابل، يشهد رضا المواطنين تراجعا ملموسا، حيث انخفض مؤشر الأداء من 60 في المئة العام 1999 إلى ما دون 55 بالمائة العام 2006 . ومع انحسار الدعم الحكومي تسعى الوزارة إلى رفع ثمن المتر المكعب من المياه، وهو ما يعني أيضا تراجع رضا المواطنين من أداء السلطة.

المياه: تحدي المصادر غير المتجددة، إصلاح الشبكات والتمويل
 
05-Mar-2009
 
العدد 66