العدد 66 - الملف
 

محمد علاونة

سيحول نظامُ للطاقة الشمسية، وآخرُ بوساطة الرياح، منزلَ سعود الشوبكي، إلى شعلة من الضوء. الشوبكي الذي يسكن في «الفجيج ،»

جنوب الأردن، لا يعلم أن منطقته ستكون نقطة انطلاق لمشاريع طاقة شمسية، بعد أن أعلن الاتحاد الأوروبي في الشهر الفائت دعمه لمشروعات إنتاج الطاقة البديلة، بخاصة الشمس والرياح، ومنها مشروع «الفجيج ،» بقيمة عشرة ملايين يورو. الشوبكي الذي يعمل مدرّسا، يقول:

«بالإمكان أن تكون حياتنا اليومية أسهل في ظل صعوبات نواجهها أيام الشتاء مع انقطاع التيار الكهربائي. لذلك، بعد أن يُنفَّذ المشروع، سيكون بالإمكان توسيع المدارس المقامة، وإنشاء أخرى جديدة .» وهو يعتقد أن المشروع لن يرى النور، بخاصة في منطقة تعاني من فقر مدقع.

«هنالك أولويات، وسمعنا كثيرا عن مشاريع لخفض معدلات الفقر والبطالة، لكن شيئا لم يحدث بعد »، يقول. لا يعلم الشوبكي أيضاً أن الحكومة تنوي طرح دعوة لاستقبال رسائل اهتمام لمشروع توليد الطاقة الكهربائية من الرياح في منطقته التي تقع على بعد 10 أميال شمال شرق مدينة الشوبك. الحكومة، بحسب ما أعلنت، ستنفذ محطات لتوليد الكهرباء بوساطة طاقة الرياح في 11 منطقة في المملكة، انسجاما مع خطتها لزيادة مساهمة الطاقة المتجددة إلى 10 في المئة في خليط الطاقة الكلي بحلول العام 2020 ، حيث ستكون المحطة الأولى في منطقة الفجيج.

دراسة أعدتها وزارة الطاقة والثروة المعدنية خلصت إلى أن عدد الأيام الشمسية في الأردن 316 يوما بالسنة، وذلك بمعدل 8ساعات سطوع للشمس في اليوم، إضافة إلى أن السماء في الأردن نموذج للسماء الصافية، وزاوية ارتفاع الشمس تصل إلى 83 درجة صيفاً. نسبة سطوع الشمس في الأردن، بخاصة في فصل الشتاء، تتناسب أيضا مع استخدام الطاقة البديلة، كون الخلايا الشمسية، بحسب الدراسة، تخزّن الطاقة في الوحدات المخصصة للتخزين، فإن ظهرت الشمس على الأقل لمدة 2 إلى 3 ساعات، فإنها ستكون كافية لإنارة الطريق في الليل. طبيعة المناخ

الأردني مناسبة جدا لاستخدام الطاقة البديلة، كون فصل الصيف يستمر لفترات طويلة، أما فصل الشتاء فتسطع فيه الشمس في معظم الأيام، وهكذا يتم تخزين الطاقة في الخلايا الشمسية.

في الأردن، البلد الذي يعاني من شح في الموارد الطبيعية وتحديدا النفط، قد تكون الطاقة البديلة خيارا مثاليا لمواجهة الاعتماد -وبنسبة 95 في المئة- على ما يُستورد من مشتقات نفطية من الخارج، جزء كبير منها يُستهلَك في الإنارة والتدفئة، بحسب خبير الطاقة أحمد السعدي. كما أن 60 في المئة من الصناعات الوطنية تعتمد في انتاجها على الديزل، بينما تعتمد 40 في المئة منها على الوقود الثقيل، في الوقت الذي يستنزف فيه قطاع النقل نحو 37 في المئة من فاتورة النفط الاجمالية. السعدي يرى أن الاقتصاد الأردني تأثر بالتطورات التي يشهدها سوق الطاقة العالمي، وما يترتب على ذلك من أعباء اقتصادية ناتجة عن الاستيراد لمصادر الطاقة بقيمة تزيد على ملياري دولار سنويا. لتشجيع المشاريع في الطاقة المتجددة، هنالك مشروع قانون خاص للطاقة المتجددة لم يُقر بعد، يعفي مشاريع الطاقة المتجددة من 75 في المئة من ضريبة الدخل لمدة 10 سنوات، وتسهيل بناء الشراكات الحكومية مع القطاع الخاص، أو استثمارات القطاع الخاص الهادفة إلى تحقيق العائد المالي من خلال إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة، وبيعها إلى الشبكة الوطنية للكهرباء. الأردن يعدّ من الدول التي نجحت، إلى جانب تركيا وإسرائيل، في تفعيل استخدام الطاقة الشمسية، وتصنيع وإنتاج وتطوير السخانات الشمسية، التي تصل نسبة استخدامها إلى 40 في المئة من مجموع البيوت السكنية، ويركَّب فيها سنوياً زهاء 15 ألف جهاز وفقاً لدائرة الإحصاءات العامة، إضافة إلى استخدامها في المستشفيات والمدارس والفنادق، وفي تطبيقات صناعية وخدمية وزراعية عديدة، حيث يتم تركيب السخان الشمسي الذي يتناسب مع جميع التطبيقات على اختلاف أحجامها، بوصفه نظاما مستقلا ودائما، أو بوصفه نظاما مساعدا لأنظمة التدفئة المركزية وأنظمة تسخين المياه. منزل الشوبكي واحدٌ من نحو 90 ألف منزل في محافظة معان التي تتبعها قريته يمكن أن تتمتع بعجائب الكهرباء، وذلك بفضل المشروع المنوى تنفيذه. دراسة حديثة أعدتها شركة «إيه تي كيرني » العالمية عن الأردن، أظهرت أن الاعتماد الكبير على الطاقة المستوردة، إلى جانب افتقار الأردن إلى مصادر الطاقة الرئيسية ومصادر الطاقة الكهربائية تحديداً، يهدّد نمو ثرواته.

كما هي الحال في العديد من الدول الشرق أوسطية الأخرى، فإن النموَّين السكاني والاقتصادي في الأردن يؤديان إلى الارتفاع المستمر في الطلب على الطاقة والكهرباء؛ حيث يزيد مجمل كميات الطاقة المستوردة على ما نسبته 95 في المئة، بتكلفة تقدّر بنسبة 20 في المئة من مجموع الناتج المحلي الإجمالي للأردن. خلال السنوات الأخيرة، شهد الطلب على الطاقة في الأردن نمواً يفوق 5 في المئة سنوياً، كما نما الطلب على الطاقة الكهربائية أكثر من 7 في المئة، وهو تطور يستدعي اهتماماً مُلحّاً، بحسب الدراسة التي ترى سوءَ تقدير لحجم قدرة التوليد الكهربائية الإضافية المطلوبة للشرق الأوسط، مما يمكن أن يهدد النمو الاقتصادي لدول المنطقة. الاستراتيجية الوطنية للطاقة في الأردن التي أعدّتها اللجنة الملكية للطاقة، ترى من الضرورة توسيع الحصة السوقية للطاقة المتجددة من ما نسبته 1 في المئة في العام 2007 إلى أكثر من 10 في المئة العام 2020 . الطاقة النظيفة حققت نمواً مع تطور التكنولوجيا الخاصة بها، بحسب تقرير صادر عن البنك الدولي في نهاية العام الماضي بيّن أن الاستثمارات العالمية في تكنولوجيا الطاقة المتجددة وصلت إلى 38 بليون دولار العام 2005 . وفي العام الماضي، ازداد نمو استخدام طاقة الرياح على مستوى العالم بنسبة 20 في المائة، والطاقة الشمسية بنسبة 40 في المائة. لكن السعدي يرى أن استخدام بدائل للطاقة، مثل الشمس والرياح في الأردن، ما زال في بداياته، رغم وجود أبحاث كثيرة في هذا المجال، فهنالك عوائق التمويل والحاجة الماسة لتوفير مساحات شاسعة من الأراضي. رغم ذلك، يقول: «هنالك اهتمام واضح من وزارة الطاقة والجمعية العلمية الملكية في هذا المجال .»

في شمال المملكة محطتان للرياح، الأولى تعمل منذ العام 1988 في منطقة الإبراهيمية، جرف الدراويش، حيث تضم أربع مراوح بقدرة 320 كيلو واط، والأخرى تقع في منطقة حوفا وتضم خمس مراوح بقدرة 1.125 ميجاواط. ومن أبرز المناطق الواعدة لتوليد الكهرباء بوساطة طاقة الرياح وبشكل تجاري في المملكة: مناطق حراج الكمشة في محافظة جرش، والحرير في محافظة الطفيلة، ومنطقة قطر في وادي عربة.

القدرة التنافسية لتكنولوجيا الطاقة البديلة التي زاد اهتمام العالم بها يحكمها أيضا العرض والطلب على النفط وتجاذبات الأسعار، وهو ما بينته وكالة الطاقة الدولية التي شرحت في بيان لها في شباط/فبراير الفائت أن التباطؤ الاقتصادي وانهيار أسعار النفط في الفترة الأخيرة يبطئ الاستثمار في إنتاج الطاقة البديلة المطلوبة لتخليص العالم من الاعتماد على النفط والغاز. تقول الوكالة إن الانخفاض الحاد في سوق النفط الذي دفع الأسعار للنزول بأكثر من 70 في المئة عن ذروتها البالغة 150 دولارا للبرميل العام الفائت، يبطئ كذلك عملية البحث عن مصادر جديدة للنفط بعد استنفاد الحقول القائمة. التحديات التي يواجهها الأردن بما يتعلق بالفاتورة النفطية، تستدعي من الحكومات أن تكون أكثر جدّية في تنفيذ الدراسات المتراكمة في مجالات الطاقة المتجددة، والإسراع بإخراج قانون الطاقة المتجددة إلى النور.

الطاقة المتجددة في الأردن: توافر للإمكانات وبطء في التنفيذ
 
05-Mar-2009
 
العدد 66