العدد 66 - الملف
 

السجل - خاص

نادرا ما يطرح موضوع النمو الاقتصادي في الأردن من دون أن تثار قضية المساعدات والقروض التي يحصل عليها من الخارج. ومن المفهوم أن يأتي هذا الطرح في سياق سلبي، فمن المعروف أن الاكتفاء الذاتي وتقليص حجم المساعدات الخارجية هو الطريق السليم الذي يجب أن نسلكه إذا كان تحقيق الاستقلال الاقتصادي، وتخليص البلاد من أية أعباء أو اشتراطات قد تترتب على هذه المساعدات هو الهدف النهائي للتخطيط الاقتصادي.

قد يكون مفهوما أن الأردن يحتاج إلى المساعدات الخارجية وأن اعتماد الأردن على المساعدات ليس بدعة اقتصادية، فهو بلد يفتقر إلى وجود ثروات طبيعية، كما أنه يفتقر إلى المياه والطاقة، والأراضي الزراعية من مساحته لا تتعدى 12 في المئة، وما تبقى منها هو منطقة قاحلة صعبة، ومعروف أنه لكي يكون هناك ازدهار اقتصادي، فلا بد من توافر الطاقة والمياه على الأقل. وقد يكون مفهوما أيضا أن الأردن ليس استثناء في اعتماده على المساعدات، فهنالك بلدان عديدة تتمتع بثروات طبيعية وبشرية وتكنولوجية كبيرة، ومع ذلك فإنها تحصل على مساعدات خارجية، ومنها مصر وإسرائيل.

غير أن المساعدات ليست هبات تعطى مجانا ومن دون مقابل، وحين يتعلق الأمر بالأردن، الذي يقع في منطقة تتميز بعدم الاستقرار السياسي والأمني، فإن جزءا مهما من المساعدات يقدم له تقديرا لدوره السياسي الذي يقوم به في المنطقة، أي أنها تقدم له في إطار المساعدات التي تقدم للدول المعتدلة في المنطقة. ولأنها تأتي على هذه الخلفية إن منحها يأتي في بعض الأحيان مشفوعا باشتراطات معينة، كأن يشترط استخدام المساعدات في عمليات إصلاح سياسي داخلي وتوسيع لهامش الحريات وتنفيذ برامج إصلاح اجتماعي معينة.

لكنها قد تأتي أيضا في إطار ضغوط سياسية يطلب فيها المانحون من الأردن اتخاذ مواقف سياسية قد لا يكون موافقا عليها، وفي هذا الإطار يمكن أن نفهم عدم حضور الأردن قمتي دمشق في العام الماضي والدوحة في مطلع العام الجاري على سبيل المثال، فقد امتنع الأردن عن حضور القمتين في إطار هذه الضغوط. وقد تتحول الضغوط في مرحلة ما إلى نوع من الابتزاز السياسي، مثلما حدث حين امتنع الأردن عن المشاركة في قوات التحالف التي هاجمت العراق عام 1991 ، فقد أدى رفض الأردن للمشاركة في تلك الحرب إلى فرض عقوبات على المملكة وإلى حصار عانى منه ميناء العقبة، وتعسف في تطبيق قرار الحظر الدولي المفروض أصلا على العراق لاجتياحه الكويت في صيف العام 1990 ، ما ألحق ضررا كبيرا باقتصاد المملكة، لم يخرج منه إلا مع بوادر عملية السلام التي أسفرت عن توقيع اتفاقية وادي عربة مع إسرائيل عام 1994 . وثمة جانب سلبي آخر لاعتماد الأردن على المساعدات، التي كثيرا ما يربط بينها وبين الفساد. والفساد المطروح هنا، ليس الفساد المالي فقط، على ما فيه من خطورة، بل يمتد إلى الأسس التي تقوم عليها أركان الدولة الحديثة. وفيما يتعلق بالفساد المالي، فإنه يحدث حيثما قلت الشفافية وانعدمت الرقابة على الأموال التي تمنح بوصفها مساعدات. وإن كانت جهات مانحة أساسية مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان، وهذه أكبر الجهات المانحة للمساعدات للأردن، تعرف تماما كيف تشرف على أوجه إنفاق المساعدات التي تقدمها بحيث لا يشوبها فساد كبير كالذي كثيرا ما يرتبط بها، فإن هنالك مساعدات تأتي من جهات أخرى، وبخاصة المساعدات العربية والخليجية، التي تأتي من دول لا تتمتع بما تتمتع به البلدان المذكورة من أنظمة رقابية صارمة، ما يؤدي إلى غياب أو تغييب للرقابة ونقص في الشفافية، وهذا ما يساعد على حدوث حالات فساد تصبح حديث المجتمع، وربما وصل الأمر إلى نشرها في وسائل الإعلام.

غير أن الفساد الاجتماعي والسياسي هو الأكثر خطورة في هذا المجال، فعلى خلفية المساعدات التي تغيب عنها الرقابة وتنقصها الشفافية تتوافر لدى المسؤولين في الدولة أموال يتم إنفاقها على شراء الولاءات السياسية من جانب بعض أجهزة الدولة، ما يحول ولاء بعض الفئات المشمولة بهذا النوع من الفساد إلى المال الآتي وليس إلى الوطن. ومن خلال أموال المساعدات غير المراقبة تنمو وتزدهر سياسة الاسترضاء؛ استرضاء “المتنفذين” من زعماء العشائر وزعامات محلية صغيرة ونواب وأعيان ومسؤولين سابقين ومسؤولين حاليين، وغيرهم من الفئات التي تنظر إلى المجتمع من زاوية مصلحتها الخاصة وليس مصلحة الوطن، وهو ما أقام حواجز كبيرة أمام أي تطور حقيقي للبلاد في اتجاه إقامة دولة القانون القائمة على مبدأ المواطنة. إن سياسة الاسترضاء وشراء الولاءات، هو في أحد أشكاله حرف للمساعدات التي تصل البلاد عن الهدف منها، فإن كان الهدف من المساعدات هو المساهمة في إقامة دولة حديثة أساسها المواطنة، فإن أموال المساعدات المصروفة في أوجه غير أوجهها الحقيقية تحول الدولة إلى وكالة للتوظيف القائم على التمييز والمحاباة، ويمتد الخراب بعد ذلك إلى مجالات وحقول أخرى مثل القضاء والتعليم والصحة والخدمات العامة.

قد لا يكون الأردن قادرا، في الوقت الحالي، على الاستغناء عن المساعدات الخارجية، ولكن هذا الهدف يجب أن يكون على رأس قائمة الأهداف المنشودة من التنمية الاقتصادية، فهي أساس الإصلاح السياسي، مثلما هي أساس الاستقلال الوطني والاقتصادي.

الاستغناء عن المساعدات استحقاق لا مفر منه
 
05-Mar-2009
 
العدد 66