العدد 66 - الملف | ||||||||||||||
حسين أبو رمان فوضى في المسميات، توظيف في خدمة مواقف مسبقة، استحضار «لنظرية المؤامرة »، كل هذا موجود في بعض الاستخدامات لمصطلحي «الخيار الأردني » و «الوطن البديل »، وهما من المصطلحات الأكثر تداولاً في الحياة السياسية الأردنية. الاقتراب أكثر من دلالات الأشياء، يملي، بداية، توضيح أن استخدام مصطلح «الخيار الأردني » لم يعد ملائماً أبداً، لأنه يستعمل راهناً في غير مكانه، بينما كان له معنى محدد في السياق التاريخي لتطور الصراع العربي الإسرائيلي، إذ كان هناك خيار أردني بالفعل، خيار يريده الأردن ويسعى لتأمين فرص تحقيقه بالاستناد إلى قراري مجلس الأمن 242 و 338 ، لكن هذا أصبح من الماضي منذ صدور قرار فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الفلسطينية المحتلة، في 30 تموز/يوليو 1988 . تتفق عبلة أبو علبة، عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الديمقراطي الأردني )حشد( مع هذا الرأي من حيث أن الخيار الأردني «ليس مطروحاً من جانب إسرائيل كمشروع سياسي له آلياته .» أما موضوع الوطن البديل فهو أكثر إشكالية، وليس له المفهوم نفسه لدى الفاعلين السياسيين، إذ إنه يراوح بين مشروع صهيوني يقوم على فكرة التهجير القسري للفلسطينيين باتجاه الأردن، وبين اعتبار أن تصفية حق العودة للاجئين الفلسطينيين في الأردن يكرسه وطناً بديلاً لهم. الوطن البديل، بحسب فارس بريزات، الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية، هو تهجير الفلسطينيين من أرض فلسطين التاريخية سواء من أراضي 1948 أو الضفة الغربية أو قطاع غزة إلى الأردن، بحيث يتحول إلى وطن بديل من وطنهم الأصلي. الإسرائيليون من جهتهم يروجون ل «الترانسفير » ويجدون له المبررات، لكن أكثر مواقفهم دلالة هو قول رئيس وزراء إسرائيل السابق آريئيل شارون: «الأردن هو فلسطين »، ما يعني أساساً إسقاط حق العودة للاجئين المقيمين في الأردن، ورفض حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرض وطنه، باعتبار أن الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية وقطاع غزة هم مجرد سكان. كثيرون في الأردن يعتقدون أن مؤامرة الوطن البديل التي تقترن بفكرة «الترانسفير » تمثل خطراً قائماً، لكن الفاعلين السياسيين منقسمون حول درجة خطورة هذا المشروع، فيما تتحدد التباينات أكثر عندما يتعلق الأمر بكيفية مواجهته. قبل حوالي أسبوعين، رفض الملك عبدالله الثاني في لقاء له مع عدد من الشخصيات العامة في الديوان الملكي ) 16 / 2(، أي تخوف مما يسمى الخيار الأردني، أو أي كلام عن الوطن البديل، أو عن دور أردني في الأراضي الفلسطينية، غير الدور الداعم للأشقاء في سعيهم لإقامة دولتهم على ترابهم الوطني. فهو أكد أنه «متفائل جداً على مستقبل بلدنا، ومش خايف من المؤمرات »، مشدداً على أن «التخوف هو من الشكوك داخل المجتمع الأردني، هذا هو الذي يخيفنا أكثر من أي شأن ثان .» الباحث السياسي بريزات، يعتبر أن مشروع الوطن البديل يمثل خطراً قائماً، منطلقاً من أن له جذوره التاريخية ولن يتلاشى من الذاكرة الجمعية، ويتعزز بتبني أحزاب إسرائيلية متطرفة في الحكومة أو خارجها للتوجه بتفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها، مستشهداً بنتائج انتخابات الكنيست الأخيرة التي أفرزت أغلبية نيابية من اليمين واليمين المتطرف. لكن بريزات يستدرك أن القضية مختلفة على أرض الواقع، إذ توجد معاهدة سلام مع الأردن لن تسمح بالتهجير القسري للفلسطينيين. وليس هناك أفق لترجمة هذا الخطر إلى وقائع على الأرض في الظروف السياسية الراهنة، لا سيما أن الفلسطينيين لا يبدون أي ميل إلى ترك أراضيهم برغم كل قسوة الاحتلال وبشاعته. علاوة على أنه «لم يتطور موقف دولة لدى المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية في اعتماد استراتيجية التهجير القسري، وذلك لأن تحقيق ذلك في الواقع مسألة صعبة جداً .» ويتفق الإعلامي ياسر أبو هلالة مع بريزات على أن الوطن البديل يمثل خطراً حقيقياً وتحدياً مباشراً، منطلقاً من أن لدى الإسرائيليين تصورات جاهزة قديمة وتظهر بين فترة وأخرى ولها صدى في دوائر أميركية وغربية، مشدداً على أن رئيس وزراء إسرائيل الأسبق بنيامين نتانياهو، المرشح حالياً لتشكيل الحكومة الأكثر يمينية، لم يتنكر لماضيه المتطرف برغم براغماتيته. لكن أبو هلالة يستدرك قائلاً: «مع ذلك، فإن الدبابات الإسرائيلية لن تدخل إلى الأردن لقلب الحكم وإقامة الوطن البديل .» في مقابل ذلك، هنالك مقاربات مختلفة، تنطلق في تشخيصها للوضع أساساً، من مواقف الطرفين الأردني والفلسطيني. فالقيادية في «حشد »، أبو علبة تقول «لا يوجد مشروع سياسي اسمه الوطن البديل ،» مستندة في ذلك إلى أن الفلسطينيين والأردنيين يتمسكون بحق العودة للاجئين الفلسطينيين في الأردن، سواء على صعيد الموقف الشعبي، أو على صعيد الموقف الرسمي، ممثلاً بخطاب الدولة الأردنية وخطاب منظمة التحرير الفلسطينية. وتضيف أبو علبة، تأكيداً على رؤيتها بأن كل القوى الوطنية الأردنية تتمسك أيضاً بالسيادة الوطنية الأردنية والحفاظ عليها، مستخلصة بأن الخشية المشروعة هي أن لا يقصد بالتذكير بمخاطر الوطن البديل التصدي لهذه المخاطر، بقدر الترويج لقضايا تكتيكية محلية. وحول انعكاسات موضوع الوطن البديل محلياً، تشير أبو علبة إلى أن هنالك صراع نخب، يتجلى في وجود اتجاه يرى أن الوضع الديموغرافي الحالي في الأردن هو بمثابة وطن بديل، ويحرص هذا الاتجاه على الانتقاص من حقوق المواطنة، ويقابل هؤلاء دعاة الحقوق المنقوصة، معتبرة أن هذا الصراع لا يمت بصلة لقضايا الناس، لافتة إلى استخدام الوطن البديلة بوصفه بعبعاً لإدامة الانفراد بالقرار وتعطيل الإصلاح. على صعيد آخر، ليست مفهومة المبالغة في إظهار «التطّير » أمام مواقف معادية، سواء كانت إسرائيلية أو غربية، حينما تروج لمواقف نرفضها. «ليضبط الخائفون أطرافهم من الارتجاف، فالأردن قوي بنفسه وبأصدقائه وبقوى الخير في العالم، وربما هو أقوى من إسرائيل وكل حلفائها »، كتب فالح الطويل في الرأي ) 10 / 1(، تعليقاً على ردود فعل محلية كهذه أظهرت فزعها من مقالة السفير الأميركي السابق في الأمم المتحدة جون بولتون في صحيفة واشنطن بوست تحت عنوان «خيار الدول الثلاث »، الذي يزّين فيه عودة الضفة الغربية، وفق صيغة معينة، للسيادة الأردنية، وعودة قطاع غزة للسيادة المصرية، بديلاً لحل الدولتين. ويضيف الطويل، الدبلوماسي السابق، مشيراً لمقالة بولتون، «فيهتز له مثقفونا كما لو كان إعلان حرب من البيت الأبيض علينا .» ويتساءل «أكان يجب أن نعلن حالة طوارئ؟!! هل إذا ظهر مقال معاد في جريدة بعيدة لا ينام بعض الناس عندنا. أي أناس هؤلاء!! » وفي مسعى لوضع الأمور في نصابها، يقول المحامي سفيان عبيدات إن إسرائيل كيان لا يمكن الوثوق به، «لكن الخطر الحقيقي هو غياب المشاركة في الحكم على صعيد القسم الأكبر من المواطنين »، مشيراً إلى أن الوضع الديمغرافي موضوع مقلق بكل تأكيد بالنسبة لإسرائيل، «لكن كيف يمكن أن نتصدى للترانسفير، هل بالفساد وغياب الديمقراطية؟ » يشدد عبيدات على أن الأردن في حاجة إلى إصلاح، لكن ضمن منظور يختلف عمن يفكرون بنظام المحاصصة، فالأساس الذي يجب أن نحتكم إليه هو الدستور وقانون انتخاب يؤمن تمثيلاً رفيع المستوى، وكلما وفرت العملية الانتخابية للمواطنين انتخاب ممثلين مقْنعين يحققون لهم المُثل التي يتطلعون إليها، فإن هذا يضعف الانكفاء في إطار الهويات الفرعية، التي لا تعد العنصر المقرر في خيارات الناس. ويرى عبيدات أنه إذا كان هناك قلق حقيقي من الترانسفير، فإنه يجب طرح ذلك للحوار العام. لكن للأسف، فإنه يتم تحاشي فتح هذا الملف بسبب القيود على حرية الرأي، وبذريعة حساسية الموقف، مستخلصاً أنه إذا كانت هناك مخاطر فعلية، فمن باب أولى تحصين الجبهة الداخلية، وهذا يتم بالعدالة وسيادة القانون، مذكراً بنموذج انهيار الدولة العراقية عند أول مواجهة مع الاحتلال بسبب هشاشة الجبهة الداخلية. ويعتقد أبو هلالة أن مواجهة مخاطر الوطن البديل، يستلزم إنجاز إصلاح سياسي حقيقي ينتج مجلس نواب يعبر عن الناس من حيث أنه يوفر تمثيلاً حقيقياً لهم، لا أن يبقى هيئة على هامش الحكومات، ويتطلب من ناحية ثانية دمج الفلسطينيين في الحياة السياسية. لكن أبو هلالة يعتقد أن هناك إشكالية تتعلق بالهوية الأردنية، فهو يتساءل: «هل يمكن أن تكون الهوية الأردنية هوية مفتوحة للأجيال القادمة بما لا يمس حق العودة أو يخرج الفلسطينيين من الصراع العربي الإسرائيلي؟ .» إن الخطر الحقيقي الذي يواجه كل المنطقة هو الإمعان في تجاهل حق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير. وبالتالي فإن مواجهة هذا الخطر، يتطلب التمسك بحق العودة للاجئين، ومزيداً من الجهد لدعم الأشقاء الفلسطينيين في كفاحهم لدحر الاحتلال وإقامة دولتهم المستقلة على أرض وطنهم. وفي نهاية الأمر، فإن للأردن، وطناً وشعباً، احتياجات من أجل تطوره ومواكبة التقدم في الإقليم والعالم، وهذا ما لا يمكن تحقيقه دون التقدم على طريق الإصلاح السياسي المتكامل بكل متطلباته؛ على صعيد المواطنة، وعلى صعيد التشريعات الناظمة للحياة السياسية الديمقراطية، بهذا نكرس الأردن دولة قانون ومؤسسات. إن التصدي للمخاطر الخارجية بنجاح، يصبح ممكناً أكثر كلما كان الأردن أكثر قوة بوحدة جبهته الداخلية. |
|
|||||||||||||