العدد 66 - الملف
 

السجل - خاص

واجهت عملية الإصلاح السياسي في الفترة الماضية استعصاء غير عادي، إذ تراجع ملف الإصلاح إلى الخلف في الأجندة الحكومية، حتى إن قانون الانتخاب الذي يشكل حجر الأساس في العملية الديمقراطية لم يحظ بأية إشارة في البيان الوزاري، رغم أن هذا القانون الذي صدر العام 2001 ، ما زال مؤقتاً، وأجريت على أساسه انتخابات مجلسي النواب الرابع عشر )السابق( والخامس عشر )الحالي(. كما أن قوانين مثل قانون الجمعيات الجديد، وقانون الاجتماعات العامة، حتى بعد التعديل الشكلي الذي أجري عليهما، يثيران ليس فقط قلق المجتمع السياسي والمدني في الأردن، بل كذلك منظمات مجتمع مدني دولية تعنى بحقوق الإنسان.

وعلى خلفية إدراك أن تحقيق خطوة نوعية في ملف الإصلاح السياسي يحتاج إلى توافق وطني رسمي وأهلي، التقت نخبة من الفعاليات العامة المستنيرة من رجال دولة سابقين وشخصيات سياسية وحزبية وإعلامية من بينها الناشط السياسي موسى المعايطة، الذي أصبح وزيراً للتنمية السياسية في التعديل الحكومي الأخير، وسعت خلال سلسلة من اللقاءات الحوارية إلى بلورة مرتكزات واقعية لإصلاح سياسي تدريجي وآمن لا يشكل قفزة غير محسوبة النتائج، ويتفق في الوقت نفسه مع المصالح الوطنية الجامعة دون إثارة قلق أي من مكونات المجتمع الأردني، باعتبار أن التقدم على هذه الطريق يشكل ضرورة قصوى لتطوير الديمقراطية وتحديث البنى السياسية للدولة الأردنية وتكريس استقرار وطني حقيقي.

هذه اللقاءات خلصت إلى أن تجاوز الإشكاليات الأساسية التي تعيق عملية التحول الديمقراطي، يحتاج إلى تحقيق انفتاح سياسي جوهري. وقدّرت أنه بالرغم مما يمكن أن يشتمل عليه ذلك من مخاطر، فإن الانغلاق السياسي، وتجاهل تطلعات الناس لبناء دولة قانون والمؤسسات، ينطوي على مخاطر أكبر، لأنه قد يؤدي إلى اختلالات اجتماعية مكلفة.

وشخّصت هذه الحوارات أبرز العقبات التي تواجه الإصلاح السياسي، وفي مقدمتها إشكالية التكوين الديموغرافي للمجتمع الأردني وارتباط هذا التكوين بحل القضية الفلسطينية، ووجود مخططات إسرائيلية ترمي إلى تصفية القضية الفلسطينية من خلال النظر إلى تمتع الثقل الفلسطيني الموجود في الأردن بحقوق المواطنة يؤهل البلاد لأن تكون «وطناً بديلاً » للفلسطينيين. ومن هذه العقبات، غياب التوازن في الحياة الحزبية في المملكة، إذ لا وجود لأحزاب سياسية كبيرة ومؤثرة، باستثناء حزب جبهة العمل الإسلامي، الذي يتخوف البعض من عدم التزامه بالعملية الديمقراطية في ضوء تجارب إسلاميين سابقة، إضافة إلى اقتران مصطلح الإصلاح السياسي ببعض المفاهيم الخاطئة، مثل تفكيك الدولة وإعادة تركيبها، وبعض السياسات غير الشعبية التي قامت بها اتجاهات نافذة في الدولة الأردنية، وصفت بأنها تعمل بناءً على أجندات وأهداف خارجية، وظهرت كأنها حامية مشروع الإصلاح أو وكيلته في الأردن. وارتأت هذه الفعاليات العامة أن أهمية الإصلاح تكمن في بناء دولة القانون التي تحقق المساواة والعدالة بين جميع المواطنين، وتنهي الفساد والمحسوبية والواسطة أو أي أشكال أخرى من الممارسات التي قد تولد إحساسا بالظلم وعدم المساواة بين المواطنين. فضلاً عن تقليص الفجوة بين الدولة والمجتمع عن طريق توسيع مشاركة المجتمع في إدارة أمور الدولة وتمكينه من تجديد النخب السياسية ومراقبتها ومحاسبتها.

كما تتجلى أهمية الإصلاح في استكمال مشروع بناء الدولة الوطنية الحديثة والذي لا يمكن نجاحه دون تحديث آليات العمل السياسي وطرق إنتاج النخب السياسية، وفيتعزيز الجبهة الداخلية في مواجهة أي أخطار خارجية قد تواجه الدولة الأردنية.وحدّدت الحوارات المشار إليها أسساً لتحقيق ما اعتبرته إصلاحاً آمناً ومقبولاً، من خلال البحث عن حلول سياسية وعملية لتجاوز الإشكاليات والعقبات التي عطّلت عملية الإصلاح: ويأتي في مقدمة هذه الأسس الالتزام بالثوابت الوطنية الأساسية وعدم المساس بها )الدستور، مؤسسة العرش، الأردن وطن لجميع أبنائه(. وشددت هذه الشخصيات على أن عملية الانفتاح والإصلاح تستهدف الإصلاح السياسي بحد ذاته، وذلك من أجل تحديث آليات إدارة الحكم والارتقاء بمستوى ونوعية النخب السياسية الممثلة وإعادة الاعتبار لقيم العمل الجماعي المؤسسي والذي يحترم الدستور ويضع المصلحة الوطنية في الأولوية، مستخلصة أنه يجب إلغاء أي تصورات أو انطباعات أخرى تولدت نتيجة الأخطاء التي مورست في الفترة السابقة، والتي بدا معها وكأن هدف عملية الإصلاح هي استبدال فئة معينة بفئة أخرى )حرس قديم وجديد(، أو إعادة ترتيب الوضع السياسي في الأردن على أسس تعتمد سياسة المحاصصة، أو تفكيك الدولة وإعادة تركيبها من أجل خدمة بعض الدوائر والجهات الخارجية.

وتوقفت هذه الحوارات أمام حقيقة أن هناك فئة واسعة من المواطنين تعود أصولها إلى الشعب الفلسطيني الشقيق الذي تعترف له الشرعية الدولية بحقه في تقرير المصير على تراب وطنه في دولة وطنية مستقلة، وبحق اللاجئين من أبنائه في العودة والتعويض. واعتبرت هذه اللقاءات أن من أسس الإصلاح انخراط هؤلاء المواطنين في العمل السياسي الوطني العام، ما يتطلب دمج التمسك بحق العودة للاجئين وبحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني في برامج المؤسسات الأردنية على المستويين الرسمي والشعبي، أي على مستوى الحكومة والبرلمان والأحزاب والمجتمع المدني باعتبارها قضايا وطنية أردنية، لأنها تمثل حقوقاً لمواطنين أردنيين.

وتوافقت هذه الفعاليات السياسية على اعتبار أن من أسس الإصلاح رفض مشروع «الوطن البديل »، وهو ما يمثل مصلحة مشتركة للشعبين الأردني والفلسطيني، وبخاصة، أن هناك أوساطاً إسرائيلية ما زالت ترفض قبول «حل الدولتين » وتروج لمشروع الوطن البديل الذي يلقى قبولاً لدى بعض الدوائر الغربية. ومن أجل مجابهة هذا المشروع، دعت هذه الحوارات إلى اتفاق أردني فلسطيني على المستويين الرسمي والشعبي، يؤكد أن الحل الوحيد المقبول هو قيام الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره وإقامة دولته الوطنية المستقلة على الأرض الفلسطينية وعاصمتها القدس، وأن أي علاقة مستقبلية بين الشعبين الأردني والفلسطيني يجب أن يتم بحثها بين الدولتين الوطنيتين للشعبين، وهذا يعني أنه لا يجب إجراء أي ترتيبات أو اتفاقات تخص مستقبل العلاقة بين الشعبين قبل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، كما لا يجب التنازل عن حق العودة والتعويض

للاجئين الفلسطينيين. وشدّدت هذه اللقاءات على الحفاظ على الشخصية الوطنية للدولة الأردنية ونظامها السياسي، وعلى أن أي تطور في العملية

الديمقراطية يجب أن يكون تدريجياً ولا يؤثر على حق العودة للاجئين الفلسطينيين، واعتبرت ذلك من أسس الإصلاح المنشود، نافية بأنه يمكن بناء ديمقراطية حقيقية بدون تعددية سياسية، من منطلق أن الأطر والأشكال الحديثة لتحقيق ذلك هي الأحزاب السياسية التي تمثل البديل «العصري »

لأشكال التمثيل القائمة حالياً، والتي تؤدي إلى تقوية الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية الجامعة. كما أن تسييس الانتماءات الفرعية

الاجتماعية )العشيرة، المنطقة، الطائفة( يلحق أذى بهيبة الدولة الأردنية، وبقدرتها على تطبيق القانون، ويجعل من الانتماء العشائري أو الجهوي أو الطائفي بديلاً للانتماء والولاء للوطن ومؤسساته الدستورية، ويعيق التطور الديمقراطي، ويضعف وحدة نسيج المجتمع الأردني.

ورأت هذه المناقشات أن الإطار العام للإصلاح السياسي يتطلب توافر إرادة حقيقية لدى أصحاب القرار بضرورة البدء بعملية الإصلاح، توفير مناخ سياسي إيجابي يعكس قناعة الدولة بالإصلاح السياسي، وبأن المدخل لإصلاح سياسي حقيقي هو اعتماد قانون انتخاب يراعي مختلف الاعتبارات التي ذكرت سابقاً ويساعد على تطوير نوعية العمل البرلماني وتحسينه في آن واحد، ويحقق جملة من الأهداف، ومن بينها: تطوير الحياة السياسية وبناء أحزاب وطنية فعّالة، توفير مصلحة لدى المرشحين للتلاقي في قوائم وطنية، توفير آلية مناسبة لتمويل الأحزاب التي سوف تنشأ عبر الانتخابات. هذا فضلاً عن إعادة الاعتبار إلى أشكال العمل الجماعي في النشاط السياسي والذي يقدم مصالح الوطن والأفكار والبرامج على المصالح والطموحات الشخصية، ويساعد على تحقيق وحدة وطنية قائمة على أساس مفهوم المواطنة والولاء والانتماء للوطن كبديل للولاءات الفرعية )العشائرية، العائلية، الطائفية والجهوية ...(، ويحسن أيضاً نسبة التمثيل للمواطنين الأردنيين من أصل فلسطيني داخل مجلس النواب، ويراعي في الوقت نفسه المحافظة على الشخصية الوطنية للدولة الأردنية وعدم التنازل عن حق العودة للاجئين، بحيث لا يكون هنالك مجال لإسرائيل أو أي جهة أخرى للإدعاء بأن الأردن وطن بديل للفلسطينيين. ودعت هذه الشخصيات إلى اعتماد الشكل الذي يتلاءم مع الوضع الأردني من أنظمة الانتخاب التي تجمع بين النسبية والانتخاب الفردي للمناطق، ودمقرطة تشريعات الحياة العامة وفي مقدمتها قانون المطبوعات

والنشر، قانون الأحزاب، قانون الاجتماعات العامة، وقانون الجمعيات، وغيرها من الإصلاحات ذات الصلة بمجلس النواب وتفعيل الحياة النيابية.

الإصلاح السياسي ملف ساخن على أجندة فعاليات وطينة
 
05-Mar-2009
 
العدد 66