العدد 66 - الملف
 

فارس بريزات

يرتكز الأمن الاستراتيجي في بعده الداخلي على قوة الدولة وقدرتها على فرض القانون على الجميع بالتساوي. ويشمل هذا الإطار ضمان المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين. الثقة العامة في مؤسسات الدولة جيدة، ولكنها تتعرض لتجاوزات تسهم في ضعضعة هذه الثقة. أبرز هذه التجاوزات تقديم الهوية الفرعية بتفرعاتها المختلفة؛ عشائرية، قبلية، عائلية، إثنية، طائفية، دينية على المعايير المدنية التي تشكل أساساً لبناء الهوية الوطنية الجمعية. المعايير المدنية، أي غير البدائية، ترتكز على الكفاءة والقدرة والتأهيل للقيام بالواجبات والحصول على الحقوق، وفي التعيين في القطاعين العام والخاص. تجاوز هذه المعايير، في المحصلة، يكون على حساب الهوية المدنية للمواطنين، وبالتالي يقع الضرر على الجميع نظراً لتقديم هوية فرعية على حساب الهوية المدنية. الإشكالية الأساسية في نمو الهوية الفرعية هي تحولها إلى هوية سياسية واقتصادية. عندما تكون الهوية الفرعية هي أساس العمل السياسي لفئة من المواطنين ويقدمونها على مواطنتهم تتحول هذه الفئة إلى العمل من داخل الدولة على تقويض

أسس المواطنة فيها، ربما عن غير قصد، ولكن النتائج لا ترتبط بالضرورة بالنيات. الخطر الكامن في هذا السلوك هو أن نجاح بعض الفئات في تعظيم امتيازاتها بسبب الانتماء العشائري أو الجهوي أو الإقليمي أو الديني أو الطائفي على حساب الآخرين، تعطي نموذجاً للآخرين لسلوك الطريق نفسه، وبهذا تصبح الهوية الفرعية مصدراً لتحقيق مصالح اقتصادية من خلال التوظيف السياسي لها ولمتعلقاتها.

وهذا يعني أن كل مواطن، من حيث المبدأ، عرضة لهضم الحق، لأن لكل مواطن هوية فرعية، ولأن المعايير التي تطبق تصبح مختلفة عند تطبيقها من شخص لآخر ومن وقت لآخر. الهوية الفرعية التي لا تستطيع التعبير عن نفسها سياسياً واقتصادياً تشعر بعدم المساواة، لأن أداة القياس هي نجاح هويات فرعية أخرى في التعبير عن نفسها سياسياً واقتصادياً. ويأتي كل هذا على حساب العدالة بين المواطنين. الأصل أن تكافؤ الفرص بين المواطنين مضمون بالقانون والممارسة، ولكن هنالك من يعتقد أن هذا المبدأ غير مطبق في الأردن، وأن الهويات الفرعية من أسباب عدم تطبيقه. المساواة في العبء تعني كذلك المساواة في الفرص. ولكن عدم المساواة في الفرص والمساواة في العبء يخلق إحساسا غير إيجابي تجاه مكونات المجتمع والدولة. ولهذا نتائج غير إيجابية على الهوية الوطنية المدنية التي نصبو للوصول إليها.

في المجتمع الأردني هناك علاقة مباشرة بين نمو وتقديم الهوية الفرعية على حساب الهوية المدنية من جهة، وبين الفساد الإداري، أي ممارسة الواسطة والمحسوبية، من جهة أخرى. كما أن هناك العديد من القوانين والممارسات التي ترعى الهوية الفرعية على حساب الهوية المدنية؛ منها قانون الانتخاب الذي يخصص مقاعد على أساس الدين والعرق والقومية. ويوفر الإطار التشريعي لنمو الهويات الفرعية الأخرى غير المنصوص عليها في القانون. وهنا تصعب الموازنة بين مفهوم التقدم الذي يعتمد على المواطنة من جهة وبين تمييز الفرد على أساس دينه أو عرقه أو أي هوية أولية أخرى. الخطر الذي ينجم عن هذا التقسيم هو نمو الهويات الفرعية على أسس غير مدنية. وما يخيف هنا هو أن الاستثناء للآخرين يقوم على أسس ليست من اختيارهم، فنحن لا نختار الدين أو العرق أو الطائفة أو غيرها من الهويات الفرعية. فكيف يتم تعريفنا بقانون الانتخاب - الذي يهدف لبناء مجتمع سياسي ديمقراطي - على أسس غير سياسية وغير ديمقراطية وينتفي منها أحد أهم أسس الديمقراطية؛ الحق في الاختيار؟.

بقدوم وزير تنمية سياسية جديد، نأمل أن ننتقل بقانون الانتخاب من تكريس الهوية الفرعية إلى الهوية المدنية، والمساواة التامة بين المواطنين. بالتأكيد ستكون هناك قوى لا تقبل بإلغاء التمايز الديني والعرقي والجهوي في قانون الانتخاب، لكن لا بأس أن يدرك هؤلاء أن بقاء هذه التمايزات هو خطر على المجتمع الأردني في المدى البعيد.

نمو الهويات الفرعية: تحد خطير على المدى البعيد
 
05-Mar-2009
 
العدد 66