العدد 66 - أردني
 

دلال سلامة

"الطفلة ترقد في المدينة الطبية في حالة غيبوبة تامة، الأطباء يقولون إنها مصابة بتلف دماغي، لكنهم لم يستطيعوا بعد تشخيص السبب. الذين يمتلكون السر هم العاملون في الحضانة، لكنهم يرفضون البوح بما حدث". هذا ما قاله محمد بني علي، الأب المفجوع بابنته الصغيرة صبا، التي دخلت قبل أربعة أسابيع في غيبوبة أثناء وجودها في الحضانة. الطفلة البالغة من العمر خمسة أشهر، أوصلها أبواها كالعادة إلى الحضانة الواقعة

في منطقة الشميساني، ليفاجآ بعد ساعة بمكالمة من الحضانة تفيد بأن ابنتهما نُقلت إلى المستشفى التخصصي في حالة غيبوبة. بني عطا الذي ينتظر صدور التقرير النهائي للطب الشرعي، يؤكد أن ابنته كانت في صحة ممتازة، ويشكك في إفادة العاملات في الحضانة التي تقول إنهن نقلن الطفلة إلى المستشفى عندما لاحظن أثناء تبديلها لملابسها أنها لا تتنفس. «هذا كلام غير مقنع أبدا، لأن التقرير الأوّلي الذي أصدره المستشفى التخصصي يقول إن الطفلة وصلت في حالة توقف في التنفس والنبض وازرقاق في كامل الجسم، وأعرف من خلال عملي في الدفاع المدني أن هذا يعني أنها كانت في حالة اختناق، فكيف وصلت إلى حالة الازرقاق الكامل في الجسم دون أن ينتبه إليها أحد؟ .» بعد عشرة أيام على حادثة صبا، فجعت عائلة أخرى بطفلها، محمد خلدون المعايطة، البالغ من العمر ثمانية أشهر، الذي نُقل متوفيا إلى مستشفى الزرقاء الحكومي، بعد أن لاحظت العاملات في الحضانة أنه «كان نائما بشكل غير طبيعي .» تقرير الطب الشرعي صدر قبل أيام، وأحيل إلى المدعي العام. بحسب رئيس المركز الوطني للطب الشرعي، مؤمن الحديدي، فإن الوفاة نجمت عن «الاختناق جرّاء وجود مرتجعات طعام داخل الجهاز التنفسي للرضيع، مع وجود عامل مساند، هو الإصابة بالتهاب رئوي حاد .» في الأردن 732 حضانة، بين خاصة وتابعة لمدارس وزارة التربية والتعليم، وجمعيات خيرية، يستفيد منها 13750 طفلا تتراوح أعمارهم بين الشهر والسنوات الأربع. نظام ترخيص الحضانات ومراقبتها الصادر العام 2005 ، وما تبعه من تعليمات صدرت العام 2008 ، نظام صارم، خاض في أدق التفاصيل، فحدد عدد الأطفال والمربيات ومؤهلاتهن، ومساحة الغرف، وارتفاع السقف، ونوعية الأثاث، ونوعية المياه، ووضعية جرة الغاز وسلال النفايات، لدرجة أنه تدخل في نوعية طلاء الحضانة، واشترط أن يكون «من النوع الخالي من الرصاص .»

هذا فضلا عن تعليمات تُحذر العاملات من الإهمال أو استخدام العنف، أو العزل. لكن هل كان الأمر يحتاج إلى حالتَي وفاة وتلف دماغي لرضيعين خلال عشرة أيام، كي يُطرح السؤال: هل يُطبَّق هذا القانون على أرض الواقع، أم إن حاله حالُ قوانين أخرى «صارمة ،» لكن على الورق. ذلك أن أوضاع الحضانات تعرفها جيدا آلاف الأمهات العاملات اللواتي يودعن كل صباح فلذات أكبادهن في أماكن رعاية لا تتوافر فيها دائما الشروط الأساسية للرعاية. والد صبا نفسه، يقول إنه قبل يومين من الحادثة كان قد بدأ مع زوجته البحث عن حضانة أخرى، بسبب ما لاحظاه من أوضاع خاطئة خلال الشهر الذي قضته ابنته في الحضانة. «أكثر من مرة وجدت زوجتي أن المربية كانت تترك زجاجة الحليب في يد ابنتي دون مراقبة، وعندما كانت تعترض، كان يقال لها إن البنت يجب أن تتعود الرضاعة بنفسها. ملابسها كانت دائما غارقة بالحليب، ومرة ذهبت زوجتي إلى الحضانة في غير موعدها فوجدت الطفلة مغلَقاً عليها وحدها في غرفة وتبكي .» جمانة ) 27 عاما( تعمل معلمة، نقّلت ابنها البالغ من العمر سنتين في ثلاث حضانات. «نقلت ابني من الحضانة الأولى لأنني لاحظت لأيام عدة أن المناشف التي أضعها في حقيبته تبقى على حالها، فقمت بزيارة مفاجئة، لأكتشف أن العاملة هناك تستخدم منشفة واحدة للأطفال الثمانية الذين في عهدتها .» جمانة لم تنتظر لتكتشف المزيد، ففي رأيها أن من يستخدم منشفة واحدة لثمانية أطفال يمكنه أن يفعل أشياء أكثر سوءا، فقامت بنقل ابنها إلى حضانة ثانية، ثم ثالثة، لكنها وجدت أن الحال لا تختلف كثيرا. الزيارات المفاجئة تكتيكٌ تستخدمه معظم الأمهات اللواتي يودعن أطفالهن الحضانات، ذلك أنها الطريقة الأمثل لمعرفة حقيقة الحال، وما تكتشفه الأمهات أثناء «الكبسات » غالبا لا يسر الخاطر. هناك قصص عن تعنيف الأطفال، وتركهم يبكون، أو ما اكتشفته أسماء ) 29 عاما( التي دخلت فجأة إلى الحضانة لتجد أن العاملة تجلس على الأرض، والأطفال يتحلقون حولها، وهي تقوم بإطعامهم من صحن واحد، وبملعقة واحدة.

تفاوت الخدمات التي تقدمها الحضانات يرتبط بشكل أساسي بتفاوت الرسوم التي تتقاضاها، والأمهات اللواتي لا يستطعن دفع أكثر من عشرين ديناراً للطفل يعرفن أن الحضانة في هذه الحالة لا تكون أكثر من مكان للإيواء. لكن هذا ليس حال حضانات أخرى يتدرج رسم الطفل فيها ليصل إلى مئتي دينار، وتقدَّم للأطفال إضافة إلى الرعاية المتميزة على صعيد المأكل والملبس والنظافة والتفاعل الاجتماعي والعاطفي، برامجُ تعليمية

وترفيهية تتضمن تعليم اللغات والكمبيوتر. علياء الأخضر، مديرة لواحدة من هذه الحضانات، تقول إن الأطفال ابتداء من عمر السنتين يشركون في برامج تعليمية وترفيهية تتضمن التلوين والزراعة والطبخ والألعاب الرياضية، ليتخرجوا في عمر الرابعة مستعدّين لدخول الروضة. رئيسة قسم الحضانات في وزارة التنمية الاجتماعية أماني إدريس، تقول إن القانون يطبَّق بحزم، وإن رقابة صارمة تمارَس على الحضانات، فهناك 38 مديرية تنمية موزعة على جميع أرجاء المملكة تقوم بمراقبة الحضانات، من خلال زيارات مفاجئة، بواقع مرة كل ثلاثة شهور كحد أدنى. بحسب إدريس، قامت الوزارة في العام الفائت بإغلاق 26 حضانة، ونفذت عقوبة الإيقاف المؤقت لمدة ثلاثة شهور في حق 14 حضانة، كما تم توجيه إنذارات إلى 33 حضانة. معظم التجاوزات تتعلق بتجاوز الطاقة الاستيعابية، والنظافة، ومؤهلات العاملات. إدريس التي تعترف بوجود تجاوزات، تقول إن الأهل يجب أن يكونوا شركاء للوزارة في مراقبة أداء الحضانات، والإبلاغ عن أي تجاوزات لتستطيع الوزارة معالجتها. «يحدث كثيرا أن نتلقى اتصالا من أم تشكو من قلة الرقابة على الحضانات، وعندما نطلب منها اسم الحضانة المعنية ترفض بحجة أنها خائفة من أن تساء معاملة ابنها إذا عُرف أنها تقدمت بالشكوى، وهناك حالات عدة لشكاوى خطية تقدم بها أولياء أمور، ثم عادوا يطلبون سحب الشكوى لأنهم لا يريدون قطع أرزاق الناس .» وزارة التنمية الاجتماعية لم تتخذ أي إجراء في حق الحضانتين المعنيتين بانتظار صدور حكم القضاء، لكن هاتين الحادثتين كانتا على ما يبدو السبب وراء تعليمات جديدة صدرت مؤخرا عن الوزارة، تقضي بألاّ تقوم أي حضانة باستلام أي طفل من أهله، أو تسليمه إليهم، إلا وهو مستيقظ.

دور الحضانة: تجاوزات رغم الرقابة الصارمة
 
05-Mar-2009
 
العدد 66