العدد 66 - أردني
 

عطاف الروضان

تهديد وزارة الداخلية بشطب حافلات للمدارس الخاصة يزيد عمرها على عشرين عاماً، وضع أصحاب المدارس والحافلات في موقع المتذمر هذه المرة، فلوّحوا بوقف العمل ونقل عبء تجديد الحافلات إلى أولياء الأمور الرازحين أصلاً تحت رسوم المدارس الفلكية. بدأت المشكلة أواخر نيسان/أبريل 2008 ، حين رفضت دائرة ترخيص السواقين والمركبات، ترخيص باصات المدارس التي يعود تاريخ صنعها إلى العام 1989 فما دون، بحسب مدارس خاصة اشتكت من قرار استبدال حافلات من موديلات هذا العام بالحافلات القديمة، تطبيقاً لتعليمات صدرت في هذا الاتجاه قبل أربعة أعوام. وشرعت الدائرة في تطبيقها مبكراً قبل حلول موعدها المحدد في الأول من آذار/مارس الجاري.

هذه التعليمات وُضعت بصيغتها الحالية بناءً على اتفاق سابق مع أصحاب المدارس، بعد أن احتجّوا العام 2004 على الصيغة القديمة، التي

قدّرت العُمر التشغيلي ب 15 عاماً، وبالتالي رفع الحد الأقصى إلى 20 عاماً كما هي الحال الآن، بحسب ما أُعلن رسمياً قبل أربعة أعوام.

وزارة الداخلية برّرت القرار ب «ضمان أمن الطالب وسلامته »، ذلك «أن كثيراً من الباصات غير مؤهلة لنقل طلاب »، بحسب مصادر في وزارة الداخلية رفضت نشر اسمها. في مواجهة هذه التعليمات، تحركت نقابة أصحاب المدارس الخاصة على صُعد رسمية ونيابية وقانونية، للتوصل إلى حل وسط، وقد لوّحت بتنفيذ اعتصام شامل، إذا لم يُعلَّق القرار وتعاد دراسته مجدداً، بحسب منذر الصوراني، نقيب أصحاب المدارس الخاصة. الصوراني يصف القرار ب «غير المسؤول ،» ويجادل بأن: «التكلفة الإضافية سيتحملها المستهلك )الطالب وأسرته( في النهاية. ستتحمل المدارس الخاصة في عمّان الشرقية والمحافظات العبء الأكبر .» يقول الصوراني: «الأردن ليس كله عمّان الغربية »، ويضيف: «لا يعقل أن تستخدم مدرسة باصاً من موديل 2009 بتكلفة 50 ألف دينار، لطلبة يدفع الواحد منهم 15 - 10 ديناراً شهرياً بدل مواصلات .»

تطرح النقابة مخرجاً قد يؤدي إلى حل هذه الإشكالية، وهو إعفاء المدارس من الجمارك ) 5000 دينار( للباص الجديد، أسوة بحافلات النقل العام التي أعفيت من الجمارك بقرار لمجلس الوزراء العام 2008 بعد البدء بتنفيذ «تحديث استبدالي » أقرّته هيئة تنظيم قطاع النقل العام 2007 ، ويطبق تدريجيا حتى العام .2012

يؤكد الصوراني أن » القرار الرسمي يطال 2000 حافلة تنطبق عليها شروط التبديل بموجب القرار الحكومي، لكن كثيرا منها ما زالت بحالة جيدة تسمح لها بالعمل .» حافلات المدارس الخاصة يبلغ عددها 10 آلاف حافلة بحسب إحصائية العام الفائت. يتفق صالح حتر مع الصوراني في هذا الطرح. حتر مُشغِّل باصات لمدارس خاصة عدة في عمان الغربية. يقول: «باصات المدارس تشتغل ساعتين يومياً على مدى خمسة أيام بالأسبوع، وتعطل ثلاثة أشهر، وبالتالي يقاس العمر التشغيلي بمدى صلاحية المركبة للخدمة، وليس نسبة إلى سنوات صنعها .» يؤكد حتر أن دائرة الترخيص «قادرة على تحديد ذلك بدقة، لأنها تشدد على مراعاة باصات المدارس بشكل خاص لشروط السلامة العامة .»

مصادر في دائرة الترخيص، فضلت عدم نشر اسمها، تقول إن «كثيراً من باصات المدارس تأتي إليها بحالة سيئة، بعضها تم شراؤه من الحراجات، وحُدّث للاستخدام، رغم أن عمره التشغيلي انتهى عملياً وفقاً للمعايير الدولية .»

تضيف هذه المصادر أن «هنالك مدارس تؤجر الباصات للرحلات الداخلية وللحج، مما يساهم في استنفاد قدراتها بشكل أسرع، ما يمكّنها من جني أرباح أعلى .» سعيد، صاحب ورشة تصليح سيارات في الوحدات، يؤكد ما سبق، ويضيف أن كثيراً من باصات المدارس الخاصة تزوره بشكل أكثر من المعتاد عند اقتراب موعد ترخيصها لتصليح الأعطال فيها.

المحلل الاقتصادي فهمي الكتوت، يرى أن «مراعاة سلامة الطالب أهم من الجانب الربحي الذي تسعى إليه المدارس الخاصة، فهي شركات استثمارية بالنهاية، بخاصة أن تكاليف المواصلات لا تُدفع من رأس المال، وإنما يتحملها الأهالي .» تجيير تكلفة المواصلات إلى الطلبة قد يؤدي إلى «هجرة » الطلبة غير القادرين على تحمل الزيادات المتكررة، إلى المدارس الحكومية التي تعاني أصلاً من ضغط. في المقابل، تلجأ مدارس خاصة ل «رفع الأقساط لتغطية الخسارة »، بحسب حسني عايش، الكاتب المتخصص في الشأن التربوي. يؤكد عايش أن «تعرفة نقل الطلبة مربحة جداً للمدارس الخاصة، وتغطي عوائدها جزءاً كبيراً من تكاليف التدريس »، لافتاً إلى أن الباصات يتم شراؤها بالأقساط، كما أن تكاليف تشغيلها لا تُذكر قياساً مع العوائد، فبعض المدارس يتقاضى من الطالب أضعاف تكلفة نقله الحقيقية.

يخلص عايش إلى القول: «بحسبة بسيطة، يكون استخدام الطالب للتكسي أقل تكلفة .» تؤكد هذه المعادلة أم عبدالله، والدة طالب في إحدى المدارس الخاصة في عمّان الغربية، فهي تدفع سنوياً 500 دينار بدل أجرة الباص، لم تستطع إخفاء امتعاضها من احتمال زيادة التعرفة نتيجة قرار شطب الباصات، وعلقت بالقول: «أبصَر مين بدّه يستفيد .» «ما بيكفي أن المدرسة أصلاً رفعت الرسوم للسنة المقبلة تقريباً الضعف، دفعنا 3500

دينار رسوم لابني من غير الكتب والمواصلات والنشاطات والمصاريف، ويا ريت حاسّين إنه النتيجة كويسة. مستواه عادي »، تقول أم عبدلله، وتضيف: «كنت بفكّر أنقله لمدرسة أرخص، الآن بدوّر عن جدّ، لو كان بنت كنت فكرت بمدرسة حكومية، بس الولد صعب، مدارس الذكور بالحكومة مستواها في تراجع .» تتساءل أم عبدالله كيف ستتصرف لو كان أولادها الثلاثة على مقاعد الدراسة معاً. فتحي، والد طالبين في إحدى المدارس الخاصة في عمّان الشرقية، أبدى استعداده للاستغناء عن الباص إذا رُفعت تكلفته. يقول: «إذا كان الرفع عالياً ولا أحتمله سأنقلهم إلى مدرسة حكومية .» كانت المدارس الخاصة رفعت في نيسان/ إبريل 2008 الرسوم بنسبة 15 في المئة للتعليم الأساسي، و 20 في المئة للتعليم الثانوي، بدعوى ارتفاع التكلفة التشغيلية، والخسائر المتكررة. لكن بعد انخفاض أسعار الوقود، عادت عن القرار مدارس معدودة فقط.

بحسب إحصائية العام الفائت، يضم قطاع التعليم الخاص نحو 500 ألف طالب، موزعين على 2100 مدرسة. المدارس الخاصة تصرّ على ضرورة التعامل معها بما يتناسب مع مساهمتها النوعية في قطاع التعليم، أمام شكوى تكاد تحوز على إجماع، تتمثل في سيطرة الرغبة بالربح لدى هذه المدارس، فيما الأهالي يجدون أنفسهم بين نارين: التكلفة العالية لتعليم أبنائهم في المدارس الخاصة، واللجوء إلى مدارس حكومية فقدت القدرة على أداء مهامها التربوية بكفاءة.

يرون باصاتهم المشطوبة صالحة للعمل أصحاب المدارس الخاصة يلوحون بتحميل التكلفة للطلاب
 
05-Mar-2009
 
العدد 66