العدد 66 - بلا حدود | ||||||||||||||
على مسافة يومين من رأس السنة الماضية، فيما كانت الفنادق تلغي تباعاً الحفلات المقررة فيها، تضامناً مع شعب غزة الصامد، كان أربعة شبّان من ذوي التأهيل العالي يخططون لتحويل المناسبة إلى فعالية تضامنية. ولما لم يكن متسع من الوقت للانخراط في تحضيرات اعتيادية، لمعت في أذهانهم فكرة استخدام الرسائل القصيرة SMS لإطلاق مبادرتهم، وتوجيه الدعوات لأصدقائهم ومعارفهم من أجل لقاء يجمع بين فكرة الاحتفال برأس السنة الميلادية مع شموع، وبين إعلان سخطهم على العدوان الإسرائيلي الذي استفرد بالمدنيين من أهل غزة. ولأن هؤلاء الشبان تطلعوا إلى توجيه رسالتهم التضامنية باسم عمّان، فقد اختاروا الساحة الهاشمية، مكاناً للّقاء. في هذه الحلقة من «بلا حدود »، تحاور «السّجل » اثنين من أصحاب هذه المبادرة؛ طارق زريقات، ونضال العالول «السّجل »: من أين جئتما بفكرة الاحتفال التضامني برأس السنة؟ - نضال: الفكرة كانت بنت لحظتها. فقد كنا مجموعة أصدقاء نتداول في الوضع العام، وتوصلنا إليها خلال عملية عصف ذهني عفوية. كان ذلك قبل ثمان وأربعين ساعة من منتصف ليلة رأس السنة، إذ بلورنا تصوراً للخطوات التي يتعين علينا اتباعها من تحديد المكان وتوقيت التجمع وتحضير لوازم نشر الدعوة من خلال الرسائل الخلوية القصيرة التي يعيد مستقبلوها بثها جاعلين منها متوالية هندسية، والإعلان عن المبادرة في الصحف اليومية والمواقع الإلكرونية. - طارق: ألغيت سفراً كنت أخطط له، وعندما فكرت برأس السنة، خطر ببالي أنه من المناسب أن نقوم بعمل شيء ذي قيمة رمزية. لم يكن الوقت الذي يفصلنا عن رأس السنة كافياً للقيام بترتيبات من النمط التقليدي. من هنا جاءت فكرة استخدام الرسائل القصيرة. توقفنا ملياً أمام المكان المقترح للتجمع، فقد كان هناك خيارات عدة، لكننا استبعدنا منطقة غرب عمّان، رغم أن الطبقة الميسورة أكثر استعداداً للاحتفال بهذه المناسبة. واخترنا، في نهاية المطاف، الساحة الهاشمية، وسط البلد، بالنظر إلى رمزبة المكان. «السّجل »: كم كان عددكم، وهل أنتم أول جماعة تطلق مبادرة كهذه؟ - ط ارق: كنا أربعة، كان معنا سفيان عبيدات ومحمد المصري. وبحسب علمنا، فهذا أول تحرك من نوعه. وقد حصلنا على الضوء الأخضر من المحافظ بعد أن خاطبناه بكتاب موقّع منا الأربعة. لم نكن نرغب في إبراز تبنينا لهذا النشاط في البداية. في حقيقة الأمر، فقد عمل معنا في عملية التحضير أصدقاء آخرون. لقد بدأنا العمل بعد موافقة المحافظ، بإعداد رسالة موحدة، وتكلّف كلٌّ منا ببث هذه الرسالة من خلال الرسائل الخلوية والهاتف، ثم دعونا الجهات الإعلامية للتعريف بهذا المشروع. وخلال عملية دوران الرسائل القصيرة، وصلني سبع رسائل. «السّجل »: هل كانت ردود الفعل الأولية مشجّعة؟ - نضال: كانت هناك ردود متنوعة، سلبية وإيجابية. فمن بين الردود السلبية، بعض التعليقات ركزت على أن هذا الوقت ليس وقت شموع، منتقدة ذلك بوصفه تقليداً غربياً. بالمقابل، فوجئنا بردود فعل إيجابية كثيرة، كما لو أن الناس كانت تنتظر حدثاً كهذا، بخاصة أن الفنادق بدأت تلغي حفلاتها لرأس السنة. ففي ظل تفاقم العدوان على غزة لم يكن من المنطق أن يرضى الناس بالاحتفال بالمناسبة كما لو أن شيئاً لم يكن. لذلك كانت الفكرة أننا نقترح على الناس شيئاً يفعلونه. وبالتالي نستطيع أن نوجه رسالة عبر الإعلام بأن عمّان لم تحتفل برأس السنة، بل استقبلت المناسبة بنشاط تضامني مع غزة. «السّجل »: ماذا بشأن تكلفة التحرك، وعدد المشاركين في التجمع؟ - طارق: فكرنا في البداية بعمل يافطة كبيرة في موقع التجمع وأشياء أخرى، لكننا استبعدنا ذلك، لأننا اتفقنا على أنه من غير اللائق أن تكون هناك تكلفة كبيرة. وأعتقد في المحصلة أن التكلفة علينا لم تتجاوز خمسين ديناراً. لقد ساورتنا الخشية من الفشل في حشد عدد مناسب من الناس. وساعدنا أن نتجاوز هذه النقطة أننا لم نراهن على مشاركة عدد كبير، فقلنا إذا حضر 50 شخصاً فهذا جيد، وإذا كانوا 150 فهذا أحسن. لكننا فوجئنا بمشاركة حوالي 3000 شخص، ونقدّر أن مجموع من أمّوا المكان كانوا حوالي 4000 . «السّجل »: بماذا شعرتما عندما رأيتما النجاح أمامكما، وما هي سمات الجمهور المشارك؟ - نضال: طبعاً فرحنا. لكن أحسسنا في الوقت نفسه بالمسؤولية تجاه هذا الحشد الكبير، وبخاصة أننا رأينا مجموعات تحضر وهي تحمل أعلاماً تمثل اتجاهات مختلفة. وتضاعف قلقنا عندما بدأ الناس يهتفون، بينما دعونا إلى تجمع صامت مع شموع، وتبين لنا بالمناسبة أنه تصور ساذج. كنا نخشى أن تكون بعض الهتافات غير مريحة، أو تثير حساسية قسم من الجمهور، لكننا اكتشفنا أن الأمور طبيعية و «تحت السيطرة .» - طارق: فوجئت شخصياً بأن السمة الغالبة على الجمهور المشارك كانت هي العائلات، ونحن أصلاً خاطبنا المدعوين بلغة «تفضّلوا أنتم وعائلاتكم ». فكان مشهداً جميلاً، آباء وأمهات ومعهم أبناؤهم وأحياناً صغارهم رغم البرد. كان هناك أيضاً أعداد كبيرة من الشبان والشابات، ولم يثر ذلك أية مشكلة أو حساسيات. الناس تصرفوا بطريقة عفوية، لائقة ومتوازنة، بخاصة أن المشاعر التضامنية مع غزة، كانت تجسر بين هذا الحشد القادم للتعبير عن غضبه، إزاء ما يتعرض له القطاع. «السّجل »: كيف تقيّمان أثر التكنولوجيا على الفضاء العام؟ - نضال: تنظيم أنشطة سياسية أصبح أكثر سهولة من الماضي، فخلال 48 ساعة حشدنا آلاف الأشخاص من خلال الرسائل القصيرة أساساً، فما بالك لو كان هناك مزيد من الوقت. إذاً، الرسائل الإلكترونية، والفيس بوك، والبريد الإلكتروني، والمواقع الإخبارية مثل «عمون »، باتت قادرة على إيصال الأخبار للناس في زمن قياسي. ثم أن حشد الناس لم يعد متوقفاً على حضور شخصيات سياسية، ما يعني أن الناس أصبحوا هم القوة، ولم يعودوا بحاجة إلى زعيم سياسي حتى تتحرك، بخاصة أن الوصول إلى آلاف الناس بات ممكناً دون تكلفة تذكر. - طارق: هذا يعني أن تكنولوجيا المعلومات والاتصال أحدثت ثورة في طريقة توصيل الأفكار للناس بطريقة منظمة، ولم يعد ممكناً منع نقل المعلومة. كما أن الناس باتت تنتظم أكثر في المساحات الإلكترونية. ومن الأمثلة المتقدمة على ذلك استخدام المصريين بنجاح للفيس بوك للترويج لأنشطة حزبية، وبخاصة ما يتعلق بإضرابات واعتصامات. هناك مواقع على اليوتيوب فيها فيديوات لا قيمة لها، ومع ذلك يشاهدها الملايين بتكلفة تساوي صفراً. وقد تميز أوباما في حملته الانتخابية في وصوله للناس عن طريق اليوتيوب، وهو الوحيد الذي نجح في الوصول إلى جيل الشباب بهذه الطريقة. «السّجل »: ماذا بشأن هذا التأثير التكنولوجي على الحياة السياسية في المستقبل؟ - نضال: إذا لم يتناسب هذا التطور مع وجود قانون اجتماعات عامة عصري، فلن يكون التغيير جذرياً. فمثلاً إذا قمت بدعوة الناس ولبّوا الدعوة، لكن لم أحصل على موافقة الحاكم الإداري، فهذا يحبط العمل من الزاوية العملية. ومع ذلك نلاحظ أن المجموعات الفكرية تستفيد من هذه الفرص، بينما الأحزاب الكبيرة لم تستفد كثيراً من التكنولوجيا، وما زال يغلب على عملها الطابع التقليدي. - طارق: لكن هذا الوضع أعطانا نحن الشباب مقارنة بالجيل السابق أدوات لم تكن متاحة. ولعلها خسارة ما بعدها خسارة أن لا نتمكن من الاستفادة منها بطريقة إيجابية. وهناك مسألة سلبية هي وجود تقاعس الآن أكثر من مراحل ماضية، علاوة على عامل الخوف. لكن الأدوات موجودة، وإذا حدث حراك سياسي، فإن هذه الأساليب تشكل عنصراً مساعداً ذا قيمة عالية. «السّجل »: ما رأيكما بالتباين بين استعداد الناس العالي للتحرك، وبين رتابة الحياة السياسية؟ - نضال: إذا وجدت قضية كبرى، كما قال طارق، فهذا يوحد الناس، حتى لو اشتملت هذه القضية على مسائل خلافية. المهم أن يكون متاحاً لمختلف وجهات النظر أن تدافع عن نفسها. صحيح أنه إبان أحداث غزة كانت هناك مساحة من الحرية، لكنها مساحة مؤقتة، وتم التبشير بعودة الأمور إلى الوضع السابق، رغم أن مئات المسيرات التي خرجت في شتى أنحاء المملكة دون أن تقع خروقات تذكر دليلٌ على وعي الناس، وبالتالي لسنا بحجة لقانون يقيّد حرية الناس بدعوى أن المجتمع غير جاهز للديمقراطية. وهذا درس للحكومة بضرورة تبني إصلاحات سياسية عاجلة، وإدراك أن الهاجس الأمني مبالغ فيه. – طارق: سمعت أحد المشاركين يقول: «يا ريت الناس تقوم بمسيرات وبتحركات مماثلة تجاه قضايا محلية ». وأنا شعرت أن هناك وجْهَ شبه مع الحالة التي كانت قائمة العام 1991 ، إذ كان مدعاة للاعتزاز أن يشارك الشخص فينا في المسيرات المنددة بالتهديد الأميركي للعراق. التحرك الحضاري للناس في المسيرات والتجمعات فرضَ علاقة جديدة مع رجل الأمن الذي كان دوره واضحاً في المساعدة على تنظيم الأمور كما حدث معنا في تجمع رأس السنة. وأعتقد أيضاً أن تأجيل الإصلاح يعقّد التقدُّم في هذا الاتجاه لاحقاً. |
|
|||||||||||||