العدد 65 - ثقافي
 

تحتل مدينة القدس منزلة كبيرة في الوجدان العربي، لم تحتلها مدينة من قبل، بوصفها روح فلسطين وقلبها، ورمزاً قومياً ودينياً وإنسانياً، لذا لا غرابة في أن أصبحت علامة كبرى، واستعارةً اجتهد المؤرخون والشعراء والفنانون في تسميتها أو وصفها بنحو مئة اسم وصفة، يحمل كل منها مدلولاً يشكّل، بالمفهوم السيميائي، علامةً أيضاً، تحيل على مدلولات لا حصر لها.

وقد وقف أحد الباحثين على هذا التعدد الدلالي لاسم المدينة في الشعر العربي، قديمه وحديثه، فوجد أن اسم «القدس » حظي بالنصيب الأكبر، يليه اسم «المسجد الأقصى »، ثم «أور سالم ،» ف «المسرى »، ف «مهد عيسى .» أما في المدونات التاريخية، التي وُجدت في أنحاء كثيرة من العالم، فقد أُطلق عليها نحو 50 اسماً، منها الكنعاني، والفارسي، واليوناني، والروماني، والبيزنطي، والعربي، المسيحي والإسلامي، مثل: أور سالم، يبوس، ويابيثي، وإيليا كابيتولينا، وايفن، ومدينة الأنهار، ومدينة الوديان، وأور سالم، ونور السالم، ونور الغسق، ويارة، وكيلة، وإريانة، وأنتوخيا، وبيت المقدس، ودار السلام، والأرض المباركة، والساهرة، والزيتون، والمسرى.

تناول القدس في الأدب العربي شهد تفاوتاً شديداً من جنس إبداعي لآخر، فبينما كتب الشعراء المعاصرون مئات القصائد عنها، هنالك نقص فادح في تناول الأجناس الإبداعية الأخرى لها، مثل الرواية والقصة والسينما والتلفزيون والمسرح. فلا تكاد تُذكر للروائيين العرب أعمال تدور في مدينة القدس سوى عملين أو ثلاثة، في حين كتب روائيون إسرائيليون نحو 50 رواية تشكل المدينة مسرحاً لأحداثها، بصرف النظر عن

مستواها الفني.

وفي السينما العربية، لا يُذكر إلا: «الناصر صلاح الدين » ليوسف شاهين، و «باب الشمس » ليسري نصر الله، و «القدس في يوم آخر »، و «زواج رنا » لهاني أبو أسعد، و «تذكرة إلى القدس » لرشيد مشهراوي، و «آخر الصور » لأكرم صفدي، مقابل نحو 127 فيلماً من إنتاج شركات أوروبية وأميركية وإسرائيلية، أغلبها يدافع عن القدس بوصفها مدينة يهودية، أو يتخذ القدس فضاءً لأحداث ليست لها علاقة بالقضية الفلسطينية أو الاحتلال الإسرائيلي. في مجال الدراما التلفزيونية، لم ينتج العرب أكثر من بضع مسلسلات عن القدس، منها: المسلسل الأردني «فندق باب العمود »، تأليف أمين شنار، وإخراج عدنان الرمحي في العام 1968 ، ومسلسلان كلاهما بعنوان «القدس ،» الأول للمخرج الأردني أحمد دعيبس، والثاني للسوري باسل الخطيب، وهو ما زال قيد التصوير، و «سفر الحجارة » للمخرج السوري يوسف رزق، وهو أيضاً لم يتم إنتاجه بعد.

أما المسرح، فليس أفضل حالاً من الرواية، رغم أنه كان رائداً في تناول قضية القدس، ففي العام 1921 قُدمت في مدرسة الخضرية ببغداد أول مسرحية عن فلسطين بعنوان «صالح الدين الأيوبي وفتح القدس »، أخرجها السياسي العراقي أرشد العمري )أمين العاصمة آنذاك(، الذي أصبح رئيساً للوزراء. وفي منتصف الستينيات كتب الأديب اليمني علي أحمد باكثير، عملاً ملحمياً طويلاً بعنوان «ملحمة عمر » يتألف من تسعة عشر جزءاً، ويقع في 1000 صفحة، ويضم 100 شخصية رئيسة، وتحتل القدس فيه مكانة كبيرة، فهي بيت القصيد، كما يقول باكثير. وثمة النص المسرحي شديد الأهمية الذي كتبه محمود دياب بعنوان «باب الفتوح » في العام 1974 ، وجرى إخراجه في أغلب الدول العربية، وكذلك العرض المصري «لن تسقط القدس » تأليف شريف الشوباشي، وإخراج فهمي الخولي، وبطولة نور الشريف، في العام 2002 ، وقد قُدم في الأردن واليمن والخليج، إضافةً إلى مصر. لمناسبة اختيارها عاصمةً للثقافة العربية للعام 2009 ، أصبحت القدس تتصدر واجهة المشهد الثقافي العربي. وتقام فعاليات أدبية وفنية واحتفالية

استحضاراً للمدينة المقدسة في الذاكرة العربية، وإبراز عروبتها وهويتها الفلسطينية الإسلامية والمسيحية، في مواجهة تهويدها على يد الاحتلال الإسرائيلي، والتأكيد على حق استعادتها بكل الوسائل لتكون عاصمةً للدولة الفلسطينية المستقلة. كانت باكورة هذه الفعاليات، تلك التي نظمها معرض القاهرة الدولي لمعرض الكتاب كانون الثاني/يناير الفائت، حيث أقيمت ندوات وأمسيات شعرية عن القدس، وسيسمى كثير من المهرجانات المسرحية والسينمائية السنوية التي تُعقد في العواصم العربية: «دورة القدس".

القدس في الأدب والفن
 
26-Feb-2009
 
العدد 65