العدد 65 - ثقافي
 

عواد علي

تُفتتح احتفالية الأردن بالقدس عاصمة للثقافة العربية للعام 2009 ، في 27 فبراير/ شباط الجاري، بعرض مسرحية «بلا عنوان ،» من تأليف مفلح العدوان، وإخراج مجد القصص، وإنتاج فرقة المسرح الحديث، بالتعاون مع وزارة الثقافة والمكتب التنفيذي للقدس وأمانة عمان الكبرى. تقوم «بلا عنوان » على ثلاث ركائز فنية- جمالية، درجت المخرجة على استخدامها في تجاربها المسرحية السابقة: أولها الأداء الجسدي الحركي والكيروغرافي )الرقص التعبيري( للممثلين، الذي تميل إلى تسميته «فيزيائية الجسد »، وهو أداء ينزع إلى المشهدية أو مسرح الصورة، ويمزج بين الحركات التجريدية ذات المنحى الرمزي، والحركات اليومية المستمدة من التراث الشعبي، وإلى حد ما الرقص الباليهي والرقص الحديث.

أما الركيزة الثانية، فهي توزع بنية العرض على لوحات مستقلة لا تجمعها حبكة درامية، ولا تتنامى وفق منطق سببي، كما في العروض التقليدية، بل ينتظمها رابط جمالي ودلالي، وتسير في خط تراكمي، ويتداخل بعضها ببعض بانسيابية تحول دون تفكك جسد العرض وانفراط جغرافيته إلى جزر عائمة. الركيزة الثالثة هي تصدر الغناء الحي الأوبرالي والشعبي، وتناغمه مع ألوان من الغناء والموسيقى والمؤثرات الصوتية المسجلة التي يبدع في تلحينها وإعدادها الموسيقي الموهوب وليد الهشيم. وغالباً ما تؤدي أشكال الغناء والموسيقى هذه وظيفةً دلاليةً تأويليةً، في حين تنزع إلى الروح التغريبية والغروتسكية )التشويهية التهكمية( في بعض اللوحات لحمل المتلقي على السخرية من موقف ما أو استنكاره. يحاول العرض، في إطار فكرته العامة، الرد على مقولة لرئيس بلدية القدس الأسبق الصهيوني «تيدي كوليك »، مفادها أن الفلسطينيين «لن يبقى لهم مع بداية القرن الحادي والعشرين ما يفاوضون عليه في القدس غير 7 في المئة »، من خلال التأكيد أن القدس كانت وستبقى عربيةً. هذا الهدف تجسده حكايةُ أم مقعدة، تكاد لا تقوى على تحريك كرسي العجلات المحطم، تروي لرجل ضرير )يؤدي دوره المطرب رامي شفيق(، هو الشاهد والشهيد، قصتها مع أبنائها السبعة: منهم من أُرغم على الإبعاد، ومنهم من استُشهد، ومنهم من صمد وقاوم، ومنهم من خان. يقدم العرض شخصيتين نسائيتين تمثل كل منهما المدينة المحتلة: الأولى )تؤديها ريما نصر( تمثل الجهة الشرقية من القدس والمسلمين والحاضر القدسي، والثانية )تؤديها الأوبرالية نادين نشوان( الجهة الغربية من االقدس ونضال المسيحيين مع المسلمين والتاريخ القدسي منذ الكنعانيين حتى الآن. تجسد السينوغرافيا المتحركة )تصميم

مجد القصص( سبعة أبواب للقدس )تتحول إلى جدران تارةً، وإلى سجون تارةً أخرى، من خلال توظيف سيميائي متقن(، يقابلها العدد نفسه للأبناء الذين استُشهد واحد منهم وبقي الستة )يؤدي أدوارهم: موسى السطري، بلال زيتون، نبيل سمهوري، أحمد الصالحي، أحمد الصمادي، ومحمد عوض( الذين يجسدون على المسرح شخصيات بأزياء مختلفة: محتلين، خطباء عرباً وأصحاب شعارات، وفلسطينيين من أبناء القدس، في سياق تحول دلالات لوحات العرض من زمن الاحتلال الأول، حيث يجري فيه اغتصاب رمزي للشخصيتين النسائيتين، إلى زمن الشعارات الجوفاء والعجز العربي في مواجهة النكسة، إلى الحاضر الذي تدعو فيه القدس أبناءها المخلصين إلى التمسك بخيار الصمود والتحدي والمقاومة لتحريرها من قبضة المغتصبين الذين دنسوها. «بلا عنوان »، بقدر ما هي تجربة مسرحية مُصاغة بحس فني رفيع ومقاربة درامية غير تقليدية، فإنها صرخة من فم شريحة عربية مثقفة للفت أنظار أمتها، زعماءً وشعوباً، إلى عدم التهاون في استعادة القدس المحتلة قبل فوات الأوان. والأمل معقود على الجهات الداعمة للمسرحية لنقلها إلى أكثر من فضاء عربي تناغماً مع احتفال العرب بالقدس عاصمة لثقافتهم هذا العام، لعلّها تكون حافزاً للمبدعين العرب لسد النقص المعيب المتمثل بشحة الأعمال التي تتناول قضية القدس، رغم أنها قضيتهم الجوهرية.

تفتتح بها احتفالية الأردن بـ"القدس عاصمة للثقافة العربية" "بلا عنوان" لمجد القصص: خيار الصمود
 
26-Feb-2009
 
العدد 65