العدد 65 - حريات
 

ميسون برهومة

وائل )رب أسرة في الثلاثينيات من عمره(، كان نزيلاً في أحد مراكز الإصلاح والتأهيل منذ ثلاث سنوات، وهو حالياً متعطل عن العمل تقريباً، إذ يعمل بشكل متقطع، لأن المجتمع ما زال يعاقبه على جرم ارتكبه في ما مضى وتاب عنه، لكن أرباب العمل في منطقته يرفضون تشغيله. يقول وائل إن للمجتمع قانونه الذي لا يراعي توبته وندمه، موضحاً أنه انخرط في «برامج تأهيل وتعديل سلوك في مركز الإصلاح والتأهيل » فضلاً عن أنه كان «حسن السير والسلوك أثناء إقامته في المركز »، ما يعني أنه مؤهل للعمل، ومقبل على الحياة، لو صادف من يقبل تشغيله.

الحال نفسه ينطبق على الحدث عبد الرحمن، الذي تعلّم النجارة في دار إصلاح وتأهيل للأحداث، لكنه لا يجد عملاً في هذه الحرفة، لأن المجتمع يلاحقه بأوصاف من قبيل: «محكوم، صاحب سوابق، مجرم، منحرف.. إلخ .» هناك، إذاً، فئة من المتعطلين عن العمل، ترجع بطالتهم وعدم انخراطهم مع المجتمع، إلى أنهم كانوا في مرحلة من حياتهم نزلاء في مراكز الإصلاح والتأهيل، نتيجة عوامل قادتهم إلى انحراف ما.

ورغم أن مراكز الإصلاح والتأهيل، تقدم لنزلائها برامج تعديل للسلوك، وتأهيل نفسي واجتماعي بل واقتصادي، من خلال برامج التأهيل المهني التي تنفّذ بالتعاون مع مؤسسة التدريب المهني، فإن ذلك لا يشفع لهم لاستعادة حياتهم الطبيعية بعد الخروج من المراكز.

تصنّف مراكز الإصلاح والتأهيل في الأردن، بحسب مدير دار تربية وتأهيل أحداث معان، ناصر درويش، إلى نوعين: الأول هو دور إصلاح وتأهيل الأحداث تحت 18 سنة، وفيها برامج إصلاح وتأهيل وتعديل سلوك وتأهيل مهني بالتعاون مع مؤسسة التدريب المهني، مدة كل منها ستة أشهر. غير أن الحدث لا يحصل على شهادة تدريبية، ما يجعل نيله فرصة عمل بعد خروجه من الدار محدودة، كونه من دون شهادة، فضلاً عما يتعرض له من وصمة اجتماعية سلبية. أما الثاني، يتابع درويش، فهو مراكز الإصلاح والتأهيل العامة )السجون(، وفيها أيضاً يخضع النزيل لبرنامج تأهيل مهني، وينال شهادة بذلك. محمد راسم، مستشار وحدة التدريب في مؤسسة التدريب المهني، يشرح هذه البرامج قائلاً: إن «مؤسسة التدريب المهني تقوم بتدريب نزلاء مراكز التأهيل والإصلاح من الذكور والإناث، بالتعاون مع مديرية الأمن العام، بهدف دمجهم في المجتمع بعد إنهاء محكوميتهم، ليصبحوا مواطنين صالحين يعتمدون على أنفسهم في كسب قوتهم ،» موضحاً أن مؤسسة التدريب المهني «تقوم بإصدار شهادات للخريجين منهم، من دون الإشارة إلى مراكز التأهيل والإصلاح، لمساعدتهم في الحصول على فرصة عمل في سوق العمل .» ما المشكلة إذاً؟ يشير راسم إلى أن «العقبة الحقيقية أمام هذه الفئة هي مطالبتهم من قبل أصحاب العمل بالحصول على شهادة عدم محكومية من المحاكم »، ما يكشف ماضيهم الجرمي بالضرورة، ويضعف فرص قبول أصحاب العمل تشغيلهم.

بذلك، يتعرض أفراد هذه الفئة للعقاب مرتين: عند دخولهم مراكز الإصلاح نتيجة مخالفتهم القانون، وعند خروجهم منه ولكن من دون ذنب في المرة الثانية. أستاذ علم اجتماع الجريمة في جامعة مؤتة، رامي الحباشنة، يتناول الأمر بالقول: «إن المجتمع هو الذي يحدد مفهوم الانحراف،

فما يراه مظهراً منحرفاً قد يراه مجتمع آخر سلوكاً عادياً. لهذا ورغم ما تقدمه مراكز الإصلاح والتأهيل من برامج تعديل للسلوك، فإن ثمة أمراً يرتبط بالوصمة الاجتماعية التي يتعرض لها الفرد، إذ يتحدد نوع سلوك الفرد من خلال مفاهيم النظام الاجتماعي .» يتابع الحباشنة شارحاً: «مثلاً إذا ألصقت تهمة السرقة بشخص ما، فإنه سيشعر بالإهانة، لأن التهمة تعني افتضاح أمره بين الناس، وانعكاس ذلك على تعامل الآخرين معه ». ويتساءل: «كيف يجوز أن يقبل المجتمع تلك المراكز باعتبارها أداة عقاب، ثم لا يقبل نتائج ما تقدمه لنزلائها من برامج تأهيل وتدريب؟ »، مؤكداً أن على المجتمع «الاعتراف بإنسانية المفرج عنهم الذين يطلبون القبول الاجتماعي من خلال العمل، وليس نبذهم واتهامهم .» هكذا، فإن أفراد تلك الفئة هم أمام القانون مواطنون طبيعيون، من حقهم مواصلة حياتهم، بما في ذلك ممارسة العمل وتحصيل الرزق وبناء الأسر، لولا أن المجتمع يعيقهم، ويصرّ على نبذهم. إنها الثقافة الاجتماعية مرة أخرى إذ تخالف حقوق الإنسان ومفاهيمها.

وصمة اجتماعية تحرم خريجي "الإصلاح" من العمل
 
26-Feb-2009
 
العدد 65