العدد 65 - حريات | ||||||||||||||
خلود الجاعوني وفاة ستة نزلاء في مراكز الإصلاح والتأهيل في أقل من شهرين، أي منذ مطلع العام 2009 ، تثير تساؤلات حول وجود إهمال أو تقصير في تقديم حماية طبّية متقدمة، ومعاملة خاصة للنزلاء أو الموقوفين الذين يعانون أمراضاً مزمنة، قد تتسبب بوفاتهم خلف القضبان، بعد أن أشارت تقارير الطب الشرعي في الحالات الست، إلى أن الوفاة نتجت عن أمراض مزمنة كان يعاني منها السجناء قبل سجنهم، منها: التهاب الكبد الوبائي، تكرار الجلطات، تصلب الشرايين، وغيرها. وبينما يطالب المركز الوطني لحقوق الإنسان، إدارة السجون بتقديم رعاية طبية متقدمة «على مدار الساعة » لمن يعانون أمراضاً قاتلة، فإن إدارة السجون تضع الكرة في ملعب النزيل، مع إقرارها بعدم إمكانية تقديم خدمات طبية على مدار الساعة، بخلاف نصوص القانون، بسبب «نقص الكوادر .» مدير إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل، العقيد شريف العمري، يحثّ «النزيل المريض على لفت الانتباه إلى أنه يعاني من مرض أو وجع » حتّى يتسنى لطواقم الحراسة وطبيب السجن متابعة حالته أولاً بأول. وبحسب العقيد العمري، فإنه «لا توجد أماكن في مراكز الإصلاح تفصل المرضى إلا في حالات الأمراض السارية والمعدية، إذ يتم عزلهم عزلاً تاماً »، موضحاً «بصراحة لا بد أن يعاين طبيب المركز هذه الحالات، بحسب القانون، عند دخولهم أو خروجهم من المركز ولدى نقلهم من مركز إلى آخر، أو في أي نقل عادي »، كذلك –يضيف العمري- يجري فحص النزيل قبل وضعه بـ "لحجز الانفرادي وبعد إخراجه منه، بناءً على طلب مدير المركز أو أية جهة قضائية أو بناءً على طلب النزيل نفسه »، وفي حال استدعت حالة النزيل «علاجاً في مستشفى فإن إدارة المركز، بناءً على تقرير طبيب المركز، تتولى نقله إلى المستشفى على أن تتم إعادته بعد علاجه .» لكن المحامية نسرين زريقات، رئيسة وحدة السجون في المركز الوطني لحقوق الإنسان، لا تستبعد الإهمال أو عدم الجدية في التعامل مع الحالات الطارئة. وترجع زريقات غالبية أسباب الوفاة في السجون إلى «التقدم بالعمر، أو الإصابة بأمراض خطيرة، أو الإهمال الصحي، أو عدم الجدية في التعامل مع الوضع الصحي للسجين من حيث عدم إسعافه بالصورة المطلوبة وفي الوقت المناسب، أو بسبب التعذيب ». وترى أن معالجة هذا الأمر تستدعي «متابعة طبية على مدار الساعة للنزلاء المصابين بأمراض مزمنة أو خطيرة، وتقديم غذاء يناسب حالاتهم الصحية، ومتابعة انتظام تناولهم للأدوية في مواعيدها، وتوفير الأدوية أيضاً، وسرعة التعامل مع الحالات الحرجة من دون تباطؤ، وإسعافها بشكل سريع ». هذا الدور، تشرح زريقات، منوط «ابتداءً بوزارة الصحة ممثلة بطبيب السجن وأيضاً بإدارة السجن ،» لذلك فإنها تطالب بـ" متابعة التقارير الصادرة عن الأطباء العاملين في السجون، وكذلك التقارير الصادرة عن الأطباء الشرعيين ولجان التحقيق التي تشكّل عند حدوث الوفاة داخل السجون .» النزلاء ذوو الاحتياجات الطبية الخاصة، يتلقون علاجاً على مدار الساعة، بسبب احتمال تعرضهم لأزمة أثناء غياب طبيب المركز في ساعات الليل، بحسب ما يشرح العمري قائلاً: «في حال عدم وجود الطبيب بعد ساعات الدوام، يتم نقل النزيل إلى المستشفى »، مضيفاً أن «الرعاية الصحية تبدأ عملياً منذ وصول النزيل إلى المركز، وتتنوع لتشمل الفحص الطبي والاهتمام بالعلاج لمن يكون في حاجة إليه، وتوفير الغذاء المناسب مع الاهتمام بالوقاية الصحية المناسبة للإقامة .» ويؤكد العمري وجود «أطباء من وزارة الصحة في مراكز الإصلاح العشرة، إضافة إلى ممرض وصيدلية. وفي الحالات الطارئة أو التي تتطلب عناية متقدمة يتم تحويل النزيل إلى مستشفيات وزارة الصحة لمعالجته على نفقة الموازنة العامة .» على أن العمري يقّر بأن المادة 24 من قانون مراكز الإصلاح والتأهيل، التي تضمن حق النزيل في الحصول على رعاية طبية شاملة، «غير مفعّلة بشكل كامل، نظراً إلى نقص الكوادر الطبية. وعلى سبيل المثال فإن مركز إصلاح وتأهيل الجويدة يدخله يومياً من 100 إلى 150 نزيلاً. وإذا لم يكن الطبيب متواجداً في المركز فلا يجري فحصهم .» آخر حالات الوفاة الست حدثت يوم 22 شباط/ فبراير الحالي، في مركز إصلاح وتأهيل الموقر، جراء إصابة المتوفى بتصلب في الشرايين. الناطق الإعلامي باسم مديرية الأمن العام، محمد الخطيب، قال في تصريحات صحفية إن «النزيل أسعف إلى مستشفى التوتنجي بتاريخ 19 شباط/ فبراير، إثر تعرضه لوعكة صحية، وبقي في المستشفى ثلاثة أيام، وقد جرى إبلاغ إدارة المركز من قبل المستشفى أن النزيل فارق الحياة » مضيفاً «تم إبلاغ المدعي العام المختص الذي قرر تحويل الجثة إلى المركز الوطني للطب الشرعي للكشف عليها وتعليل سبب الوفاة .» تؤوي سجون الأردن أكثر من 7000 نزيل، وهو رقم يتحرك يومياً صعوداً وهبوطاً، فيما تشتكي إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل من اكتظاظ غالبية المراكز، بما يزيد عن طاقتها الاستيعابية. وقد طالب المركز الوطني لحقوق الانسان في تقريره الأخير عن أوضاع السجون بـ تحسين الرعاية الطبية والنفسية المقدمة للنزلاء من خلال الاهتمام بإخضاعهم لفحوص طبية شاملة، وزيادة عدد الأسرة المخصصة لهم في المستشفيات الحكومية والمركز الوطني للطب النفسي وزيادة عدد الأطباء النفسيين الذين يقومون بمتابعة أوضاع النزلاء المصابين بأمراض نفسية .» العمري يشير من جهته إلى أن معدل الوفيات في السجون هو 4 لكل ألف ) 61 ألفاً دخلوا مراكز الإصلاح العام الماضي(، لكن هذا الرقم أقل من المعدل العام في الأردن، الذي تقدره دائرة الإحصاءات العامة بـ 7 لكل ألف مواطن. ويرى أيضاً أن أجواء السجن «النفسية السالبة لدى النزيل كالإحساس بالظلم أو الندم والظروف المحيطة والعائلية والأسباب المادية تحدث تغييرات فسيولوجية ونفسية لدى النزيل، وتساهم بإصابته بأمراض، فضلاً عن وجود نزلاء يعانون بعض الأمراض أصلاً .» زريقات تلاحظ أن «التقارير الصادرة عن الطبيب الشرعي تقتصر على تبيان سبب الوفاة من الناحية الطبية وفي ما إذا كانت الوفاة طبيعية أم لا »، مضيفة أنه «في حالة وجود وفاة تحت شبهة التعذيب يتم إصدار تقرير بهذا المضمون، ويصار إلى تشكيل هيئة تحقيق في ظروف الوفاة وأسبابها، ويُحال المسؤول أو المسؤولون عن جرم التعذيب إلى محكمة الشرطة .»غير أن رئيس المركز الوطني للطب الشرعي، مؤمن الحديدي، يؤكد أن المركز الوطني يسلم «جميع تقاريره إلى المدعي العام المختص الذي يقوم بدوره بالتحقيق .» مشيراً إلى أن أسباب وفيات السجون، كما توصلت إليها الفحوص، تعود إما «لأسباب مرضية، أو خلل في الإجراءات الطبية، وبعضها نتج عن إصابات .» الحديدي ينفي وجود تدخل في عمل المركز، مؤكداً أن «تقاريره تحظى دوماً باحترام الجهات التحقيقية »، لكنه لا يُفصح عن فحوى تقاريره «عبر وسائل الإعلام أو المراكز التي تعنى بقضايا حقوق الإنسان » لأن «المسؤول عن هذه التقارير والإفصاح عنها هو المدعي العام المختص فقط .» يُذكر أنه في العام الماضي 2008 ، سجلت 29 حالة وفاة في السجون، 23 منها طبيعية ناجمة عن أمراض مختلفة، وواحدة في عملية انتحار، فيما فارق نزيلان الحياة بعد أن شربا «كولونيا »، وقضى ثلاثة حرقاً في حادثة شغب داخل سجن الموقر. |
|
|||||||||||||