العدد 2 - أردني | ||||||||||||||
يضع صانع القرار الإخوان المسلمين وذراعهم السياسية، جبهة العمل الإسلامي، على رأس التحديّات التي تواجه الأردن لكن دون أن يقلّل من مخاطر أنصار تنظيم القاعدة عابر القارات والتكفيريين، على ما يتسرّب عن دوائر صناعة القرار.
على أن قيادة جبهة العمل الإسلامي ترفض ذلك معتبرة أن "التخويف من الحركة الإسلامية" يستهدف التهرب من استحقاقات الإصلاحات في البلاد.
عين على البرلمان
محور هذا التحدّي يدور، بحسب القائمين على المطبخ السياسي، حول فرضية أن هذا التيار المنظم وفق هياكل من القمّة إلى القاعدة- يسعى للصعود إلى حلقات صنع القرار – عبر صناديق الاقتراع والتحالفات السرّية – وصولا إلى فرض أجندته على البلاد.
بكلمات أخرى يرى صانع القرار أن هنّاك زحفاً مبرمجاً باتجاه القمّة، بخلاف تدميرية القاعدة وعشوائية تخطيط التكفيريين.
فعين جبهة العمل الإسلامي على أكثرية مؤثرة في مجلس النواب بعد أن تراجع نفوذها في النقابات، ومجالس طلبة الجامعات، والبلديات.
يزيد من مخاوف السلطات إزاحة في مرجعيات قيادات الإخوان، إذ تتهمها دوائر سياسية بالدوران في فلك حماس الغزّية-الدمشقية أو عمائم قم الإيرانية.
هذا التقارب في الأفكار مع الحوزة الإيرانية، المرّكز داخل أجنحة متشددة مقربة من حماس، يتناقض مع روح الفكر الإخواني السنّي غير المتآلف مع عقيدة الثورة الشيعية في إيران.
الجبهة تنفي وتنتقد
أمين عام جبهة العمل الإسلامي زكي بني ارشيد يرفض المخاوف الرسمية. يقول بني ارشيد في مقابلة مع "السِّجل" "أعتقد جازماً بأن هناك أوهاماً تصنع في بعض مراكز القوى أو بعض المؤسسات هدفها التخويف من الحركة الإسلامية".
الهدف من هذه "الإسلاموفوبيا"، يضيف القيادي الإسلامي الذي لا يرتبط بعلاقات علنية طيّبة مع السلطات، "توظيف هذا التخويف من أجل الإبقاء على من استحوذ على النفوذ السياسي والمالي والاقتصادي ومارسوا التجارة والبزنس تحت عنوان السياسة". هذه الفئة، بحسب بني ارشيد، تسعى للحفاظ على مكتسباتها وتحاول وتوظف الفزاعة حتى تكون معيقاً أمام أي إصلاح سياسي قادم".
مع أن أصحاب القرار لا يقلّلون من مخاطر تنامي الفكر التكفيري وتسلل عقائدية القاعدة، إلا أنهم يرون أن التحدي الأكبر يأتي من التيار الإسلامي المنظم، الذي تعمق مع صعود حليفهم الفلسطيني حماس إلى مقاعد الحكومة عبر انتخابات العام 2005 والانقلاب العسكري في قطاع غزه هذا الصيف. عين الإسلاميين أيضا على نجاحات حلفائهم المتلاحقة في الإقليم من مصر إلى تركيا.
السعي لتشكيل الحكومة
في الذاكرة كذلك التصريح الذي أطلقه عزّام هنيدي، رئيس كتلة جبهة العمل الإسلامي التي كانت تهيمن على 17 من مقاعد المجلس النيابي الـ 110. إذ نسب إليه قوله عقب اكتساح حماس الانتخابات أن الحركة الإسلامية في الأردن باتت جاهزة لتشكيل الحكومة.
برأي المسؤولين، يسعى التيار الذي اكتفى حتى الآن بالجانب الدعوي والتوعوي والاجتماعي، لفرض رأيه على الحياة السياسية.
يتهم مسؤولون رموزاً متشددة في التيار بالاستقواء على الحكومة عبر محاولة إسقاط التجربة الفلسطينية أو اللبنانية على الساحة الأردنية. الرواية الرسمية تصر على أن حركة حماس اخترقت هرم وقواعد التيار دون علم قياداته، وأخذت تجنّد شبابه. من هنا جاءت سلسلة اعتقالات في صفوفهم بعد التغيّر في موقف السلطة حيال الإخوان المسلمين والجبهة ضمن استراتيجية أمنية لرفع الغطاء عنهم وكبح نفوذهم السياسي، والدعوي والاجتماعي من خلال القانون.
إذ صدرت تشريعات تقنن الإفتاء، تحصر الخطابة بالمساجد بالشيوخ المعينين رسمياً. الأهم أن الحكومة قصقصت أجنحة الإخوان المالية بعد أن وضعت يدها- بشبهة الفساد- على جمعية المركز الإسلامي- بيت مال الجماعة.
من شأن تلك الإجراءات الاستباقية أن تقلّل فرص انتشار وفوز المرشحين الإسلاميين في الانتخابات التشريعية المقبلة.
الخطر التكفيري
بالتوازي، تعكف الأجهزة الأمنية والاستخبارية على محاربة الخطر الخارجي الأول القادم من تنظيم القاعدة الأم وتفرعاته الإقليمية، ومنها في العراق الذي تحّول إلى مفرخة للإرهاب بعد فشل أميركا العسكري والسياسي، بحسب خبراء في شأن الحركات الإسلامية.
أصحاب الفكر التكفيري، الذين يقدر عددهم ببضعة عشرات، يختلفون عن خلايا القاعدة الكونية وحركة الإخوان، المتفرعة عن تنظيم عالمي انطلق من القاهرة عام 1928.
إذ مع أن "للقاعدة تنظيمات عنقودية متعددة لكنّها ترتكز إلى عقيدة مركزية وترتبط بمرجعية يمثّلها المنشق السعودي أسامة بن لادن" المتواري بين أفغانستان وباكستان منذ ست سنوات. أما "التكفيريون في الأردن فلا توجد لهم مرجعية خارجية تديرهم أو تمولّهم".
لذلك فبعكس "تنظيم القاعدة وحركة الإخوان والجبهة فإن التكفيريين لا فكر لهم ولا هيكلية تنظيمية واضحة. لا منهجية في العمل، لا منطق ولا مسلكيات حسنة، وإلا لكانت هذه العناصر قد نجحت في إيذاء الدولة".
تأثر تكفيريو الأردن، إلى حد كبير، بفكر سجين قفقفا الشيخ عصام البرقاوي، الملقب بأبي محمد المقدسي، صاحب موقع إلكتروني باسمه ومؤلف عشرات الكتب والرسائل التي تكفّر الأنظمة الإسلامية، وتنتقد نهج الإخوان المسلمين في العمل السياسي والعام.
تسربت معلومات بأن المقدسي، الموقوف في سجن المخابرات دون محاكمة منذ سنتين "تراجع" أمام المحقّقين عن دعوات التكفير.
هذا المنظر السلفي، الأردني من أصول فلسطينية، كان يقيم في الكويت ثم أستقر في المملكة بعد حرب الخليج الأولى عام 1991.
أجندة الدولة
التعامل مع التكفيريين يرتكز، بحسب مسؤول آخر، إلى عدة زوايا متداخلة بين الأمني والتنموي والفكري والسياسي. وهي تشكل بمجملها أجندة الدولة وأجهزتها المختلفة". يضيف المسؤول "هناك متابعات أمنية لنشاطات التكفيريين، واستدعاءات متكررة واعتقالات في مختلف مدن المملكة".
ولم تترك الاعتقالات أنصاراً متشددين في جبهة العمل الإسلامي، تقول السلطات إن ملفاتهم ستعلن في حينه.
في منتصف العام الماضي اتهمت الحكـــومة أعضاء في جبهة العمل مقربين من حماس بمحاولة زعزعة استقرار المملكة.
أعداد المنتظمين من التكفيريين لا يتجاوز الـ 200 شخص في المملكة بحسب التقديــرات الرسمية، بمن فيهم 50 شاباً في معان، الرقم الأكـــبر على مستوى المملــكة.
لكن حزبيين في معان وسكان محليين ونشطاء جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية لحركة الإخوان المسلمين- التي اعتمـــدت عليها الدولة لخمسة عقود في محاربة المـــد الشيوعي والقومي قبل أن تنقلب الآية مــؤخراً - يقدّرون عدد التكفيريين الملتزمين علناً في معان بحدود 350 رجلاً ما عدا الذين يصنفون في خانة "الأطر الصديقة".
يستغل التكفيريون، بصورة عامة، حالة التدّين المتجذرة في هذه المجتمعات المحافظة، وفشل الحكومات في إدارة الكثير من الملفات الخدماتية والتنموية والاقتصادية، وأجواء خيبة ويأس وعزلة عمقتّها تحديات الفقر والبطالة والفساد وسياسات أميركا وإسرائيل المناوئة للعرب والمسلمين.
بحسب مسؤولين ونشطاء حزبيين مطلعين على تمدد التكفيريين في المملكة، فإن الأجهزة الأمنية والاستخبارية التي اخترقت هذه الجماعات تبقي مساحة انكشاف مشتركة يستفيد منها الجانبان.
التيار الإسلامي الأوسع في مـــعان ينتقد تصرفات التكفيريين. ويخشى أتــباع هذا التيار من أن تساهم سياسة الإقصاء التي تمارس علــيهم في تنامي المد التكفيري، لكن السلـــطــة تعتقد أن الإسلاميين التقليديين يوظـــفون "بعـــبع" التكفيريين كفزاعة" لدفع الحــكومات إلى إعــادتهم لحضنها.
تغييرات مرتقبة
المرجعيات السياسية والأمنية والحكومية لديها خطط قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل لمحاربة المد التكفيري، وهي مهمة صعبة بسبب الأوضاع الاقتصادية الضاغطة وحالة عدم الاستقرار السياسي في الشرق الأوسط.
بعد أن تلتقط الحكومة أنفاسها من الانتخابات التشريعية في 20 تشرين الثاني (نوفمبر) من المنتظر إجراء سلسلة تغييرات لتعزيز هيبة الدولة، بما فيها إجراء تغيّرات ومناقلات شملت وستطال محافظين وأمنيين وإداريين محليين ممن "يظهرون مرونة زائدة تجاه التكفيريين على حساب أجندة الدولة وأولوياتها".
بعدها سيتم الحديث إلى وجهاء المجتمعات المحلية لوضع حد لفوضى التكفيريين، لا سيما في معان، بسبب الخصوصية السياسية الأمنية لهذه المدينة، وذلك لفرض الهيبة والقانون.
بالتزامن مع ذلك يتم تنفيذ عدد من المشاريع التنموية السريعة اضـــافـــــة الى إطــلاق خطط يشرف عليهــــا القصــر لإقـــامـــة مناطق اقتصادية تنموية تزاوج بين الحداثة وتقاليد المجتمعــات المحليــة على أمل وقف الهجرة المستمرة من المحافظات الأقل حظاً، وتحقيق نمو اقتصادي قادر على مكــافحة ثــالوث الفقر، والبطالة، والتكفير.
تلك المشــاريع انطـلقت في مدينـة العقبةـ المطلة على البحر الأحمر-وإربد ثم المفرق-والآن معــان، وقريباً في البــاديــة الشرقيــة بدءاً من واحــة الأزرق. |
|
|||||||||||||