العدد 65 - كتاب | ||||||||||||||
نعرف من النظريات والقواعد الاقتصادية والمالية، وكذلك من الاتجاهات والوقائع على الأرض، وبخاصة في الاقتصاد الرأسمالي، أن سعر صرف أي عملة مقابل العملات الأخرى، ومدى جاذبيتها لتكون مستودعاً للقيمة وقناة إدخارية، تتوازى مع سعر الفائدة المقرر أو السائد ارتفاعاً أو هبوطاً بحيث يرتفع سعر صرف العملة مع وفي موازاة ارتفاع سعر الفائدة وينخفض مع هبوط الأخيرة، وأيضاً مع مستوى معدل التضخم والهامش من العائد الذي يبقى للمدخر بهذه العملة أو تلك. هذا أولاً، وثانياً، يتجه سعر صرف أي عملة مع مستوى الطلب عليه في الخارج، ويتحقق ذلك في الحالة التي يتسم بها بلد العملة الذي تزيد صادراته على مستورداته، وبما يحقق فائضاً في الميزان التجاري، وينعكس على ارتفاع أو تحسن سعر صرفه، وبالعكس في وضع العجز التجاري. وإلى جانب متانة تجارة البلد الخارجية، فإنّ قيمة أي عملة مقابل العملات الأخرى، تتوقف على درجة نمو وتطور وقوة ومرتكزات وقدرات هذا الاقتصاد وتوازنها في مختلف فروعه ومكوناته وآفاق استمرارها وتحسنها. في ما يتعلق بالدولار، فإنّ المفارقة في اتجاهات قيمة أو سعر صرفه أنها اتجهت في الفترة الأخيرة، بخلاف ما تفرضه النظريات والقواعد الاقتصادية والمالية، بما يمكننا وصفه بأنه سار ضد التيار. فمع انفجار الأزمة المالية والاقتصادية واستمرارها واشتدادها وامتدادها إلى فروع ومكونات هيكلية الاقتصاد الأميركي كافة، وتفاقم تداعياتها الاجتماعية، كان من المنتظر أن يكون الدولار الأميركي أحد ضحاياها، أو حتى الضحية الأولى، وأن يستمر سعر صرفه في الهبوط، وبوتيرة أسرع، ولكنه، ولسبب أو أسباب يصعب فهمها، اتجهت قيمته إلى الارتفاع الملحوظ مقابل العملات الأخرى خلال شهور قليلة وبنسبة قاربت ) 21 في المئة( في المتوسط مقابل اليورو والعملات الرئيسة الأخرى. الاختلال في تجارة الولايات المتحدة الخارجية، ومعاناتها من عجز كبير متزايد قارب ) 700 ( بليون دولار سنوياً، يعكس ما كان متوقعاً من تأثير سلبي له على الدولار، فإنّ الأخير كما لاحظنا استمر مؤخراً في الارتفاع إلى مستوى قياسي بأكثر من معيار. وفي محاولة لمواجهة إعصار الأزمة الضيقة التي هزّت أركان الاقتصاد الأميركي، والتطلع إلى انتشاله من وضع الانكماش المتواتر، عمد بنك الاحتياط الفدرالي الأميركي إلى تقرير سلسلة من التخفيضات في سعر الفائدة إلى ما يقرب من الصفر )ربع في المئة( فقط. هنا، وبعكس الاستنتاجات المالية والنقدية الكلاسيكية، فإنّ قيمة الدولار أو سعر صرفه لم تتجه إلى الانخفاض في موازاة تدهور سعر الفائدة، بل تسارع تحسنه وقيمته. فلماذا سار الدولار ضد التيار، أو ضد ما يمكن توقعه استناداً إلى نظريات وقواعد ووقائع اقتصادية ومالية علمية وعملية؟ التفسير الأول، أو الإجابة الأولى تتصل بأن زلزال الأزمة الرأسمالية العامة لم يقتصر على الاقتصاد الأميركي فقط، بل طاول اقتصادات رأسمالية متطورة أخرى، ومنها الألماني، والفرنسي، والبريطاني والياباني، على سبيل المثال، والبعض يعتقد بأنها هنا أشد مما حدث في أميركا. وثمة تفسير آخر، يمكن أن يكون أقرب إلى الدقة، ويتصل بكون الدولار ما يزال عملة الاحتياط الدولي الأولى، ومن ثم، فإنّ الطلب عليه لا يتوقف فقط على الوقائع والحقائق الاقتصادية والمالية، وبأن الولايات المتحدة، وبقرارات فردية إدارية منها، ما تزال في وضع يمكّنها من التأثير في الاتجاهين في سعر صرف الدولار )وغير الدولار، كما في اتجاهات سعر النفط وتذبذباته الحادة(. ومع التقدير للشروحات والتبريرات السابقة، فإن القفزة الكبيرة في ارتفاع قيمة الدولار في الفترة الأخيرة القصيرة تشكل حالة «شاذة » أو وضعاً واتجاهاً «مؤقتاً » يصعب أو يستحيل استمراره، وأن الفرضيات والقواعد الاقتصادية والمالية والنقدية والاجتماعية في الولايات المتحدة، والتغييرات نحو الأفضل في الخارج، أو في الاقتصاديات الأخرى، ستؤدي في الأجل القريب إلى ردة فعل معاكسة في اتجاه انخفاض قيمة الدولار، وبهزة أكبر، وبخاصة مع استفحال العجز في الموازنة، والتجارة الخارجية، وفي بنية الاقتصاد الأميركي، وردّات وصدمات أخرى متعددة الجوانب والتأثير. |
|
|||||||||||||