العدد 65 - اقليمي | ||||||||||||||
سليم القانوني من راهنوا بأن التغيير الثوري في بلاد فارس، سوف يغير المعادلات في منطقة الخليج والشرق الأوسط، من حقهم الشعور بعد ثلاثة عقود على هذا الحدث، بأنهم فازوا في الرهان. لكن من هم الذي عقدوا مثل هذا الرهان؟. في واقع الحال إنهم كثر. في مقدمهم رجال الدين الذين رأوا في الإمام الخميني عمامته السوداء ومركزه الديني الرفيع وكاريزماه الشخصية، والذين ساورهم الطموح بانتهاء الحكم الإمبراطوري الذي يستند إلى مفاهيم وركائز دنيوية. لقد نجح رهانهم، فرجال الدين ما انفكوا يتبوأون أعلى المواقع ابتداء من المرشد إلى القضاء، إلى هيئات عليا مثل: «مجلس صيانة الدستور »، و «مجلس تشخيص مصلحة النظام » وهي هيئات تتبع للمرشد الذي يزكيه رجال دين، أما رئيس الجمهورية ومثله رئيس الوزراء، فمناصبهم دنيوية، فهم مختارون من الشعب وصلاحياتهم تنفيذية في الأساس.. أما صناعة القرارات فهي منوطة بالمرشد الخامئني ونخبة مستشاريه. هناك آخرون عقدوا الرهان على الوعود التي حملتها الانتفاضة المدنية ضد أعتى النظم الامبراطورية. في إيران كان بين المراهنين حركات يسارية وديمقراطية: حزب تودة الشيوعي، وحركة بناء إيران الليبرالية، ومجاهدو خلق اليسارية الإسلامية. هؤلاء سرعان ما أخرجوا من إطار الحكم، ومنهم رئيس الجمهورية بني صدر، ورئيس الوزراء مهدي بازركان، فيما تم تصفية منظمة مجاهدي خلق في الداخل التي انتقلت إلى العراق، في ظل احتدام الصراع والتنافس بين الجارين الكبيرين وبعد نحو عام واحد على التغيير في طهران. هؤلاء لم ينجح رهانهم، إذ لم تتسع الثورة لهم رغم أنهم من المناضلين ضد نظام الشاه ومن المبشرين بالتغيير وممن أسهموا في تحقيقه جنباً إلى جنب مع رجال الدين. وبينما ضاقت مع الوقت الصفة التمثيلية للحكم، وذلك مع تركزه في لون أيديولوجي واحد ومع الحد من التعددية السياسية، فقد نحج الحكم في ابتداع ديمقراطيته الخاصة التي أخذت من النموذج الاشتراكي اللون العقائدي الواحد المسموح به )مع تدرجات هذا اللون( والسيطرة على المنابر الإعلامية الرسمية )الإذاعة والتلفزيون( ومن النموذج الليبرالي صيغة الانتخابات المباشرة والاقتراع السري، ولكن مع تدخل مسبق بإقصاء غير المرضي عنهم مسبقاً. وقد استقر الحكم وجرى تداوله على هذا الأساس الممسوك. وهو ما يفسر أن ولايتين للرئيس السابق محمد خاتمي، لم تفلح في تغيير المعادلات الداخلية.وذلك نتيجة الصلاحيات المحدودة الممنوحة لرئيس الجمهورية التي تجعل الإشراف على الإذاعة والتلفزيون، على سبيل المثال، خارج نطاق صلاحياته. فكيف بالحرس الثوري )الباسيج( المولج بضبط الوضع في الشارع وعلى الخصوص في الجامعات؟. على أن الحكم في طهران ينأى بنفسه، عن أن يوصف بحكم ديمقراطي على «الطريقة الغربية » مما يجعل المؤاخذات عليه ضمن هذا المنظور غير ذات بال. رغم أن الاعتراضات على نظام الشاه، من طرف الذين وصلوا للحكم لاحقاً، كانت تشمل منظوراً غربياً،حين يتعلق الأمر بالحريات العامة والانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان. بخلاف الوضع الداخلي، فإن المركز الإقليمي للجمهورية الإسلامية قد تحسن في العقود الثلاثة الماضية. فقد صمدت الجمهورية في الحرب الطويلة مع النظام العراقي السابق الذي لقي تأييداً من العرب والغرب، وأمكن للجمهورية أن تعبر عصر التصنيع الحربي. وفيما عمدت واشنطن لاحتواء النظام الإسلامي، فقد نجحت طهران في الإبقاء على علاقات وثيقة مع الاتحاد السوفييتي السابق، ثم مع الاتحاد الروسي، إلى جانب العلاقات مع الصين. ونجحت خلال ذلك في تحييد أطراف أوروبية ظلت على علاقات وثيقة مع طهران مثل ألمانيا. وبعد أن وضت الحرب العراقية – الإيرانية أوزارها أواخر الثمانينيات، أخذت الجمهورية الإسلامية تستعيد مكانتها في منظمة المؤتمر الإسلامي ومع غالبية الدول العربية، وبخاصة في عهد خاتمي. ولم يكن توقف الحرب بين الجارين هو العامل الوحيد في عودة المياه إلى مجاريها، إذ إن احتلال الكويت العام 1990 أسهم في إعادة رسم المعادلات والتوازنات، فتقدمت طهران باعتبارها شريكة لإنقاذ العالم العربي من «شرور النظام البعثي ».وحدث بذلك أول التقاء مصالح بينها وبين «الشيطان الأكبر .» ونشأت بعد حرب عاصفة الصحراء منظومة تضم دول الخليج، وسورية، وإيران، ولم تلبث هذه المنظومة أن انفرطت، لكنها أسست لتلاقٍ خليجي إيراني، وإن ظلت تعتريه التقلبات. لكنه في المحصلة ظل قائماً، لدرجة أن أحمدي نجاد دعي مرة إلى قمة خليجية في الدوحة، ثم إلى قمة أخرى يفترض أنها عربية في العاصمة نفسها. .أما الجزر الثلاث التي تتمسك الإمارات بملكيتها وكانت إيران الشهنشاهية قد استولت عليها عشية استقلال دولة الإمارات، فتعتبرها الجمهورية الإسلامية مُلكية إيرانية غير قابلة للتفاوض. دون أن يوقف ذلك مجرى العلاقات مع دول المنطقة. أما العامل الحاسم في تعزيز مكانة طهران، فتبدى في الحرب على العراق، كما الحملة على طالبان والقاعدة في أفغانستان. فقد وفّر هذا التطور الدراماتيكي مرة أخرى، ولكن بصورة أكبر، فرصة لتعزيز الدور الإيراني في الإقليم. فقد نشأت مساحة واسعة من تلاقي المصالح مجدداً. وقد أمكن لطهران أن تقطف ثمرات الجهد الحربي الأميركي دون أن تتخلى عن الخطاب المناوىء لواشنطن، وبغير أن تتنازل هذه عن عدائها الأيديولوجي «مع إمبراطورية الشر .» في هذه الأثناء، كانت طهران بما يتعدى مكاسبها في العراق، قد حققت نتيجتين باهرتين. الأولى : استبدال فكرة تصدير الثورةالتي تعود إلى بواكير الثورة، بتوطيد التحالف مع حركات مقاومة صاعدة هي: حزب الله في لبنان، وحركتي حماس، والجهاد الإسلامي في فلسطين. طرد الاحتلال من جنوب لينان بغير تفاوض وعلى وقع الضغط العسكري لحزب الله، عزز صورة إيران كما نفوذها «الجماهيري » في غير بلد عربي. كذلك الأمر مع حركة حماس لاحقاً، التي ربما تلقت دروساً في البراغماتية من طهران، ودمشق مكنها من استثمار وجود السلطة الفلسطينية «الممقوتة » للقفز على مؤسسات هذه السلطة عبر صناديق الاقتراع. التطور الثاني هو التقدم في الملف النووي، وعلى وقع الاضطراب الأمني في العراق بفعل نشاط حركات المقاومة هناك ضد القوات الأميركية. في عهد بوش وقبل شهر فقط من الآن، كان الحديث يجري عن خيارات مفتوحة )من ضمنها حُكماً الخيار العسكري( ضد طهران، في عهد أوباما يجري التحضير للحوار مع الرئيس أحمدي نجاد الذي يوصف بأنه كان في عداد الطلبة الذين احتلوا السفارة الأميركية بعد شهور على نجاح الثورة، أما تل أبيب، فترى في الجمهورية خطراً استراتيجياً، وبذلك تنجح طهران في المباعدة بين الحليفين. |
|
|||||||||||||