العدد 65 - الملف
 

دلال سلامة

"الفن ليس لوحة تُعلَّق على جدار. التحدي الحقيقي هو أن يصير الفن إيقاع يومك، وتفاصيل حياتك كلها" . بهذه الكلمات يصف النحات والفنان التشكيلي عبد العزيز أبو غزالة تجربته في محترف رمال الذي أسسه، ليكون واحدا من مبادرات عديدة يقوم بها أفراد يسعون، بإمكانياتهم المحدودة، إلى سدّ ثغرات يعاني منها المشهد الثقافي الأردني. المحترَف المكون من صالة لعرض اللوحات، ومسرح صغير، وقاعة لعرض

السينما ومرسم ومكتبة، إضافة إلى حديقته، يشغل في جبل اللويبدة منزلا قديما عمره 90 سنة، قام الفنان بتصميم ديكوراته الداخلية بنفسه، وهي ديكورات حافظت على روح المكان والزمان في الموقع.

"المحتَرف" يشكل تجربة خاصة من نواح عدة، فهو أولا ينهض بعبء لا يقوم به في العادة أفراد بل مؤسسات، فهو بالإضافة على كونه ملتقى يعقد أمسيات شعرية وأدبية، ويقيم عروضاً سينمائية ومسرحية، مكان مفتوح للفنانين، إذ يقدم لهم مكانا يشتغلون فيه على إبداعاتهم من نحت وتشكيل وموسيقى ومسرح، فلا يقدم المكان فحسب، بل والخامات الأولية، التي يتحمل كلفتها الفنان أبو غزالة "شكل هذا عبئا ماليا عليّ،

ولكنني بمرور الوقت استطعت خلق حالة من التوازن بين ما أحصل عليه من عملي، وما أنفقه على المحترف".

دخل المحتَرف يأتي من الأعمال الفنية التي تباع في المعارض التي يقيمها، ذلك أن الرسوم الرمزية للدورات الفنية المتخصصة التي يقيمها تغطي بالكاد تكاليفها، كما أن المحتَرف المفتوح من الحادية عشرة صباحا إلى الحادية عشرة ليلا أمام الزوار، لا يتقاضى أي رسم دخول. إضافة إلى التشكيل والنحت والموسيقى، يحتضن المحتَرف فعاليات مسرحية، إذ يحتضن هذه الأيام ورشةً مسرحية تقوم بإعداد نص شكسبير"حلم ليلة صيف". المسرحية التي تقوم على جهد مجموعة من الهواة، من المقرر عرضها في منتصف آذار/ مارس من العام الجاري على مسرح المركز

الثقافي الملكي. يشدد أبو غزالة على أن المحتَرف لا يسعى إلى تكريس توجه فكري معين، بل يحرص على الانفتاح على التجارب الجديدة المغايرة

لما هو مطروح على الساحة. مقهى جفرا تجربة أخرى مميزة، إنها، كما يقول عزيز المشايخ، مؤسس المقهى، «محاولة لإعادة الدور التاريخي للمقاهي، عندما كانت مراكز حراك ثقافي، وملتقى لمثقفين من رجالات الأدب والسياسة .» وهذا ما يحاول المقهى الذي افتتح العام 2006 ، أن يفعله، فهو ليس مقهى تقليديا يقدم الطعام والمشروبات فقط، بل يحتضن الكثير من الفعاليات الثقافية من أمسيات شعرية وقصصية وموسيقية، كما تقام فيه حفلات لتوقيع الكتب، وبحسب المشايخ، فإن الحضور الجماهيري كان دائما أعلى من المتوقع، وهذا ما دفعه إلى الدخول في مشروع إنشاء مسرح وقاعة سينما في الطابق الثاني للمقهى. التأثير الحقيقي لمراكز حراك ثقافي مثل هذه يكمن في سعيها لتكون "منبراً لمن لا منبر له"، وهذا ما يؤكده المشايخ الذي يقول إن المقهى يسعى إلى تقديم تجارب جديدة مثل حفلات توقيع لكتب أولى، وأمسيات موسيقية لمغنين شبان لا مساحة لهم في وسائل الإعلام.

الانفتاح في رأي المشايخ لا يكون فقط على تجارب إبداعية مختلفة، بل يكون أيضا على فئات اجتماعية متنوعة، «نسعى لأن نكون مقهى ثقافيا، ولكن الزائر للمكان لا يجد أن رواده من المثقفين فقط. هناك مثلا عائلات ترتاد المكان مع أطفالها، فالثقافة في النهاية فعل جماعي، وتنوع الرواد لا يُضيّع هوية المقهى، بل يعززه .» يقدم جفرا أيضا لرواده مكتبة مفتوحة، فيها ما يقارب السبعمئة كتاب، وهي كتب كانت، في الأساس، تقدمة من أصدقاء المقهى. «دارة الفنون »، مؤسسة أخرى تسعى ومن خلال جهود غير ربحية إلى التأثير في المشهد الثقافي. أنشئت الدارة في العام 1993 ، لتكون منبراً حيوياً متجدداً متخصصاً بالفنون البصرية، ولتكون، بحسب هيا صالح، مسؤولة الإعلام فيها «بيتا للفن والفنانين، لهذا عملت

على تحقيق رؤيتها من خلال استقطاب الطاقات الإبداعية، ومختلف أشكال التعبير الفني ودعمها، ومواكبة التجارب الجديدة .» الدارة مكونة من ثلاثة بيوت تراثية أنشئت في عشرينيات القرن الماضي، إضافة إلى آثار كنيسة بيزنطية تعود إلى القرن السادس الميلادي، والمباني مقامة على أرض مساحتها أربعة دونمات.

كانت الدارة في الأساس تابعة لمؤسسة عبد الحميد شومان، ولكنها العام 2002 ، ألحقت بمؤسسة خالد شومان، وهي مؤسسة خاصة غير ربحية أنشأتها الفنانة التشكيلية سهى شومان تخليدا لذكرى زوجها المصرفي الراحل خالد شومان الذي عرف بحبه للفنون ورعايته لها. لهذا تقوم الدارة، وعلى مدار العام، بعرض أعمال فنية من المجموعة الخاصة بخالد شومان، إضافة إلى المعارض الفنية الدورية التي تقيمها، وهي معارض انفتحت على تجارب متنوعة لفنانين من الأردن والوطن العربي والعالم.

في الدارة مجموعة محترفات تحتل الطابق الأرضي من المبنى الرئيسي، وهي مفتوحة للفنانين على مدار السنة، وتقدم لهم التسهيلات التقنية كافة، فضلا عن توفير فرص للتدرب على أيدي مختصين من فنانين أو مقيمين تجري استضافتهم. الراصد لأنشطتها يجد أن التواصل هو الأساس الذي تقوم عليه رؤية الدارة؛ التواصل بين القديم والحديث، فأقيم معرض بعنوان «إرث الصحراء » احتفاء بما استوحى من الصحراء على امتداد العصور. كما عرضت تجارب لفنانين من الأردن والوطن العربي والعالم، ويعتبر برنامج «فنانون مقيمون » أحد البرامج الداعمة لهذا التواصل الجغرافي. بحسب صالح فإن البرنامج الذي يعمل على تنمية الحوار والتبادل الفني، وجّه الدعوات إلى عدد من الفنانين لعرض إنتاجهم، وتنظم

الدورات العملية في مجالات اختصاصهم. وضمن البرنامج نفسه يُرسل فنانون أردنيون إلى الخارج.

جمان النمري، مصورة فوتوغرافية، كانت واحدة ممن استفادوا من البرنامج، فأرسلت في العام الماضي إلى سويسرا لمدة شهرين، حيث قدم لها أستوديو، ومنحة مالية، بالإضافة إلى تذاكر مجانية لدخول المتاحف «كانت هذه تجربة رائعة، تعرفت إلى فنانين من مختلف أنحاء العالم، وعلى طرق عمل جديدة، واللوحات العظيمة التي كنت أراها في الكتب، شاهدتها حيّة أمامي .» تضع الدارة أيضا تحت تصرف روادها، مكتبة كبيرة مزودة بمجموعة من الكتب المرجعية باللغتين العربية والإنجليزية، عن تاريخ الفن والمدارس والاتجاهات الفنية في العالم، كما نفذت عبر برنامج النشر مجموعة من الإصدارات المتعلقة بالفن.

مبادرات فردية تحوّل الفن إلى إيقاع حياة
 
26-Feb-2009
 
العدد 65