العدد 65 - أردني | ||||||||||||||
عطاف الروضان الإصلاح «بدُّه زلومية». هكذا وصف أحد رجال الدولة في لقاءٍ اجتماعيّ، موقف الحكومة وقد كان وزيراً فيها. الإشارة، على سلبيتها الذكورية، تعني عدم قدرة رجل الدولة، الذي طلب عدم نشر اسمه، هو ورئيس الحكومة وفريقه الوزاري، على التصدي لسياسات الاسترضاء لنواب وأعيان، ووجهاء مناطق، وشيوخ عشائر وأقرباء. هذه السياسات في مجملها، قد تخدم الشخص لذاته، لكنها تلحق الضرر بالوطن، ما يؤدي إلى تعطيل عملية الإصلاح وانهيار الحكومات. حكومة الذهبي ربما لا تكون في منأى عن هذا المصير، حتى بعد التعديل الأول عليها منذ تشكيلها في تشرين الثاني/نوفمبر 2007، لأنها بهذه التشكيلة عاجزة عن نقل المجتمع إلى حالة أخرى أرقى نوعياً؛ جوهرها تحسين مستوى حياة المواطنين، وإيجاد فضاء عام يتمتع بالحرية، نابض بالحيوية، في دولة القانون والمواطنة الكاملة. بعد ترقُّب استكمال المشاورات حتى الساعات الأخيرة، خرجت تشكيلة التعديل ظهيرة الاثنين الفائت، بصورة باهتة، وأقرب للتبديل منها للتعديل، بعد تأكيدات أن التعديل، سوف يكون نوعياً وبرامجياً، إلا أنه خضع في النهاية لحسابات «المعادلة الأردنية»، وأعاد وجوهاً تقليدية مجرَّبة لم يَحْظَ أداء بعضها بالرضا المناسب. تسريبات موعد التعديل بدأت أواخر العام الفائت، وسيقت من مصادر مقربة، مبرراتٌ مختلفة لتأجيله مراراً، راوحت بين العدوان على غزة، وانتهاء الدورة البرلمانية، والتغييرات التي طاولت رئيس الديوان السابق باسم عوض الله، ومدير المخابرات السابق محمد الذهبي. «حجار شطرنج وتلبيس طواقي»، وصف آخر للتعديل أطلقته «شهد» (معلمة في المفرق)، و»عبادة» (مهندس من الطفيلة)، وتساءلت «سوزان» (محامية من عمّان) عن «الدماء الجديدة التي قيل إنها ستدخل الحكومة». هذا الانطباع يرده الكاتب الصحفي سميح المعايطة إلى «غياب معايير علمية وسياسية للتغيير والتعديل لدى الحكومة، وفي التقييم لدى المواطن»، مع تسليمه بأن الغياب مبرر لدى المواطن، لأن «من تصدى للتعديل، أعلن رغبته بالتغيير، ما دفع الناس للتقليل من قيمة التعديل الذي تم إعلانه»، بحسب المعايطة. باستثناء وزير الزراعة سعيد المصري بخلفيته الاستثمارية، ووزير التنمية السياسية موسى المعايطة بخلفيته الحزبية اليسارية، فإن خمسة من الوزراء الجدد سبق لهم أن تولوا حقائب وزارية، في حين شغل كل من وليد المعاني وزير التعليم العالي والبحث العلمي، نبيل الشريف وزير دولة لشؤون الإعلام والاتصال، وغازي الشبيكات وزير العمل، مناصب رسمية متقدمة. الأحد مساءً، حلت إشكالية وزارة الخارجية التي أطلق عليها الإعلام «عقدة البشير»، وتحدثت تقارير متواترة عن «رفض البشير تولي أيّ من حقيبتي العدل أو الصناعة والتجارة التي خير بينهما، مفضّلاً الخروج من الحكومة على ترك الخارجية». ما قيل لم يؤكده البشير، إلا أنه قال لـ»ے»: «أنا جندي عند سيدنا، وسأخدم في أي موقع يطلب مني»، وأكد مقرب منه رفض نشر اسمه، أنه «لم يُستشر أصلاً أو يُخيَّر كما قيل»، وهو ما أكدته لـ»ے» مديرة مكتب وكالة الأنباء الفرنسية في عمّان، رندة حبيب. الناطق الرسمي باسم الحكومة ووزيرها لشؤون الإعلام السابق ناصر جودة، حمل حقيبة الخارجية خلفاً للبشير، رشحه لها «إلمامه بالمحاذير وبالتفاصيل للمشهد السياسي، مع دأبه على إرضاء مراكز القوى لضمان بقائه في السلطة»، بحسب موظفين كبار زاملوه. تبديل المواقع في التعديل، كان أحد العوامل التي أدت مجتمعة، إلى خيبة الأمل من الشكل الذي انتهى إليه الفريق الوزاري، فلم يكن لمعايير الكفاءة وجودٌ ملحوظ. كان التبديل ملفتاً في حالة المهندسين علاء البطاينة وسهل المجالي، اللذين تبادلا وزارتي الأشغال العامة والنقل. البطاينة كُلف بحقيبة الأشغال، والمجالي بالنقل. يتساءل ناصر قمش، رئيس تحريرصحيفة «الحدث»: «إذا كان أداؤهما جيداً ولا يستحقان الخروج من الحكومة، فلماذا تم التبديل؟! في الخلفية استرضاء الباشا عبد الهادي المجالي بعد أن تردد احتمال خروج سهل من الوزارة»، على حد تعبيره. يعتقد قمش أن خروج مزاحم المحيسن من الحكومة، وتكليف سعيد المصري المستثمر في قطاع الزراعة، والمعروف بعلاقاته مع رجال الدولة، «تصفية سياسية للمحيسن، تمثلت بضغوط النواب وتدخلاتهم، وتهديداتهم بطرح الثقة به، ما صعب من اتخاذ الذهبي قراراً بإبقاء المحيسن رغم إعلانه أكثر من مرة رضاه عن أدائه». التبديل شمل أيضاً، نانسي باكير، التي استبدلت بحقيبة وزارة الثقافة، حقيبةَ تطوير القطاع العام، وهي بُلّغت بتبديل الحقائب مساء الأحد قبل 12 ساعة من إعلان التعديل. باكير نفت لـ»ے» أنها أعلنت رغبتها بترك الحكومة والاستقرار في القاهرة. تقول: «لم أعلن في أي وقت رغبتي بذلك، سبق وأجبت عن سؤال: هل أنت مذعورة من التعديل؟ بالنفي، وقلت: زي ما إحنا أجينا بعد ناس، في وقت لازم نترك مكانّا لحدا تاني». وأبدت سعادتها لبقائها في الحكومة لأنها «تكليف وتشريف معاً». نبيل الشريف، رئيس تحرير «الدستور» السابق، كثيراً ما أبدى افتخاره بأنه ابًن وزارة الإعلام كآخر وزير إعلام في الأردن قبل إلغاء الوزارة العام 2003، إلا أنه لم يتردد في قبول منصب وزير دولة لشؤون الإعلام والاتصال. سالم الخزاعلة، كُلف بحمل حقيبة وزير دولة للشؤون القانونية، ولم يرغب في الحديث عن موعد تكليفه وظروفه، واكتفى بالقول: «هذا أمر شخصي». عودة الخزاعلة إلى الموقع الوزاري، مهدت لها شخصيته التوافقية ورفعه شعار»لا تُغضب أحداً»، بحسب وصف أحد أصدقائه الذي طلب عدم نشر اسمه، وعدم تبنيه سياسات جدليه في مسيرته الوظيفية، بدءاً من توليه إدارة مراقبة الشركات، وزارة تطوير القطاع العام، الصناعة والتجارة، رئاسة ديوان المحاسبة، وصولاً إلى رئاسة ديوان المظالم قبل أشهر. انتساب الخزاعلة لواحدة من كبرى عشائر المملكة (بني حسن)، ساهم بشكل أساسي في عودته للحكومة، حيث كانت الترشيحات تتجه نحو الطبيب عبد الكريم الخوالدة، لتولي حقيبة الصحة، التي بُلّغ بحملها النائب السابق نايف الفايز (بني صخر)، مساء الأحد، بحسبة جهوية بعد خروج عيد الفايز من الحكومة، وتكليف وزير الداخلية الأسبق نايف القاضي (بني خالد) لحمل الحقيبة نفسها. دخول النائب السابق غالب الزعبي إلى الفريق الحكومي وزير دولة للشؤون البرلمانية، لم يثر كثيراً من الجدل، ورأى نائب حالي زامله في المجلس السابق أنه «رجل علاقات عامة جيد، لكن تنقصه الخبرة الدبلوماسية اللازمة لهذا المنصب». لدى سؤال مقربين من الزعبي، عن ظروف تكليفه وتوقيته، قالوا: «لا نعتقد أنه سيجيب عن هذا السؤال». يسجَّل للتعديل أنه أدخل إلى الحكومة ناشطاً سياسياً يسارياً، بتولي موسى المعايطة، الأمين العام السابق لحزب اليسار الديمقراطي (تم حله بعد صدور قانون الأحزاب الحالي) حقيبة التنمية السياسية. المعايطة، لم يشغل من قبل أي وظيفة حكومية، وهو من المتحمسين للإصلاح السياسي، يؤمل من اختياره إعادة الاعتبار لعملية الإصلاح السياسي التي شهدت انتكاسات متتالية، وربما لوزارة التنمية السياسية نفسها التي توصف غالباً، بأنها فائضة عن الحاجة، لعدم تقديمها لأداء نوعي منذ تأسيسها العام 2003 في عهد حكومة فيصل الفايز. التنمية السياسية كانت آخر محطة وزارية لصبري الربيحات، الذي شغلها في عهد حكومة معروف البخيت، وأعادته هذه المرة وزارة الثقافة إلى فريق الذهبي الحكومي. وبحسب مطلعين فإنه كُلف بها قبل ساعات من التعديل، تدخلت لصالحه أيضا الحسابات المناطقية، لتمثيل محافظة الطفيلة. يعزو منير الحمارنة، الأمين العام للحزب الشيوعي الأردني، ارتفاع سقف التوقعات، إلى أن مبررات التعديل ليست ذات علاقة بما يعتقد الناس أن التعديل يجب أن يتم لأجله. أهم قضيتين أساسيتين في المشهد الأردني: الحريات، ومواجهة الأزمة الاقتصادية، «لم يمسهما التعديل»، بحسب الحمارنة. الذهبي سعى لاستقطاب شخصيات ذات خبرة اقتصادية، إلا أنه لم يوفق في إقناع أي منها للانضمام إلى حكومته، فبقي فريقه الاقتصادي كما كان. محمد الحلايقة الذي سبق أن شغل منصب نائب رئيس الوزراء في الحكومة السابقة، تردد أنه كان أحد هذه الشخصيات، رفض التعليق، واكتفى بأمنيات «التوفيق للفريق الحكومي». جبهة العمل الإسلامي، أول طرف أبدى عدم رضاه عن التعديل، وعاجلت الذهبي بضربة استباقية، بانتقاد شكل التعديل قبل إعلانه بساعات، ورأت «أنه لن يشكل إضافة نوعية»، لأننا بحاجة إلى «حكومة سياسية قادرة على تعزيز الجبهة الداخلية» في ضوء أن الأردن في «مقدمة المتضررين من تشكيل حكومة إسرائيلية يمينة»، وأن «حكومة الذهبي لا تحقق هذين الهدفين». جاء ذلك في بيان حادّ النبرة أصدرته الجبهة عشية إعلان التعديل. في السياق نفسه، كتب فهد الخيطان في مقالته في «العرب اليوم» متسائلاً عن العامل الذي يحكم اختيار الوزراء الجدد، وكتب: «في الأردن لا توجد مؤسسات تفرخ قادة سياسيين، والنخب السياسية تواجه مأزق التجديد في غياب الأجواء المناسبة». كالعادة، ككل الحكومات السابقة، خرجت الحكومة بعد الجلسة الأولى لها في أعقاب التعديل مساء الثلاثاء الفائت، تعد بإجراء حوار وطني، وإعادة النظر بالتشريعات الناظمة للحياة السياسية، والمضي في الإصلاح السياسي. الحكومات، تحكم أداءها معايير الإنجاز على الأرض، وتجربة 15 شهراً من عمر حكومة الذهبي، إضافة إلى شكل «التعديل» الأخير ومضمونه، تعيد إلى السطح بقوة توقعات بتغيير حكومي محقق قبل نهاية العام الجاري. |
|
|||||||||||||