العدد 64 - كاتب / قارئ
 

اختار الجمهور الإسرائيلي يوم الثلاثاء 2009/2/10 ، النواب الذين يريد أن يمثلوه في الكنيست الثامن عشر، بعد جولة انتخابات انتهت في العاشر من شباط/فبراير الجاري تنافس فيها ثلاثة وثلاثون حزباً أبرزهم «الليكود »، برئاسة بنيامين نتنياهو، و «كاديما » برئاسة تسيبي ليفني، و «العمل » برئاسة إيهود باراك، و «إسرائيل بيتنا » برئاسة أفيغدور ليبرمان. أفرزت نتائج انتخابات الكنيست تشكيلة تعبّر عن اتجاهات الرأي العام الإسرائيلي الذي يتجه نحو مزيد من التشدد في صراعه مع العرب بعامة، والفلسطينيين بخاصة، وتحوله عن اليسار وميله بشدة إلى اليمين، وبخاصة منذ صعود أريل شارون للسلطة العام 2001 وحتى أواخر العام 2005 ، ليكون آخر الشخصيات الكارزمية «العنصرية »لدى الإسرائيليين.

بناء على النتائج التي تمخضت عن الانتخابات، يتبين هبوط حزب «كاديما » من 29 عضو كنيست، إلى 28 عضواً، في حين زاد حزبا «الليكود » و «إسرائيل بيتنا » من قوتهما في الكنيست، حيث ارتفع نصيب الأول من 12 نائباً إلى 27 ، في حين ارتفعت حصة الأخير من 13 نائباً إلى 15 ، بينما هبطت حصة حزب «العمل » من 22 عضو كنيست إلى 13 عضواً، ليصبح بذلك الحزبَ الرابع بحجمه في الكنيست. أما حزب «جيل » للمتقاعدين فلم يتمكن من اجتياز نسبة الحسم. كشفت نتائج الانتخابات، هشاشةَ الوضع السياسي والحزبي في إسرائيل، بعد أن وضعت

في يد الأحزاب الصغيرة، ومعظمها ديني أو قومي متطرف، مصيرَ أي ائتلاف حكومي. كما نتج عنها عودة حكم المرأة في إسرائيل إلى رئاسة أحد الحزبين الكبيرين، والمنافسة على منصب رئاسة الوزراء، بما يعيد إلى الأذهان تجربة رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة غولدا مائير.

المفاجأة الأساسية في الانتخابات، هي فوز تسيبي ليفني بفارق مقعد عن «الليكود »، بينما كانت استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي تعطي

الأفضلية دائماً لـ الليكود »، بفارق لم يقل عن أربعة مقاعد، رغم أن «الليكود » حصل على 27 مقعداً، وهو العدد نفسه الذي كانت تعطيه له

الاستطلاعات. وقد تفوق حزب «إسرائيل بيتنا » وتقدم إلى المركز الثالث، تاركاً حزب «العمل » التاريخي في المرتبة الرابعة، وهو أدنى عدد من المقاعد حصل عليه الحزب في الانتخابات الإسرائيلية منذ أول انتخابات إسرائيلية أجريت العام 1949 . يطرح تراجع حزب «العمل » أسئلة وتكهنات بشأن مستقبل الحزب الأهم في الساحة الحزبية الإسرائيلية، بل وربما يكون ذلك إعلاناً شبه أخير إلى بداية زوال اليسار برمته في إسرائيل. ويبدو أن الجمهور الإسرائيلي لا يرى اليوم صورة مشوهة لحزب «الليكود » كما كان يراها سابقاً، بل يراها أشد نقاء وصفاءً من صورة كلٍّ من «كاديما » و «العمل » وأحزاب أخرى. أما الأحزاب العربية، فقد تمكنت من تعزيز تواجدها مقارنة بالانتخابات السابقة، وحصلت على 11 مقعداً، رغم دعوات المقاطعة الصادرة من قوى أساسية داخل الأوساط العربية. وتوزعت المقاعد على الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة «حداش »، والقائمة العربية الموحدة للتغيير، وقائمة التجمع الوطني الديمقراطي. الجنوح نحو اليمين في المجتمع الإسرائيلي، وضعٌ جديد قد ترتدّ تداعياته، ليس فقط على مستوى النهج السياسي في الداخل الإسرائيلي، ولكن أيضاً على مستوى الشرق الأوسط بمجمله، من ناحية تأثيرها السلبي في عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية من جهة، والسورية الإسرائيلية من جهة أخرى، وهما العمليتان المتعثرتان حالياً وحتى إشعار آخر.

نتائج انتخابات الكنيست أظهرت بما لا يدع مجالاً للشك، أن المجتمع الإسرائيلي، شعباً وقيادة، لا يحمل مشروعاً سياسياً للسلام في المنطقة، وأن اليمين، واليمين المتطرِّف، هما اللذان سيكتبان الجزء الأكبر والأهم من سياسة الحكومة الإسرائيلية الجديدة، بصرف النظر عمَّن يرأسها، وعن بنيتها الحزبية.. وعلى الفلسطينيين بخاصة، والعرب بعامة، أن يضعوا البدائل البعيدة عن أوهام السلام، وأن يباشروا البحث عن استراتيجية جديدة في التعامل مع التطرف الإسرائيلي القادم.. فهل هم فاعلون؟!

خالد وليد محمود

إسرائيل تختار التطرف
 
19-Feb-2009
 
العدد 64