العدد 64 - ثقافي
 

مراجعة: نيكول إف واتس

تسعى دراسة دنيز ناتالي المقارنة، حول القومية الكردية، إلى شرح الفروق بين الحركات الكردية في العراق وتركيا وإيران؛ لماذا، على سبيل المثال، تأثرت الحركة الكردية في العراق بالقيادة والتنظيم القبليين أكثر مما تأثرت بذلك الحركة في تركيا؟ ولماذا تميل الحركة الكردية في إيران إلى التواؤم مع الدولة الإيرانية أكثر من نظيرتيها عبر الحدود؟

ببساطة، فإن ناتالي، بطرحها هذا النوع من الأسئلة، إنما تقدم إسهاما مهما في الدراسات الكردية التي لم تشهد من قبل سوى قليل من المنهجية المقارنة الواضحة. كما أن تحليلها المرتكز على وضوح في الرؤية، يمضي بعيدا في اتجاه تحدّي مفاهيم عديدة تنتشر في التحليلات المتخصصة

والعامة: الأكراد ليسوا سوى «مجتمع قبلي واحد كبير »: الأكراد الذين يتحالفون مع الحكومات المحلية «ليسوا أكرادا »، أو هم أكثر من الخونة؛ الأكراد يجب أن يشار إليهم على أنهم حالة من «الفشل القومي .» وبدلا من ذلك، تريد ناتالي من قرائها أن ينظروا إلى القومية بوصفها جزءا من عملية مرتبطة السياقات، يمكن للأمة من خلالها اتباع طرق متعددة وعلى فترات زمنية طويلة » )ص xxiv (، وبتحديد أكبر، للنظر حتى إلى القوميين الأكراد «العنيدين » على أنهم متأثرون بعمق بعدد من السياقات التي يمكنها أحياناً، أن تختزل ميولهم للتعبئة ضد الدولة، وتفاقمها أيضا. يتميز شرح الباحثة للطبيعة المتغيرة والمختلفة للقومية الكردية، بالوضوح، وبالتشديد، قبل كل شيء، على العلاقة بين التجمعات الكردية والدولة التي تعيش فيها. تشير ناتالي إلى ذلك بتعبير «إيقاع الخطوة السياسية « :» الفرص الثقافية والسياسية للمجموعات للتعبير عن هويتها الإثنية، واحتمالات الحصول على هويات بديلة على مر الزمن » )ص .)xviiiوكما توضح في ما بعد، فإن ذلك يتضمن مكونات،

مثل: طبيعة القومية الرسمية، واستراتيجيات الدول تجاه الأكراد. ومع أن مضمون «كرديتي » )الهوية القومية الكردية( يقوم، نسبيا، على ملامح جماعية موضوعية، فإن شخصيتها –سواء كانت مدينية، ريفية، دينية أو علمانية أو ما شابه ذلك– تتحدد على أساس طبيعة هذا الفضاء السياسي، الذي يتغير عبر الزمن والسمات الجغرافية.

مع أن مفهوم الفضاء السياسي، أحيانا ما يتعرض لأن يصبح تعبيرا فضفاضا، فإن ناتالي، غالبا ما توظفه توظيفا مفيدا في فصولها الثمانية المقارنة حول «الهوية القومية الكردية » في العراق وتركيا وإيران )لا تعالج وضع الأكراد في سورية، التي يعيش فيها عدد قليل نسبيا من الأكراد(. وهكذا فإنها في الفصل الأول الذي يتناول فترتي الحكم؛ العثمانية المتأخرة والقاجارية، تناقش «الفضاء السياسي الواسع »، الذي أدى فيه منح امتيازات إقامة «بنى اجتماعية تقليدية ،» إلى أن يشغل، إلى حد كبير، التعبئة القومية الإثنية )ص 11 ، 22 (. ويتتبع اثنان من فصول الكتاب حول الهوية القومية الكردية في العراق بين عشرينيات القرن الماضي ومطلع القرن الحادي والعشرين، العلاقات المتغيرة التي أقامها القادة الأكراد العراقيون مع النظم العراقية المتعاقبة، ونمو فهم يتزايد فيه الطابع الإثني للقومية الكردية تحت ضغط حزب البعث. ومنذ السبعينيات فصاعدا، كما تثبت، تفرعت القومية الكردية إلى فرعين، ليس فقط بين حزبين )الحزب الديمقراطي الكردستاني، والحزب الوطني الكردستاني(، بل وبين هويتين متعارضتين أيضا: الأولى تميزت بمقاومة عنيفة )رمزها البيشمرغة(، والثانية تميزت بالبحث عن تسوية.

وتنتقل ناتالي بعد ذلك إلى الهوية القومية الكردية في تركيا وإيران. وتتميز الفصول المخصصة للقومية الكردية في تركيا بتماسكها، مع أنها تغطي في معظمها، أرضية معروفة، فهي تنظر إلى الهوية القومية الكردية على أنها لم تكن تملك سوى فضاء سياسي «غير موجود تقريبا » في الفترة الأولى للجمهورية، قبل أن تجد مناخا أكثر ليبرالية في الستينيات، حين تشظّت الحركة وتشعبت إلى درجة أكبر بكثير مما كانت عليه في العراق. ومن أفضل أجزاء مناقشاتها هنا، تشديدها على دور التحول الاقتصادي الذي قام بإعادة تحديد القومية الكردية في تركيا، بعد العام 1960 وفي الثمانينيات من القرن الماضي، في إطار برنامج تورغوت أوزال للخصخصة )ص 112 - 113 (. غير أن بعض تقديراتها المقارنة أقل إقناعا؛ فهي تؤكد، على سبيل الجدل، أن الفضاء السياسي في تركيا الستينيات كان «خطيرا ومقيدا للقوميين الأكراد، إذ إنه تم في إطار الفترة الكمالية »

)ص 97 (. وربما وجدَ تنوع المجتمعات الكردية في تركيا «شكلا أقل تمثيلا للهوية القومية الكردية، أكثر مما فعل في العراق )ص 102 - 103 (. في مناقشتها للحالة القومية الكردية في إيران التي لم تحظ إلا بدراسات نادرة، تقدم ناتالي نقاشا معمقا يشرح، بين قضايا رئيسية أخرى، السبب في أن الهوية القومية الكردية هناك كانت، في العادة، أقل صدامية مما كانت عليه في العراق وتركيا. وهي تعزو ذلك أساسا إلى ثلاثة عوامل رئيسية: وجود بديل )عربي( هو «الآخر » في الخطاب القومي الإيراني، وحرية أكبر للأكراد في إيران للتعبير الثقافي، وهوية قومية إيرانية أقل إثنية. كما أنها تلاحظ أن تخلف التنمية في إيران لم يكن مركزا في المناطق الكردية من البلاد، بل إنها أثرت في العديد من المحافظات غير الكردية )ص 137 (. وفي صورة ما، ربما كان الفصل الأخير في كتاب ناتالي، الذي يتناول أساسا، أثر العناصر العابرة للقومية، القسم الأكثر إثارة للاهتمام والأكثر أصالة في الكتاب. فهو يسلط الضوء على الأثر التفضيلي للحيز الانتقالي «غير المتناسق »على الحركات الكردية الثلاث التي يتناولها الكتاب. تصوغ ناتالي هذا النقاش متعدد الجوانب بمهارة. وقد كان مهما في صورة خاصة، تشديدها طوال الكتاب على التجمعات الكردية في العراق أو تركيا أو إيران، كانت الجماعات الكردية تصور على أنها، وكما تقول حرفيا، «طرفا نشطا ومتنوعا يستجيب بطرق مختلفة » )ص 181 (، وليس بوصفها جماعة موحدة أو مخذولة. ومع أن الكتاب، يقوم نظريا على أساس متين من العمل حول الإثنية والقومية، فإنه مكتوب بلغة واضحة، حيث معظم المراجع موضوعة في نهاية الفقرات ذات الصلة. ومع أخذ ذكائها في الحسبان، فإن من الجدير بالملاحظة ثراء المراجع التي تتضمن عددا كبيرا من الوثائق الأولية )بخاصة الدوريات الناطقة بالكردية ونصوص أخرى(، ومجموعة من المواد الأخرى بلغات بينها الإنجليزية والكردية والتركية والفرنسية. وكما هو متوقع في كتاب في مثل هذا الاتساع، فإن هنالك بعض الانتقادات؛ فبعض التنظيمات والأحداث، وبخاصة الحروب، التي يتوقع المرء أنها أحدثت تأثيرا عميقا في طبيعة القومية الكردية، تبدو وكأنها افتقدت التوضيح الكافي أو تحليل آثارها )الحروب الكردية ضد الدولة العراقية في الستينيات، مثلا، وكذلك في تركيا، حزب العمال الكردستاني ونضاله ضد الحكومة التركية بعد العام 1984 (. وقد يجد المختصون أيضا أن الأفق الشامل للكتاب سمة تعميمية )شكوى عبثية، إذا أخذنا في الحسبان العمل الميداني الواسع للمؤلفة، والمعرفة العميقة بالسياسة الكردية، وبخاصة في كردستان العراق وأوروبا(. وعموما، فإن هذا الكتاب مهم لتقديمه شروط النقاش في حقل الدراسات الكردية الذي ما زال ضيقا، ولتقديمه دراسة منهجية متوافرة للقارئ العام المهتم بقضايا راهنة مثل السياسة الكردية والقومية في الشرق الأوسط.

*قسم العلوم الاجتماعية، جامعة سان فرانيسيكو، سان فرانسيسكو

بالتعاون مع: المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط

International Journal of Middle East Studies

الطبيعة المتغيرة والمختلفة للقومية الكردية
 
19-Feb-2009
 
العدد 64