العدد 2 - أردني
 

العلاقة المضطربة بين السلطات الأردنية والإخوان المسلمين توحي بأنها تتجه إلى نقطة اللاعودة، أو أنها ستنتهي إلى إعادة صياغة التحالفات التقليدية بين الطرفين. تتجه الأمور نحو صدام أو على الأقل صوب طلاق بعد عقود من التحالف.

ماذا حدث ويحدث بين حركة نشأت في حضن الدولة وسلطات استقوت بالإخوان المسلمين في مواجهة أعتى التحديات المحلية والإقليمية؟ تتعدد الفرضيات والتحليلات، فثمّة من يرى أن السبب الرئيسي يكمن في تخندق أقطاب في الجانبين: فئة من الإخوان ترفض الابتعاد عن المنطقة الرمادية فيما يتعلق بالموقف من إسلاميين متطرفين وأتباع القاعدة أمثال أبو مصعب الزرقاوي، وبالتتابع إصرار أجنحة في السلطة على تحجيم الجماعة الأكثر حراكاً ورسم معادلة سياسية جديدة على الساحة الأردنية.

هناك من يعتقد بأن دوائر رسمية وصلت إلى قناعة بأن الإخوان المسلمين باتوا عبئاً على الدولة، كما أنهم لم يعودوا شركاء في مواجهة التكفيريين أو مد التيار اليساري و"القومجي" العربي، كما كان الأمر في منتصف القرن الماضي.

أما الخبير في شؤون الحركات الإسلامية سميح معايطة، فيشخّص بأن السلطات لم تعد ترى في الإسلاميين "ميزة الاعتدال ومن ثم فإنهم لم يعودوا صمام أمان في مواجهة التطرف الفكري والتكفيري".

الباحث في الجماعات الإسلامية إبراهيم غرايبة يرى من جانبه أن الإخوان "ما يزالون من مصادر الدعم الأساسية للنظام السياسي" رغم أن "مدة صلاحية" التحالف معهم انتهت مع انتهاء تهديدات الحركات الراديكالية محلياً وفي المنطقة قبل 20 عاماً. التحوّل في العلاقة بدأ في مطلع العقد الماضي، حين دخلت جبهة العمل على خط المنافسة السياسية مع الحكومة، بحسب غرايبة، الذي استذكر كيف كانت مكوناً مجتمعياً ومورداً محايداً للدولة قبل ذلك التاريخ.

وأكد غرايبة مع ذلك أن الإسلاميين سيظلون أحد "مصادر الدعم" في أي "وقت تواجه فيه السلطات تحديات"، لافتاً إلى أنهم "جزء من الاستقرار والاعتدال" في الأردن.

العام الماضي، شهد سلسلة مواجهات وسجالات بعضها مرتبط بلاعبين خارج الأردن مثل: حماس الإسلامية- صنو الإخوان على الساحة الفلسطينية- التي بسطت بالسلاح نفوذها على قطاع غزّة منتصف يونيو/حزيران بعد أن أقصت فتح على جبهة صناديق الاقتراع.

إذ وقفت قيادات إخوانية ضد الرواية الرسمية الأردنية التي اتهمت خالد مشعل، رئيس مكتب حماس السياسي المقيم في دمشق، بمحاولة تجنيد أتباع في الأردن مطلع العام الماضي لتخزين أسلحة ومتفجرات تمهيداً لاستخدامها داخل المملكة.

في موازاة ذلك رفض نائب إسلامي سابق التراجع عن إشادة علنية بالمتشدّد الأردني أبو مصعب الزرقاوي عقب مقتله في منتصف العام 2006. جاء ذلك خلال زيارة إلى بيت العزاء قام بها محمد أبو فارس إلى جانب ثلاثة من زملائه. أسفرت تلك الواقعة عن توقيف النواب وصولاً إلى سجن اثنين منهم، قبل أن يصدر الملك عفواً خاصاً.

بينما رأى غرايبة أن مسألة الزرقاوي "ملتبسة لأنه يحارب الأميركيين في العراق"، أوضح أن الإخوان يدينون العنف في الإجمال "ولا يمارسونه".

ولا تتكتم السلطات الأردنية بأنها وفرّت القوة الاستخبارية واللوجستية التي ساهمت في تصفية الزرقاوي في غارة أميركية- بعد سبعة أشهر من إعلان مسؤوليته عن مقتل 60 شخصاً في تفجيرات استهدفت ثلاثة فنادق عمّانية.

مجاهد ولكن!

إحجام قيادات إسلامية عن توصيف الزرقاوي بالإرهابي عمّق الشرخ مع السلطات. في المؤتمرات الصحافية سعت هذه القيادات للتملص من الإنجرار إلى تحديد موقف صريح من أنشطة الزرقاوي التفجيرية: جاء الجواب غامضاً، إشادة بخطّه "الجهادي" لكن مع عدم تأييد قتل مدنيين. هذه الضبابية في المنطقة الرمادية رفعت منسوب الشك حيال نوايا الإخوان لدى السلطات.

انهيار جدار الثقّة المتسارع بين السلطات والإخوان قد ينهي ستة عقود من الود بين الطرفين، تخلّلتها تحالفات استراتيجية في ثلاثة مفاصل خطيرة على الأقل كادت أن تطيح بأسس الدولة في العقد الخامس، والسادس، والسابع من القرن الماضي.

النشأة والتحالفات

كيف نشأ الإخوان المسلمون في الأردن؟ وما هو المسار الذي انتهجوه في ظل التداعيات الإقليمية والصراعات الدولية منذ ترخيصهم كجماعة دينية عام 1946 وحتى بوادر الطلاق البائن هذه الأيام؟

بخلاف الحركات الإسلامية في دول الجوار، نسج الإخوان علاقة وطيدة مع القيادة الأردنية الضاربة جذورها في آل بيت رسول الإسلام.

عندما تلج منزل قيادي إسلامي، لن يثير استغرابك صف صور تخلّد لقاءات رسمية بين الملك وإسلاميين.

وهكذا نشأ إخوان الأردن في حضن الدولة في ظل سياسة محاور إقليمية في أربعينيات القرن الماضي.

كانت الدول حديثة الاستقلال تدور حول محورين: الهاشميون في بغداد وعمّان في مواجهة تحالف عبد العزيز آل سعود في الرياض والملك فاروق في القاهرة.

أما سورية فكانت تتأرجح بين هذين المحورين طبقاً لنتائج الانقلابات المتواترة المدعومة عربياً و/أو دولياً.

أمير الأردن (آنذاك) عبد الله الأول، المتدين بالفطرة، استشعر فائدة الإخوان كورقة ضغط على الملك فاروق ففتح لهم أبواب عمان هرباً من قمع السلطات المصرية آنذاك، حسبما يستذكر رئيس قسم الإعلام السابق بالإخوان المسلمين زياد أبو غنيمة الذي التحق بالجماعة عام 1947.

وهكذا أصدر مجلس الوزراء برئاسة إبراهيم هاشم ترخيصاً للجماعة عام 1946 للعمل تحت مظلة جمعية دينية خيرية.

خلال الحرب العربية-الإسرائيلية الأولى عام 1948 تطوع إخوان الأردن للجهاد في فلسطين، في مقدمتهم عبد اللطيف أبو قورة، أول مراقب عام لجماعة الأردن. تمّ ذلك بعلم الحكومة الأردنية وتشجيعها.

حين ألحقت الضفة الغربية بالأردن عام 1950، انصهر الإخوان في الضفتين تحت راية واحدة. ودرج تقليد يقضي باختيار نائب المراقب العام من أبناء فلسطين.

التقاء المصالح

عام 1957، التقت مصلحة النظام الأردني والإخوان في التصدي لمحاولة انقلابية نسبت إلى تيار اليسار والقوميين العرب، وذلك بعد خمس سنوات على جلوس الملك الراحل الحسين بن طلال على العرش.

يستحضر مسؤولون قدامى كيف تصدّى الإخوان المسلمون عسكراً ومدنيين لمتمردين من الجيش كانوا يستعدون لمغادرة معسكرات الزرقاء باتجاه القصور الملكية في عمّان.

حتى ذلك الوقت، كان الجيش يضم ضباطاً حزبيين ومسيّسين قبل أن تصدر قوانين بالفصل التام بين المؤسستين العسكرية والسياسية وحظر الأحزاب رسمياً.

حفظ الحسين الجميل للإخوان المسلمين حتى إنه عرض على مراقبهم الثاني محمد عبد الرحمن خليفة تشكيل حكومة، حسبما يستذكر أبو غنيمة نقلاً عن المراقب العام. إلا أن الإسلاميين اعتذروا لمعرفتهم بحساسية المعادلات الإقليمية والدولية.

في تلك الحقبة، استقبل الأردن مئات الإخوان المصريين الهاربين من حكم جمال عبد الناصر، بل ووهب عدداً منهم الجنسية الأردنية، كما أوصل بعضهم إلى كرسي الوزارة مثل الشقيقين كامل ومحمود الشريف.

استثناء الإسلاميين من حظر الأحزاب الذي دام 35 عاماً، مكّنهم من الانتشار والتعبئة على مدى عقود في ساحة شبه خالية وبإسناد حكومي. فانتشرت عناصرهم في التربية والتعليم والصحة والمجالس التشريعية منذ أول انتخابات عام 1947.

حصد الإخوان 22 مقعداً عام 1989 في أول انتخابات تشريعية تجرى في المملكة خلال 22 عاماً، بعد رفع الأحكام العرفية.

على أن الإخوان أحجموا عن الانخراط في السلطة التنفيذية باستثناء مرحلتين: عام 1973 عندما استلم اسحق الفرحان حقيبتي التربية والتعليم والأوقاف، وعام 1990 عندما ضم مضر بدران خمسة إسلاميين إلى حكومته.

"توزير الثوريين"

وصلت العلاقة بين السلطات والإخوان عتبة التحالف الاستراتيجي مرة أخرى عام 1970 عندما طرد الجيش الأردني الفصائل الفلسطينية المسلحة.

في ذلك الوقت رفض الإسلاميون حمل السلاح ضد الجندي العربي، وبالتالي أخلوا ما كان يوصف ب"معسكرات الشيوخ" ضمن تشكيلات حركة فتح، وتنازلوا عن أسلحتهم لكبرى الفصائل الفلسطينية، حسبما يستذكر أبو غنيمة.

أما الأحزاب اليسارية فمارست النشاط الحزبي في الباطن من خلال العمل الفدائي، حتى جاء وصفي التل الذي اخترع معادلة "توزير الثوريين".

فنقلت الأكثرية البندقية من كتف إلى كتف واحتل "الثوار" كراسي وزارات لعقود لاحقة.

منذ مطلع الثمانينيات، خلت الساحة أمام الحركة الإسلامية واستخدمها الأردن ورقة في مواجهة سورية. لكن عندما تقارب البلدان، اشترطت دمشق بأن تضحي عمّان بعلاقتها الوطيدة المعلنة مع الإخوان.

بعد وصول الملك عبد الله الثاني إلى الحكم عام 1999، طرد الأردن قادة حماس الفلسطينية في مسعى للفصل بين المعسكرين. نفّذ تلك الحملة أول رئيس وزراء في عهد الملك، عبد الرؤوف الروابدة الذي كان، في بداياته، من مناصري الإخوان.

مذاك تنامى التوتر وصولاً إلى مرحلة التصعيد خلال الأشهر الأخيرة. عندما أعلن الأردن منتصف العام الماضي عن ضبط "مؤامرات إرهابية" منسوبة إلى قادة حماس في دمشق، حمل بعض إخوان الأردن لواء الدفاع عن حماس لدرجة تكذيب الرواية الرسمية.

وتداعت الأحداث وصولاً إلى إحالة ملف بيت مال الجماعة- جمعية المركز الإسلامي- إلى القضاء، ما يعكس توجهاً رسمياً لقص أجنحة الإسلاميين المالية واللوجستية.

بين منتصف الأربعينيات والآن سقطت أيديولوجيات، انهارت أنظمة وتفكّكت إمبراطوريات- فهل تقطع شعرة معاوية مع الإسلاميين؟

هل استنفدت الدولة أغراضها من الإخوان المسلمين؟ - السجل خاص
 
15-Nov-2007
 
العدد 2