العدد 64 - ثقافي
 

رسمي أبو علي

خلال الأسبوع الأول من شباط/فبراير الجاري، عرضت خمسة أفلام روسية معاصرة ضمن «أسبوع الفيلم الروسي »، في مركز الحسين الثقافي، فكانت فرصة لمحبي السينما أن يشاهدوا أفلاماً تختلف عن المألوف، صنعت في المرحلة السوفييتية، حيث كانت أيديولوجية الحزب الشيوعي السوفييتي السياسية، والاجتماعية وحتى السلوكية ماثلة بقوة خلال تلك الأفلام.. لذلك يثور الفضول لمعرفة ما طرأ على هذه السينما من تحول وتغيّر بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وبخاصة أن الأفلام الروسية، مثلها مثل الأفلام الأوروبية، لا تُعرض تجارياً عندنا، وإنما ضمن مهرجانات وعروض سينمائية خاصة. بين أهم الأفلام المعروضة هناك فيلمان هما: «باركوا المرأة »، من إخراج «ستانلاف جوفوريغن »، وهو مخرج معروف في روسيا، وفيلم «الإيطالي ». عن طفل يبحث في ظروف مستحيلة، عن والدته التي لا يعرفها، ويتمكن أخيراً من العثور عليها، والفيلم من إخراج «أندريه كرافتشوك .»

أما الأفلام الثلاثة الأخرى فهي: «الإجازة الأخيرة »، من إخراج «بافل سانيف »، وهو فيلم مغامرات وآكشن، إلى حد ما، و «الأربعة سائقو التاكسي وكلب »، وهو فيلم مغامرات صغيرة في إطار كوميدي مرح، أما الفيلم الخامس فهو «عن الحب في أي مناخ »، من إخراج المخرجة «ألاّ سوريكوفا .» تميّزت هذه الأفلام بقدر كبير من البطء، ويبدو أن الإيقاع العام للشخصية الروسية إيقاع بطيء، بعكس السرعة الصاعقة والحركة المجنونة في أفلام هوليوود. رغم هذا البطء، إلاّ إنها أفلام جيدة، ليست باهرة، لكن مشاهدتها تثير المتعة.

«باركوا المرأة ..» كان هذا فيلم الافتتاح، الذي يستلهم فترة الحرب العالمية الثانية وصولاً إلى حصار ليننغراد، ليروي قصة المرأة الرائعة «فيرا »، وهي في الخامسة والعشرين عندما التقت بالصدفة على شاطئ البحر ضابطاً روسياً بمظهر حديدي، ورغم مظهره هذا إلاّ أنه يعرض عليها في اللقاء الثاني بعد يوم واحد أن تتزوجه. ويعرض عليها طلبه بصورة الأمر العسكري، قائلاً: «غداً ستأتين معي، فأنا أريد أن أتزوجك، أظن أنك موافقة »، وبكل رقة واستجابة تجيب: «نعم، أريد ذلك »، فقد وقعت في الحب من النظرة الأولى.. لقد كانت جاهزة للوقوع في الحب من النظرة الأول، فهي امرأة في قمة التفتح والأنوثة، متعطشة للحب والحياة مع رجل، ما يعيد إلى الأذهان صورة )سي السيد( المصرية. فيرا ليست إلاّ

صورة أخرى لزوجة )سي السيد(، إنه يصدر لها الأوامر في كل لحظة وهي تستجيب دون اعتراض، وتستمر في حبه بسبب طيبتها الزائدة، أو لتلقيها دروساً عن فن الخضوع لسيطرة الرجل.

لكن الحرب الرهيبة الدائرة ضد ألمانيا النازية، تجبر الضابط على التنقل من وحدة عسكرية إلى أخرى وهو يصطحب فيرا معه في ظروف بالغة القسوة والصعوبة، لكنها لا تشكو، وتواصل التنقل معه بكل انضباط. خلال تنقلها تُشكّل بعض الصداقات مع نساء، إحداهن ممرضة لها ولدان من زواج أو علاقة سابقة، إذ يبدو أن هذه الممرضة تعيش بطريقة حرّة ومزاجية بعكس فيرا المنضبطة، لكن الأمر لم يطل حتى يموت زوجها ويترك لها بيتاً واسعاً تحوله إلى فندق، حيث تبدأ حياة أخرى، متحررة بخلاف حياتها الأولى، وحيث تستضيف في الفندق صديقتها الممرضة، كما تستضيف مطربة روسية هاربة من ضغط الحياة وصخبها في العاصمة موسكو. إذاً، تواصل فيرا حياتها وقد أخذت تستمد الحب من كل من حولها وليس من إنسان واحد، إلى أن تتعرف برجل مثقف يجيد الحديث وفن معاملة النساء، فتقع في غرامه ولعلها ستتزوجه، إذ إن المخرج لا يوضح ذلك. الحياة تستمر والإنسان يتغيّر ويصبح أكثر لطفاً وحناناً من خلال حب الآخرين.. ربما هذا ما أراد المخرج أن يقوله عبر هذا الفيلم.. وأخيراً يتعين القول إن الفيلم لا يخلو من إشارات ناقدة بقسوة للمرحلة الستالينية. «الإيطالي » قصة طفل يتيم في السادسة يقيم في ملجأ مع عشرات من الأيتام، ويقع اختيار إحدى الأسر الإيطالية عليه لتبنّيه عبر امرأة بدينة قاسية في منتصف العمر، تقوم بعقد الصفقة مقابل خمسة آلاف دولار،

وتستخدم نفوذها لإتمام الصفقة بأي ثمن بعد استكمال الإجراءات اللازمة.. لكن «فانيا » الولد الاستثنائي يرفض الانضمام إلى الأسرة الإيطالية رغم الإغراءات قبل أن يعرف حياته الماضية، وتحديداً قبل أن يعرف أمه. يبدأ «فانيا » رحلة البحث التي تبدو مستحيلة عن عنوان والدته، يصل بمساعدة أصدقاء إلى ملف أمه في خزانة المكتب، لكنه لا يعرف القراءة، وبمساعدة ممرضة متعاطفة يستطيع تعلّم القراءة، وبالتالي الحصول على المعلومات اللازمة التي قد ترشده إلى عنوان الأم. بعد سفر بالقطار وتوقف في بلدات عديدة ومطاردات، يقوم بها مساعدة المرأة السمسارة، يتمكن «فانيا » أخيراً من الوصول إلى أمه. يعاني الفيلم من البطء، لكنه يمتاز بأداء الممثلين الذين ظهروا بشكل عفوي تلقائي شديد الهدوء كأنهم لا يمثلون.. فكأننا نشاهد فيلماً تسجيلياً لا روائياً.

أسبوع الأفلام الروسية: أعمال معاصرة بخلفية تاريخية
 
19-Feb-2009
 
العدد 64